USATODAY.com News

Friday, October 28, 2011

حسام تمام




كنت أقف فى انتظاره وهو يقترب منى داخل الاستوديو وأنا متعجب ومعجَب بهذه الصلابة التى تستند إلى عكازين! رغم نحول قوته وضعف ساقيه عن تحمل جسده واستناده -مع العكازين- على زميل يأخذ بيده ثم يأخذ عكازيه بعيدا حين يجلس على المقعد أمامى بإعياء محارب، كنت أحيى -منبهرا- هذه الصلابة الحقة، كيف يحضر لى أسبوعيا من سرير مرضه فى مستشفى يتلقى فيه علاجا كيميائيا لخلايا السرطان التى تغزو كعدو خبيث شرير ومراوغ وعدوانى، رئته ثم دماغه ثم يكون هذا الدماغ على درجة من الذكاء والصحوة والقدرة على الرؤية والتحليل العميق القادر على النفاذ فى جيولوجيا التيارات الإسلامية.
إذا لم يكن هذا هو الإيمان، فماذا يمكن أن يكون فعلا؟!
كنت قارئا متابعا ومخلصا لكتابات حسام تمام، الباحث الشاب والمفكر النابه والمحلل الاستثنائى والمتفرد فى فهم وشرح وتحليل التيار الإسلامى على مستوى الأفكار والحركة، الرؤية والاستراتيجية، الأفراد والجماعات، يملك مفاتيح خريطة التيارات الإسلامية ويفك شفرتها وكل رموزها. واحتفظ حسام طول الوقت بهذه المحبة الدفيئة للتيار الإسلامى، لكنه كان حريصا على أن يقرأه بعقله، لا بقلبه، يحلله ليضيف إليه مصححا ومصحصحا، يفنده ليفيده، وينقضه ليقويه، وينقده لينقيه، كان صريحا دون أن يجرح، وكان مستقيما بلا لف أو دوران أو مراوغة فى المعنى أو الدلالة. لغته فى التحليل المكتوب كما لغته فى التحليل الشفاهى، رشيقة وعذبة ومفصلة ومفسرة بهدوء، لا مثيل له عند كثير من محللينا وكتّابنا الذين يتوترون وينفعلون عندما يحبون وحين يكرهون، والذين يبخسون الناس أشياءهم أو ينفخون الناس بأهوائهم. حسام تمام نسيج وحده، ليس هذا احتفاء به، بل احتفال بمثل ما فيه وقيمة ما يحمله.
الباحث حين تغزر معلوماته تصيبه بدوار التشوش، وحين يصادق مصادره ومبحوثيه تتآكل موضوعيته، لكن حسام تمام مغموس ومنغمس فى واقع التيار الإسلامى ومنتمٍ، ربما، ومقترب للغاية ومتورط أحيانا، إلا أنه فى ساعة الجد وحيث يكتب أو تطلب كلمته أو ننتظر رؤيته يتجرد من كل الدخائل العاطفية ويبقى هذا العقل المحايد مثل جرّاح فى غرفة العمليات يقدّر للمشرط موضعه!
ما سر هذا الرجل بحق؟
لماذا بدا هكذا أكثر اتزانا وتوازنا من أن يكون حقيقة؟
كيف صار هذا العقل المخلص متخلصا من كل عيوبنا ونافرا من كل إغراءات أن تثرثر وتقول كلاما منفوخا ومجعوصا ومعقدا فيعتمدونك مفكرا فى هذا الشأن ومتخصصا فى هذا المجال؟
لماذا كان حسام تمام أمينا مؤتمَنا على علمه إلى هذا الحد الأقصى الذى يجعله مثاليا، لا مثالا، ويجعله وحيدا لا واحدا؟
الإجابة أنه كما أن هناك إنسانا ابن موت، فإن حسام تمام كان باحثا ابن موت!
