USATODAY.com News

Thursday, September 5, 2013

عقدة ماسادا


 مقال د. محمد المخزنجي



عندما يفكر فرد بطريقة تشبه تفكير فرد آخر، فعلينا تَوقع أن سلوكيهما سيكونان شديدى التشابه مهما كانا مختلفين فى الظاهر، وهذا ينطبق أيضا على الجماعات المحكومة بسلطة مركزية قوية أو قيادة شديدة السطوة، سواء كانت جماعات سياسية أو اجتماعية أو دينية أو غيرها، وهنا تبرز أهمية القراءة النفسية للظواهر قياسا على ما يشابهها، فمن هذه القراءة تُكتشف قوانين حاكمة للسلوك تُصاغ فى شكل تشخيصات نفسية تنبئنا بمآلات غير متوقعة، وتضع أيدينا على حقائق كانت خافية، وهذه إحدى مفاتن العلوم النفسية ومفاجآتها المدهشة. بل المذهلة فيما نحن بصدده، إذا قرأنا وقائع اعتصامى رابعة والنهضة الإخوانيين، فى ضوء ملامح أسطورة ماسادا العبرية!وبالطبع، أرانى فى حاجة على التأكيد أننى لا أبغى التعريض ولا الإساءة، بل نقل ما أدهشنى فى التشابه بين واقع حاضر وأسطورة قديمة، فى محاولة للفهم أعمق من القراءة السياسية، لأن الاعتصامين الإخوانيين، بمنظور السلوك البشرى الفردى والجمعى معا، كانا أكبر وأخطر من واقعة سياسية، وهما فى طريقهما إلى تكوين أسطورة جديدة على غرار الأسطورة العبرانية، مع احترام الفارق بين مُكونىّ الأسطورتين.

فى 12 يوليو 1971 ظهر لأول مرة فى الصحافة تعبير «عقدة ماسادا» ضمن عمود «ستيوارت ألسوب»، أحد مشاهير كُتَّاب مجلة «نيوزويك» ولم يلتفت إليه كثيرون، لكن ذلك التعبير صار ذائع الصيت بعد أن استخدمه الدكتور «جوزيف سيسكو»، أحد دهاقنة السياسة الخارجية والمخابرات الأمريكية، فالرجل كان سبيكة من الذكاء والدهاء والعلم ضمن كتائب «الصف الثانى» التى تُشغِّل «قلب المفاعل» فى الإدارة الأمريكية، ولا تظهر كثيرا للعيان، مقارنة برجال الصف الأول فى هذه الإدارة، التى يتصدرها أحيانا نجوم من صفيح، وممثلون من الدرجة الثانية، وأشباه جهلة. حصل جوزيف سيسكو على الماجستير ثم الدكتوراه من جامعة شيكاجو متخصصا فى الشئون السوفييتية فى ذروة سنوات «الحرب الباردة» بين القطبين الأمريكى والسوفييتى، وبدأ عمله فى المخابرات المركزية، ثم التحق بالخارجية وعمل تحت إدارة هنرى كيسنجر، اشتغل بأمور الشرق الأدنى وجنوب آسيا ثم أمسك بملفات الشرق الأوسط عام 1967 وصار « الوسيط» الأمريكى بين العرب وإسرائيل فى 1969، وأدى دوره لنجاح وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل على طول قناة السويس عام 1970، ولهذا علاقة بموضوعنا. بعد ذلك تقاعد الرجل من العمل فى الخارجية، وصار رئيسا للجامعة الأمريكية فى واشنطن، ثم انضم إلى فريق «سى إن إن» كمحلل سياسى وخبير فى شئون الشرق الأوسط!