تحمست له كقارئ شغوف بمعرفة ما لا أعرف ومنذ بدأت إعداد حلقاتى التليفزيونية، فكرت فعرضت على حسام أن يكون ضيفى الأسبوعى لمناقشة وتحليل الحالة الدينية والحركات الإسلامية فى توقيت صعدت فيه للسطح علانية الإخوان المسلمين وطفت فيه على الواقع أفكار وتحركات السلفيين، واستردت فيه الجماعة الإسلامية شريان حياتها، وفى ذات اللحظة التى اقترحت عليه الفكرة، فتحمس ووافق، فاجأنى بخبر إصابته بالسرطان وأنه بصدد كشوف طبية وتحاليل وأشعة ومشروع علاج كيماوى. قال كلامه بذات الروح المطمئنة والنبرة الهامسة والاستقامة اللغوية الواثقة، وبهدوء يثير صخب الأفكار داخلك عن قوة هذا الكائن الذى يتجلد أمام المرض ويمسك بحبل إيمانه كأنه حبله السرى المتصل بروحه والمتواصل مع الله صلاة بركوع وسجود العين والزفير والشهيق بذات الحرص على ركوع بالجسد وسجود بالرأس!
وكان منتظما فى المشاركة بالبرنامج قادما إليه كل مرة بعكازين يتوكأ عليهما، وحين يبعدهما عن الكاميرا يمد لنا جميعا ألف عكاز لنفهم ما لا نعيه ونستوعب ما لا ندركه فى الظاهرة الإسلامية ويبث فىّ وفيكم طاقة العلم والتعلم وتفتّح العقل وانفتاح القلب على استيعاب المختلف واحتواء المخالف وفهم ما غمض.
أعرف السرطان ورأيت شرّه الخبيث يتجول فى غُدد خالى الكبير وقد حرمنا من ضحكته الصافية وروحه المرحة وأبوته الحانية، وقد كان السرطان يأكل من قوّته كل صبح فيطفئ مصباحا فى روح خالى كل ليل.
وقد علمنى حسام تمام -وهو يأتى إلى البرنامج فى آخر حلقاته جالسا على مقعد متحرك- أن فى قمة العجز تكون قوة التسليم، لا الاستسلام، ظل متابعا ومحللا ومتنبها وقارئا وكاتبا، وهو فى المستشفى لم يبرحه إلا للقاء البرنامج، ثم يعود مربوطا بالمحاليل والأسلاك والأجهزة ومغمورا بالامتحانات الإلهية لصبره وتحمله، وهو ينظر فيرى زوجته الشابة الصبور المؤمنة التقيّة، وأطفاله الأبرياء المتشبثين بعيونه المتوسلين إلى الله -عز وجل- أن يُبْرِئ أباهم من علته ويأخذ بيده إلى منزلهم فيغمرهم بحبه ويلثمهم بعطفه وحنيّته، ولكن الله بحكمته يأبى أن يتم لهم الشفاء حتى يشفينا من غرور الدنيا بأن يأخذ من بيننا النبيل الرقيق الطاهر العذْب، ويبقى فينا ومعنا شِرارنا!
قبل يومين فقط من وفاته -وقد شق صدرى صوته الواهن الضعفان المتقطع المفتت الحروف- اتصل بى ليطلب منى شيئين: الأول أن أكتب مقدمة كتابه الذى أرسله إلىّ من سريره فى غرفة العناية المركزة وأدفع به إلى «دار الشروق» وأوصانى أن أؤكد أنه لم يقصد أى إساءة إطلاقا لجماعة الإخوان المسلمين، وهو يحللها ويكتب عنها صفحات فصوله وأنه يحترم أفكارها وأعضاءها ورسالتها، ولكنه أيضا أراد للجماعة وللجميع أن يعرفوا إلى أين يذهب الإخوان؟ فى قراءة أمينة دقيقة لعلها تعود بالخير على الجماعة إن استوعبت وقدرت، وعلى جمهور الأمة وقرائها إن هم عرفوا وأدركوا.
الشىء الثانى أنه أراد منى أن أرد على تليفونه حين يطلبنى بعدما يموت، قاصدا أن زوجته الثكلى أو أبناءه الغاليين سيتصلون بى من نفس الرقم، فضربنى الرجل برقته وكرمه ومحبته فى أوجع ما فى داخلى ضعفا!
يا لَوعى على حسام تمام صديقى الذى منحه الله لى شهورا، ثم سلبه منى ومنا ليُودِعه جنته حيث خلد الخالدين وطمأنة المطمئنين وحيث لا موت ولا سرطان.
الله يرحمك يا حسام لا ندعو لك، بل نسألك الدعاء.

Friday, October 21, 2011

د. خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية في حوار خطير عن الجيش والسلطة والثورة






  • المؤسسة العسكرية لم تنحز للثورة لأنها لا تقبل التغيير بسهوله.. والجيش عمل على تحجيمها منذ تنحي المخلوع
  • الجنرالات يريدون ترك السلطة و يحكمون من وراء حجاب ويبحثون عن فصيل سياسي للاتفاق معه والإخوان فشلوا في جمعة السلفيين
  • لم استطع ترديد شعار “الجيش والشعب أيد واحدة” لأن لدى شك في المؤسسة العسكرية باعتبارها ركن أساسي من أركان النظام
  • الجيش يعمل منذ فبراير على منع الثورة من الوصول إليه.. وانضمام شباب الضباط للمتظاهرين يوم 9 ابريل هو ما كان يخشاه
  • إطلاق الرصاص الحي على الضباط ومن يحرسونهم من المدنيين داخل الكعكة الحجرية هدفه أن يرى الضباط عواقب نشر الثورة داخل الجيش
  • حقنا معرفة ميزانية الجيش.. وأن نسأل أسئلة عميقة ومحرجه حول من يديرون أموالنا داخله وعلى أي أساس تصرف ؟ .
  • الحديث عن أن الجيش المؤسسة الوحيدة المتماسكة في هذا البلد خداع  والاطلاع على تفاصيله لا يعنى تفكيكه أو تسريحه أو محاكمة ضباطه
  • ثورة يناير ليست ثورة على مبارك فحسب و لكن على هزائمنا منذ 1967 وعلى المنظومة الأمنية والعسكرية التي أهانت كرامة المصريين
  • الأمريكان قالوا للقيادات المصرية لا يمكن إطلاق النار على المتظاهرين لأن ذلك يسبب مشاكل داخل الجيش الأمريكي
حوار – محمد عبد العظيم :
في رسالته للحصول على درجة الدكتوراه من جامعه أكسفورد البريطانية درس الدكتور خالد فهمي رئيس قسم التاريخ في الجامعة الامريكيه بالقاهرة تاريخ الجيش المصري وبدايات تأسيسه في عهد محمد على ولذلك قابلناه لنسأله عن العلاقة بين الجيش والشعب في أعقاب ثوره 25 يناير وكيف تفكر المؤسسة العسكرية المصرية وأشياء أخرى كثيرة :-
* قلت من قبل أن الشعب بمجرد نزول الجيش إلى الشارع يوم 28 يناير هتف” الجيش والشعب أيد واحده” إحراجا للجيش وإجباره على الانحياز للشعب وليس للقائد الأعلى للقوات المسلحة ؟
هذا الشعار لم استطع ترديده لأن لدى شك في المؤسسة العسكرية ليس في مصر فقط ولكن في أي بلد أخرى لأن الجيش مؤسسه محافظة وغير ثوريه وهى ركن اساسى من أركان أي نظام بالاضافه إلى الشرطة الركن الأخر، نحن قمنا بثوره لإسقاط النظام و جزء اساسى من النظام هو المؤسسة العسكرية ولذلك فأنى لم أكن اقتنع بان المؤسسة العسكرية ستنحاز للثورة لأنها لا تقبل التغيير بسهوله .
أما بالنسبة للمؤسسة العسكرية المصرية فيوجد أسباب كثيرة للوقوف ضد هذه الثورة على وجه الخصوص حيث إن مصالحها كثيرة ومتشعبة و هذه الثورة تطرح اسئلة عليها، و بديهيا ان تتحفظ على هذه الاسئلة و تخشى الاجابة عليها، ولذلك فان الجيش ليس من مصلحته نجاح هذه الثورة ولكن الثورة وطوفان البشر اكبر منه وهنا كان السؤال سنقف مع النظام أم لا ؟ .. و كانت الاجابه لن نقف معه و هذا لا يعنى إننا سنقف مع الثورة والآن يقف مراقبا للأوضاع و في أي اتجاه ستسير؟ و يحاول جاهدا لملمة الموضوع ولذلك نرى ان الجيش يقدم تنازلات بعد كل ضغط شعبي كبير و ذلك لأنه لا يريد ان يحقق المطالب وهذا الضغط لا يزال موجودا .
الجيش منذ فبراير الماضي يعمل على تحجيم الثورة ومنع الطوفان الثوري من الوصول إلى داخل الجيش والناس من حقها ان تسأل اسئلة عميقة ومحرجه ليس فقط عن المصالح الاقتصادية للجيش ولكن عن الاداء القتالي أيضا وهى اسئلة مشروعة.
من حق الشعب ان يعرف ماذا يفعل الناس الذين يسلحهم من أمواله؟ وعلى أي أساس تصرف الأموال التي يدفعها؟ .