إبان عمل جوزيف سيسكو على الملف العربى الإسرائيلى، أرادت الولايات المتحدة إعادة فتح قناة السويس فى ظل وقف إطلاق النار، وأيدها فى ذلك خصمها السوفييتى بعد موافقة مصر فيما يبدو ! لكن إسرائيل التى كانت لها قوات على الضفة الأخرى من القناة رفضت تلك الرغبة الأمريكية على لسان جولدا مائير! فكان أن اشتاط سيسكو غضبا وانفجر قائلا إن جولدا مائير وإسرائيل يعانيان من «عقدة ماسادا» (Masada complex)»، فصار التعبير عَلما فى الكتابات السياسية، ولم يدخل فى إطار مصطلحات علم النفس والطب النفسى إلا متأخرا، وإن كان دخوله الأول على يد غير متخصص هو المحلل السياسى لجريدة «جيروسالم بوست» «جاكوف رئيول»، الذى كتب فى 3 أغسطس 1971: «إن عقدة ماسادا إذا كانت موجودة، فهى ليست مجرد حالة شخصية ترتبط بالسيدة مائير، بل هى مرض نفسى قومى إسرائيلى»، واستخدمرئيول فى ذلك، المصطلح الطب نفسى: Neurosis، أى العُصاب!

أهاج ذلك جولدا مائير فانفلتت قائلة: «إذا كنا متهمين بأننا نعانى من عقدة ماسادا، فهذا صحيح، نحن أيضا نعانى من عقدة المذبحة pogrom complex، ونعانى من عقدة هتلر». حينئذ رد عليها ناقد الأدب العبرى «روبرت ألتر» قائلا: «أخشى أن إيقاد شعلة دائمة عند نصب تذكارى وإقامة مراسم احتفالية بأعلى صخرة ماسادا، يمكن أن ينقل إلى الحياة العامة ترجمة مشكوك فى دقتها لاستعارة أدبية، فحشد رئيسة الوزراء لتاريخ المحرقة، والمذابح، والحصار الذى تعانيه إسرائيل، كل ذلك تحت لافتة الماسادا، يمكن أن يشكل نوعا من التدويخ الشِعرى الذى يربك التفكير فى المشاكل السياسية المُلِحَّة».

لقد أوردت كل ما سبق من جدل داخل إسرائيل حول أسطورة ماسادا، لأبين مدى جدية وجرأة تناول الظواهر المخاتلة فى كيان هو ضئيل هزيل إذا ما قورن بحجم وإمكانات محيطه العربى الذى نكوِّنه، والذى لم يوقف تغولات هذا الكيان الضئيل حتى الآن، لسبب جوهرى بسيط وواضح هو افتقادنا لروح المكاشفة، والتى ما أن ينهض ببعض مهامها نفر منا حتى تنهال عليه الاتهامات واللعنات، وأعتقد أن مصير بحثى فى دلالات ومآلات أوجه التشابه بين أسطورة ماسادا الإسرائيلية واعتصامى رابعة والنهضة الإخوانيين، من زاوية نفسية، لن يجلب لى أقل من اللعنات ممن تقع على ملامحهم بقعة الضوء فتفزعهم، برغم أننى لا أقوم بذلك تشفيا ولا سخرية، يعلم الله، بل لأننى نفسى فى موقف الدهشة من ذلك التشابه العجيب بين ما يُفترض أنهما متناقضين أشد التناقض، ولأننى أود أن أنقل دهشتى إلى من يجدر بهم التأمل وإعادة التأمل من الشباب، خاصة هؤلاء الذين استغرقتهم أو أغرقتهم حالة اعتصامى النهضة ورابعة، دون أن تتاح لهم فى الحشد المعزول والمهتاج لحظة للتفكُّر، من بدء الاعتصامين وحتى فضهما وما ترتب عليه من نزيف دم واشتعال حرائق. وليصدق أو لا يصدق من يشاء، أننى مأخوذ بالبعد الملحمى فى الاعتصامين، ومتعاطف أشد التعاطف الإنسانى، لا السياسى، مع تراجيديا وقائعهما على مستوى أفراد الجمهور فيهما، لا قيادات منصة التحريض والشحن والخداع الذين أحسب الكثيرين منهم مجرمين فى حق هذا الجمهور قبل الجمهورية التى نحن جميعا مواطنيها.