بالنسبة للتجنيد وهي ضريبة باهظة يدفعها الشعب كله سواء عام او عامين او ثلاثة أعوام من عمر المجندين فى الجيش نريد معرفة كيف يستفيد الجيش من هؤلاء المجندين؟ وهذا أيضا سؤال مشروع . هل هذه أفضل صفقات سلاح تعقدها مصر و أرخصها وأكثرها كفاءة أم يوجد فساد في هذه الناحية؟
كما أن القدرة القتالية للجيش نفسه هل يكون التدريب على درجه عاليه ام لا؟ .. هل يملك جاهزيه لخوض الحرب فى أي وقت والدفاع عن مصالح البلد ام لا ؟ … كل هذه الاسئله رغم إنها تتعلق بالشق العسكري لكن من حق الرأي العام الاطلاع عليها و لا تخص العسكر وحدهم وهذا في صالح الجيش في النهاية، حيث الاعتماد على الشفافية من آليات الرقابة .. والرقابة هي الوسيلة الرئيسية لتحسين أداء اى مؤسسة و منع استشراء الفساد و التلاعب فيها، فالمطالبة بالانفتاح على الجيش والرقابة الشعبية عليه من مصلحه الجميع على غرار ما يحدث الآن مع الشرطة .
*ما هى الاختلافات الجوهرية بين الثلاثة مراحل التي مر بها الجيش المصري منذ تأسيسه على يد محمد على مرورا بمرحلة الاحتلال البريطاني حتى جيش ثورة يوليو و هو الجيش الحالي ؟
جيش محمد على كان جيش الأسرة ويخدم أطماعهم الاستعمارية سواء فى عهده او فى عهدى سعيد او اسماعيل و كان جيش الخديوي فى المقام الاول اما فى مرحلة الاحتلال فكان الجيش البريطانى هو الذى يحمى الحدود المصرية وكان الجيش المصرى فى ذلك الوقت يودى بعض المهام فى ما يخص الأمن الداخلي فى ظل انعدام قدراته القتالية وكان ذلك السبب في هزيمة حرب 1948 .
أما المرحلة الثالثة والتي أعقبت ثوره يوليو 1952 فمنعت السياسة من دخول الجيش بعد ان قام الضباط الأحرار بالانقلاب وأصبح جيشا محترفا ولكن انعدام الرقابة الشعبية من ناحية ووجود الشللية على يد المشير عبد الحكيم عامر من ناحية أخرى أدت إلى وقوع المأساة سواء في 1956 او 1967 و كانت الأولى هزيمة عسكريه مروعه والأخرى اشد منها وكانت هزيمة ساحقه في 1967 بسب انعدام الرقابة الشعبية بعد 1956، وقد تمت أعادة هيكلة الجيش في أعقاب هزيمة 1967 و تغيير قيادته و لكن لم يحدث أعادة هيكله لمنظومة الحكم في مصر تحدد علاقة الجيش بالدولة .
ولذلك فان ثورة 25 يناير ليست ثورة على مبارك فحسب و لكن ثورة على كل من هزيمة 1967 و ثورة يوليو 1952 وعلى المنظومة الأمنية والعسكرية التي أهانت كرامة المصريين في الوقت الذي لم تتحقق فيه انتصارات عسكرية على يد الجيش ولا سلام داخلي على يد الشرطة و ذلك فشل لكليهما و رغم ان السجل العسكري للجيش ليس ناصعا و به نقاط سوداء إلا إنه يحظ باحترام جموع كثيرة من المصريين .
*هل هذا رغم إن الشباب المصري يبحثون عن وساطة للحصول على إعفاء أو تأجيل من التجنيد فى الجيش ؟
هذه هي العلاقة الشائكة فربما يخشى الناس من الجيش و لذلك يحترمونه.
*هل تعتقد أن انضمام شباب الضباط إلى المتظاهرين يوم 9 ابريل هو الذي أدى إلى تغير موقف الجيش من الثورة ؟
الجيش لم يقم بالثورة وهو اضطر إلى القيام بالدور الذى قام به لانه لم يكن امامه بديل آخر، أما ما حدث يوم التاسع من ابريل فهو مهم بسبب ان هذا ما كان يخشاه الجيش من البداية.. أن يصل المد الثورى إلى داخل الجيش وذلك معناه مختلف فإما تنقسم النخبة الحاكمة على نفسها وهذا وارد بعد احداث يوم الاحد الدامى وإما يصل المد الثورى ليس للجنود المقموعين مثل أي جيش ولكن يصل الى صغار الظباط من الصف الثانى الذين لم ينخرطوا فى الحياة العسكرية بتشعباتها الاقتصادية والامتيازات الطبقية والمؤسسات التابعة لهم والحياه المنعزله وهذا ما حدث فى هذا اليوم عندما سأل هولاء الضباط اسئلة صعبه و تمردوا على الاوضاع الداخلية للجيش و كانت لحظة فارقه حيث اطلق الجيش الرصاص الحي لأول مره على الضباط وعلى من كان يحرسهم من المدنيين داخل الكعكة الحجرية وذلك ليرى الضباط عواقب نشر الثورة داخل الجيش.