بموازاة تناول الحس السياسى المجرد لمصطلح «عقدة ماسادا»، كانت هناك محاولات من الطب النفسى لنقل المصطلح إلى حقل التطبيقات النفسية، واستلزم ذلك ضبط وإضفاء توصيف «إكلينيكى» على المصطلح، فنشأ فى علم النفس السياسى كما فى الطب النفسى تشخيص «Masada Syndrome» أى متلازمة أعراض ماسادا، الذى ظهر متأخرا تبعا للمصدر المتاح لى فى مرجع الطب النفسى لدانيل بار، والمنشور فى نيويورك عام 1986، تحت عنوان «معالجة الضغوط النفسية الناشئة فى زمن الحرب». وفى العام نفسه قدَّم «برونيلومازل» تعريفا شارحا للمصطلح، نصه: «متلازمة ماسادا هى حالة أعضاء جماعة بشرية لديهم اعتقاد مركزى بأن بقية العالم خصوم يضمرون لهم نوايا سلبية». لكن المصطلح لم يتوقف عند تشخيص حالة نفسية جمعية، بل انتقل لتشخيص حالات فردية، منها حالة شهيرة فى عالمنا العربى وتاريخنا المؤلم القريب. ..






لم يتوقف تعبير «عقدة ماسادا»، أو «متلازمة ماسادا»، عند حدود توصيف سلوك الانتحار السياسى الجمعى، بل جرى استخدامه لتوصيف الانتحار السياسى الفردى، ففى محاضرة للدكتور «جيرولد بوست» مدير برنامج علم النفس السياسى بجامعة جورج واشنطن أمام لجنة خدمات القوات المسلحة فى مجلس النواب الأمريكى فى ديسمبر 1990، قُبيل ذهاب الولايات المتحدة للحرب مع العراق، قال إن صدام حسين وُصِف حديثا على لسان وزير الخارجية السوفييتى بريماكوف، وآخرين ممن التقوه للوساطة بأنه «يعانى عقدة ماسادا، فهو يفضل الموت استشهادا على الاستسلام»، ولم يكن الاستسلام المقصود حينها غير الموافقة على الخروج من الكويت التى كان يحتلها آنذاك، وكلنا يعرف مآل عناده وتشبثه برأيه الفردى فيما بعد، سواء خروجه الإجبارى باهظ التكلفة من الكويت، أو اجتلاب الاحتلال الأمريكى لبلاده، فلم يكن صدام هو الذى انتحر أو استُشهد لقاء عناده، بل كان الجيش العراقى هو الذى نُحِر ونُحِرت معه العراق، قبل هروبه ثم إمساكه وشنقه المرير.

بالطبع يمكن أن نلمح مُعادِلات موضوعية، مع الفارق، بين سلوك صدام وسلوك قادة اعتصام رابعة وزعماء منصتها، ونتائج هذا السلوك على جماهير المعتصمين الذين دُفع بهم إلى مواجهة عدمية تساوى الانتحار، بينما فر الزعماء والخطباء والمحرضون من المواجهة التى خططوا لها وحرضوا وشحنوا. وعندما نمد هذه المضاهاة مع زعماء حادثة أو أسطورة ماسادا، سنكتشف مدى غياب المصداقية، عند صدام كما عند زعماء وخطباء ومُحرضى رابعة ومُنظِّرى تأجيجها. وسيلزمنا قبل أن نخوض فى هذه المقارنات واستخلاص نتائجها، أن نعود إلى موضوع الماسادا، وملابساتها التاريخية، كما الانتهازية الصهيونية وأساليبها المعادية للتاريخ استهدافا لاستثمار تلك «الأسطورة»!