*هل هناك بوادر لاختيار وزير مدنى للدفاع ؟
الجيش إذا خسر منصب وزير الدفاع فقد خسر اشياء كثيرة لأن المنصب الوزارى رمز لاشياء اخرى مثل سيطرة المؤسسة المدنية على الجيش واختيار القائد الاعلى للقوات المسلحة من جانب رئيس الجمهورية وهذا لا يخشى منه الجيش فى حد ذاته و لكن يخشى مما يرمز له هذا التحول لانه يعنى أن ثمة رقابة شعبية من خلال البرلمان والصحافة على اداء الجيش .
*هل يخاف الجنرالات من ترك السلطة حتى لا تفتح ملفاتهم القديمة؟
هم يريدون ان يتركوا السلطة ولكن فى نفس الوقت يريدون ان يحكمون من وراء حجاب … الجيش يبحث عن أي فصيل سياسى يتعامل معه وكان الحزب الوطنى فى الماضى اما الأن فانه غير موجود اما البديل الذى يبحثون عنه فكان الاخوان و انصبت التحريات والمفاوضات و التكتلات عليه و لكن الجيش وجد بعد جمعة تحديد الهويه”المليونية السلفية” ان الاخوان اضعف مما يدعون و لا يملئون مركزهم .
أما الاحزاب الاخرى فهى صغيرة و ليست فاعلة و لذلك فالجيش فى مأزق لانه لا يوجد احزاب يلعب الجيش من وراءها كما انه لا يستطيع ممارسة القمع مثل الجيش التركى حيث لا يوجد الرصيد الكافى الذى يستند اليه.
فمثلا لدينا التجربة التركية و لكنها تختلف عن مصر حيث يمتلك الجيش التركى كل هذه الامتيازات الفظيعة بسبب الانتصارات الساحقة التى حققها فى حرب الاستقلال حيث حارب كمال الدين اتاتورك اربعة جيوش فى وقت واحد و اسقط الخلافة العثمانية واسس الدولة التركية و استطاع أن يدير الأمور من وراء حكومات مدنية حتى ظهر التيار الأسلامى و اردوغان على وجه التحديد فتغيرت الأمور.
يتحدث الجيش المصرى عن حرب اكتوبر 1973 واغلب شعب مصر لا يعرف هذه الحرب و فيها انتصرنا لكن لم يكن انتصارا ساحقا يستطيع الجيش ان يدعيه كما ان معظم جنوده و ظباطه لم يخوضوا هذه المعركة.
ولذلك فوجود الجيش المصرى فى السلطه بشكل مباشر غير متاح لان الجيش بعد ثوره يوليو لم يكن مسيسا و لا يستطيع تقديم وزيرا للداخلية او للمواصلات او للماليةعلى سبيل المثال.
*قلت من قبل ان المعركه مع الجيش لابد ان تكون دقيقة و متوازنة فكيف يتم ذلك؟
بالنسبه للمستقبل لابد ان نكون على درايه بميزانية الجيش، أما بالنسبه للماضى فلابد من فتح تحقيق على ما جرى من فساد وستكون المشكلة تورط جهات اجنبية حيث ان الفساد موجود فى كل جيوش العالم و لكن الفرق ان لديهم آليات للمراقبة فيكون الفساد اقل مما لدينا .
*ولكن هذا لابد من وجود مدنيين اقوياء لاداره التفاوض مع الجيش ؟
لذلك يروج الجيش لمقولات من نوعية(الجيش خط احمر) و (الوقيعة بين الجيش والشعب ) و (ان من مصلحتنا كبلد عدم طرح اسئلة صعبه على الجيش لأن هذا ليس وقته) للتمهيد لرئيس الجمهورية القادم عندما يأتى و يتحدث عن الرقابة على ميزانية الجيش فسيقفون له بالمرصاد أو يتم اختيار شخص سهل المراس للتفاوض معه.
*ولكن المقولات السابقه يتم ترديدها من جانب المثقفين بحسن نيه ؟
نعم بحسن نيه و لكن بـ”هبل” فى نفس الوقت و هم على خطأ وهذا شيء خطير واظن أن أخطر شىء على الثورة هو الجيش وهو الــد اعدائها.
*لماذا يردد المثقفون شعار” الجيش خط احمر” رغم ان ذلك ربما يعرضنا لهزائم عسكرية اخرى و زياده الفساد في الجيش ؟
لان بعض المثقفين يعتقد أن الجيش هو المؤسسة الوحيدة المتماسكة فى مصر ولا يمكن الاستغناء عنه والصدام معه يؤدى الى انهياره وانهيار الدوله بعد ذلك وهذا الكلام ليس صحيحا حيث بجانب الجيش يوجد صحافه و قضاء وجامعات وطبقة وسطى والجهاز الادارى للدولة مازال يعمل رغم ان مبارك انهك كل الموسسات وتآكلت من الداخل لانعدام الرقابة والشفافية ولذلك فالمؤسسة العسكرية ليست الموسسة الوحيدة المتبقية فى هذا البلد، والاطلا ع على مجريات الامور داخل الجيش لا يعنى تفكيكه او تسريحه او إحاله ضباطه إلى المعاش او محاكمتهم.
*كيف لاتتم الوقيعة بين الجيش والشعب؟
من خلال توجيه اسئلة محرجة للجيش وفصل الجيش عن الشعب حيث لا احد يقول الوقيعة بين الشعب ووزارة المواصلات او مجمع التحرير و غيرها من المؤسسات التى تخدم الشعب و التى عندما اتظلم من احد فيها لا اقم بعمل وقيعة و لكنى اريد حقى .
*هل يثير قلقك اللقاءات المتكررة للقيادات العسكرية الامريكية مع القيادات المصرية؟
العلاقات مع امريكا يمكن ان تكون فى صالحنا لأن الامريكان قالوا للقيادات المصرية لا يمكن اطلاق النار على المتظاهرين لأن ذلك يسبب مشاكل داخل الجيش الامريكى لان الشعب الامريكى لا يقبل ان يتعاون جيش بلده مع الجيش المصرى إذا قتل المصريين و ربما يتم قطع المعونة عننا وربما عدم وجود مثل هذه العلاقة مع الجيش السورى او الليبى هو ما يجعلهما يقتلان شعوبهما.
*هل يمكن ان يكون التفاوض مع الجنرالات على ان يتم سحب الامتيازات الممنوحة لهم بدون وجه حق على مدى الستين عاما الماضية فى مقابل عدم فتح ملفاتهم السابقه ؟
لا يوجد معارضة مدنية تصل بنا إلى هذا الامر فمثلا الاخوان حسموا امرهم و لن يطرحوا هذا الطرح اما باقى الاحزاب المدنيه فهى ضعيفة وهذا الاسلوب فى التفاوض مع الجيش يحتاج إلى مؤسسات لبناء هذه العقلية فى المجتمع وسيستغرق الامر فى رأيى عشرة سنوات حيث لا نريد افراد شجعان لان الفرد ربما يقتل او يستقطب او يتم شراؤه والحل فى تحول مجتمعى حقيقى، وطرح هذه التساؤلات بدون تدريج ربما يحدث تفكك فى الجيش وهذا ما لا نريده و نريد الحفاظ على هيبة وكرامة الجيش و لا مانع ان نعطى امتيازات للجيش واوافق على ذلك من حيث المبدأ باعتبارهم يقومون بالتضحية بارواحهم و هذا وارد لانه سلك مهنى صعب وشاق ومن يدخله يفقد استقلاليته و حريته بطبيعة الاحوال ولذلك نريد تكريمهم ولكن ذلك يكون بشكل توافقى ومفتوح ومجتمعى و ليس تحت الطاولة.
*معنى ذلك اننا لن نستطيع طرح اسئلة صعبة على الجيش مع انتقال السلطة للشعب بعد الانتخابات البرلمانية و الرئاسية ؟
نسأله الآن ولكنها عملية تراكميه وانا ادرك ان الموضوع لن يأتى بين لحظة و اخرى لأن الثورة لم تدخل وزارة الدفاع مثلما دخلت وزارة الداخلية او أمن الدولة رغم عدم سقوطهما بالكامل ولو كان تم اقتحام وزارة الدفاع كان سيكون هناك جيش ثانى .
.. والمشكلة ان الثورة لم تحكم و بالتالى استمرت النخبة الحاكمة السابقة بما فيهم قيادات الجيش ونحن لا نريد سجنهم ، حيث ان هذا الأمر يرجع الى المجتمع فمثلا ليس كل المجتمع يوافق على اعدام مبارك أو حتى محاكمته ويوجد خلافات على ذلك وفى الشهور التسع الماضيه تعرض المجتمع لصدمات لم يتعرض لها طيلة الثلاثين عاما الماضية سواء من حيث الاحداث او حجم القضايا وموضوع الجيش سيكون احد الموضوعات المطروحة.
*كيف ترى مستقبل الثورة المصرية بعد مجزرة ماسبيرو ؟
ارى ان الموضوع على كف الميزان واراقب كل من الوضع الاقتصادي والأمني .. فالاقتصاد ضعيف ولكنه لم ينهار اما الوضع الامنى فيوجد قلق بين الناس ولم يحدث لنا ما حدث للعراق أو لبنان أو ليبيا أو الصومال .
أما ما حدث يوم الاحد الماضى فكان نقلة نوعية حيث فقدت فئه من المجتمع ليس الثقة فى الدولة فحسب و لكن فى المجتمع ايضا ففى حوادث الفتنة الطائفية سابقا كان يوجد تعاطف شعبى مع الاقباط اما ما حدث يوم الاحد الماضى فلم يكن هناك نفس التعاطف بسبب الاعلام الخسيس و التضليل و التحريض الذى تم و هذه ملحوظة اوردها زياد بهاء الدين بجريدة الشروق