«ماساد»، أى القلعة، تقع على مرتفع صخرى منعزل على طرف الصحراء ووادى النهر الميت بفلسطين، ويصعد إليها درب متعرج يُسمَّى «ممر الثعبان»، ويُحكى أن هيرود «ملك اليهود» الذى ولَّاه الرومان على القدس أقام فى المكان قلعة حصينة، وبعد فجوة غامضة من الزمن تحولت القلعة إلى ثكنة للحامية الرومانية، ومع اندلاع حرب بين اليهود وبعضهم البعض هرب مناحم بن يهودا الجليلى من القدس ومعه جماعته من اليهود «القنائين»، وهاجموا القلعة واحتلوها بالحيلة والخداع، وبعد قتل مناحم بن يهودا حل بمكانه ابن أخيه أليعازر، وفى عام 72 بعد الميلاد حاصر الحاكم الرومانى فلافيوس القلعة لفترة طويلة حتى عثر على ثغرة فى سورها تمكنه من ولوجها عام 73، عندئذ راح أليعازر يقنع أتباعه فى القلعة، وكان عددهم 960 رجلا وامرأة وطفلا، بأن ينتحروا أفضل من الوقوع بين أيدى الرومان، وقد فعلوا ذلك، واختتموا فعلتهم بحرق الأبنية ومخازن الغذاء قبل أن يقضى آخر فرد منهم، الذى كان على الأرجح زعيمهم أليعازر.

هذه الحكاية تحولت على يد الكيان الصهيونى إلى أسطورة تنضاف إلى أسطورة شمشون وتُكرِّس لدعاية «الشعب الانتحارى» الذى لا يستسلم، برغم أن الانتحار محرم فى الديانة اليهودية كما فى كل الديانات السماوية، ووصل الأمر بالتكريس إلى تحويل صخرة «ماسادا» إلى مكان به نصب تذكارى وشعلة لا تنطفئ، يذهب إليه القادة العسكريون ليقسموا يمين ولائهم، كما أنهم حولوها إلى مزار سياحى وقِبلة لزيارات طلاب المدارس، وحتى يُحكموا تجسيد أسطورتهم حاولوا تلفيق حفريات تدل على واقعية الأسطورة، تولاها الجنرال يجال يادين القائد العسكرى السابق والمؤرخ اللاحق، لكن هذه الحفريات لم تثبت شيئا من الحقيقة للأسطورة، التى كان راويها الأصلى محل ريبة، حتى من مؤرخين إسرائيليين وباحثين نسفوا مصداقية هذه الأسطورة وعرُّوا مراميها.

الباحثة اليهودية ويسى روز مارين فى 24 أغسطس 1973 قالت لجريدة «جويش بوست» إن نتائج ماقامت به من دراسات تؤكد أن ماسادا محض خرافة وأنه لا دليل على صحة الاكتشافات الأثرية للجنرال يادين التى تستند إليها هذه القصة». كما أن دارسى تاريخ أليعازر قائد هذه الأسطورة، أثبتوا أنه فى الواقع: «كان أحد خوارج ثلاثة تسببوا فى خراب القدس، وكان جبارا فاتكا داعرا حراميا، وأن جماعته كانت من الحرامية وأهل الشر»، وهذه الشهادة تتسق مع حقيقة فرقة «القنائين» التى كانت تضم طائفة من حثالة اليهود المتعصبين الذين يتسم فكرهم بشعبيته المبتذلة المشبعة بالخرافات، وكانوا يناصبون غيرهم من اليهود العداء، ويروعونهم بأعمال القنص والفوضى إضافة للنهب والفتك، فكان يُطلق عليهم اسم «السفَّاكون». أما المفارقة الناسفة لرومانسية هذه الأسطورة، فكانت حقيقة راويها ومصدرها الوحيد «يوسيفوس فلافيوس»، فقد كان يهوديا بلا ضمير، خان قومه حين سلم للرومان عام 66 ميلادية المنطقة التى كان يحكمها، ثم هرب إلى روما حيث كتب «تاريخه»، وعلى الأرجح كان فى اختلاقاته يحاول التماس الأعذار عن خيانة بنى جلدته، بتصوير الحرب اليهودية ضد الرومان على أنها من صنع المهووسين القنائين، أى أنها حرب لم يُرِدْها اليهود وإنما فرضتها عليهم جماعة من اللصوص لم تترك إثما إلا اقترفته».