Jannat - Ereft Rabak / جنات - عرفت ربك

Thursday, October 20, 2011

الصبر على المصيبة


فضلُ الصبر على المصيبة






بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:فإن الله ـ تعالى ـ جعل الله الموت حتماً على جميع العباد من الإنس والجان، وجميع الحيوان فلا مفر لأحد ولا أمان, كل من عليها فان, ساوى فيه بين الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والأنثى والغني والفقير وكل ذلك بتقدير العزيز العليم:{وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (1).فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت و الحازم من بادر بالعمل قبل حلول الفوت, والمسلم من استسلم للقضاء والقدر, والمؤمن من تيقن بصبره الثواب على المصيبة والضرر(2).وأي مصيبة أعظم بعد الدين من مصيبة الموت(3)، ملأ الله ـ تعالى ـ قلوبنا صبراً، ورفقاً وتسليماً.كرب الزمان وفقد الأحبة خطب مؤلم, وحدث مفجع, وأمر مهول مزعج, بل هو من أثقل الأنكاد التي تمر على الإنسان نار تستعر, وحرقة تضطرم تحترق به الكبد ويُفت به العضد إذ هو الريحانة للفؤاد والزينة بين العباد, لكن مع هذا نقول:

فلرب أمـر محـزن *** لك في عواقبه الرضا 
ولربمـا اتسع المضيق *** وربما ضاق الفضـا


كم مسرور بنعمة هي داؤه, ومحروم من دواء حرمانه هو شفاؤه, كم من خير منشور وشر مستور, ورب محبوب في مكروه, ومكروه في محبوب قال تعالى:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(4).
(لو استخبر المنصف العقل والنقل لأخبراه أن الدنيا دار مصائب وشرور, ليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بكدر, فما يُظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب, وعمارتها وإن حسنت صورتها خراب, والعجب كل العجب في من يده في سلة الأفاعي كيف ينكر اللدغ واللسع؟!)(5)

وأعجب منه من يطلب ممن طُبع على الضر النفع.

طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها *** صفواً من الأقذاء والأكدارِ

هل رأيت؟بل هل سمعت بإنسانٍ على وجه هذه الأرض لم يصب بمصيبة دقت أو جلت؟الجواب معلوم: لا وألف لا, ولولا مصائب الدنيا مع الاحتساب لوردنا القيامة مفاليس كما قال أحد السلف.

ثمانية لا بـد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم, واجتماع وفرقة *** وعسر ويسر, ثم سقم وعافية


إن مما يكشف الكرب عند فقد الأحبة التأمل والتملّي والتدبر والنظر في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, ففيهما ما تقر به الأعين, وتسكن به القلوب وتطمئن له تبعاً لذلك الجوارح مما منحه الله, ويمنحه لمن صبر ورضي واحتسب من الثواب العظيم والأجر الجزيل, فلو قارن المكروب ما أخذ منه بما أعطى لا شك سيجد ما أعطي من الأجر والثواب أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ولو شاء الله لجعلها أعظم وأكبر وأجل، وكل ذلك عنده بحكمة وكل شيء عنده بمقدار)(6).فلنقف مع آيات من كتاب الله عز وجل، وفي ثاني سور القرآن الكريم، وكفى بها واعظاً، وكفى بها مسليةًً، وكفى بها كاشفةًً للكروب، ومذهبة للهموم.قال الله {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(7).{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} علاج من الله عز وجل لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة, بل إنه أبلغ علاج وأنفعه للعبد في آجله وعاجله، فإذا ما تحقق العبد أن نفسه وماله وأهله وولده ملك لله عز وجل قد جعلها عنده عارية فإذا أخذها منه فهو كالمعير يأخذ عاريته من المستعير فهل في ذلك ضير؟ لا؛ والذي رفع السماء بلا عمد(8).فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها, إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها " 
قالت: فلما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خيرٌ من أبي سلمة؟ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم عزم الله علي فقلتها؛ فما الخلف؟! قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم)(11).

وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همٍ ولا حزن ولا أذىً ولا غم, حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه)(12).

يا لها من بشارة عند موت الولد مع الإيمان، لأن الله إذا أمر ببناء بيت لأحد من عبيده فلابد لذلك العبد من سكنى هذا البيت في يومٍ من الأيام. 
روى الإمام أحمد من حديث معاوية بن قرة عن أبيه أنه كان رجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أتحبه؟" فقال: يا رسول الله, أحبك الله كما أحبه؛ فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما فعل ابن فلان؟" فقالوا: يا رسول الله مات, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه:"أما تحب أن تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عليه ينتظرك؟" فقال رجل: يا رسول الله, أله خاصة أم لكلنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "بل لكلكم ")(17).

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)(21).يا له من جزاءٍ فعندك اللهم نحتسب أصفياءنا وأصدقاءنا وأحبابنا وآباءنا وأمهاتنا وأنت حسبنا ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.إن مما يسلي المصاب، ويذهب همه، ويصبر نفسه، ويرضي قلبه، ويعينه على مصابه، ويخفف آلامه، هو تذكر موت النبي صلى الله عليه وسلم، فما أصيبت الأمة بمصيبة أعظم، ولا أجل من مصيبة فقد النبي صلى الله عليه وسلم، وانقطاع نزول الوحي، فإذا علمت هذا هانت عليك كل مصيبة، وسكنت نفسك واطمأنت لكل بلية وخطب.
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب"(22).

أن البلاء يصيب المؤمن على قدر إيمانه، فإن كان في إيمانه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في إيمانه رقة خُفف في بلائه، حتى ما يتجلى عنه البلاء، ويذهب إلا وقد حطت خطاياه كلها، ويمشي على الأرض ليس عليه خطيئة. 

فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاءً؟ قال:"الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يُبتلى الناس على قدر دينهم, فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه, ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه, وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي في الناس وما عليه خطيئة)(23).






أبي معاذ ظافر بن حسن آل جبعان