هكذا تُصنع الأساطير الموغلة فى الغرابة، سواء كان لها ظل من الحقيقة، أو كانت مُختَلقة بالكُلية، ولا يمكن فهمها إلا بالعودة إلى بواعثها، التى هى مرضية بالضرورة، وثمة مسرد تاريخى طويل بحشد من وقائع وأساطير الانتحار الجماعى، تدفع غرابتها إلى البحث فى أحراش الآليات الدفاعية النفسية الغريبة فى نفوس البشر، وقد يرى البعض فى مضاهاتى لمُلابسات «اعتصام رابعة» بحالات الانتحار الجماعى فى الواقع التاريخى كما الأنساق الأسطورية نوعا من التشويه لسمو المشاعر ونبل الغايات التى كانت تكتنف جماهير هذا الاعتصام، وهنا أرانى أؤكد فصلى بين مُكونين، فبينما أستشعر صدق مشاعر الكثرة من جماهير هذا الاعتصام واستعدادهم الحقيقى للموت «استشهادا»، كما أُقنعوا أو اقتنعوا، ولا أقول بصحة هذه المشاعر رغم صدقها، أوقن فى كذب المحرضين على هذا الاستدراج للموت تحت مُسمَّى الشهادة، وهذا ما كشف عنه هروب جنرالات المنصة، ثم تهافت أقوالهم وتفاهة نفوسهم التى أسفرت عنها تداعياتهم حين القبض عليهم، كالتملص من تصريحاتهم وتحريضاتهم النارية السابقة، وادعاء معارضتهم لمحمد مرسى وأخطاء حُكمه، بل قول أحدهم إنه كان يكرهه! ثم هذا الإنكار الذليل لرموز ادعوا أنه لاصلة لهم بتنظيم الإخوان بينما هم من مشاهير قادته !

إنه لأمر محزن، أن أجد المضاهاة ممكنة بين أفَّاك أفَّاق مثل أليعازر قائد أسطورة ماسادا، وشخوص صالوا وجالوا على منصة رابعة ثم تولاهم ذعر وإنكار الفئران عند غرق السفينة. وإنه لأمر أكثر حزنا، أن تكون المضاهاة ممكنة أيضا، بين رواية تقول بأن الأطفال والنساء فى جوهر الماسادا لم ينتحروا بل نُحروا بنصل أليعازر وبطانته، وبين النساء والأبرياء من جماهير رابعة والنهضة الذين دُفعوا للانتحار فى مواجهة عدمية كان يمكن تحشايها، لولا تحريض ودفع ومحاصرة زعماء وَلُّوا الأدبار، وأبواق شحن آمنة تتنعم بعطايا الكفيل خارج الحدود، كل الحدود.

الرحمة لضحايا رابعة والنهضة، من الفتيات الصغيرات والشباب الغض خاصة، والذين أحسَبهم ببراءة الأعمار والقلوب شهداء عند علام الغيوب، وأحسَب وِزر دمائهم الأكبر فى رقبة من دفعوهم إلى الموت، بالخديعة، وتوزيع صكوك الشهادة، ودس المسلحين بين صفوفهم ليتساقط أكبر عدد منهم حين تبادُل إطلاق النيران، استثمارا لمظلومية يصنع منها «الزعماء» أسطورة، تُيسر عودة عصبتهم المستقوية بالغرب المُخاتل إلى قلعة فقدوها، ماسادا إخوانية، يصعد إليها درب متعرج وملتف وخبيث، ليس غريبا أن يتسمى أيضا «طريق الثعبان».

Sunday, September 1, 2013

ألهم اني أبرأ إليك

بالامس بغداد واليوم دمشق وغداً القاهرة ألا لعنه الله على الظالمين ألهم اني أبرأ إليك من الاسلاميين السياسيين  الذين هم ،أحكمهم جاهل ،وأعقلهم خائن، وقليلهم خفيض الصوت سقط للمتاع
وأبرأ إليك ممن امتلك الوسيله  و صمت عن الظلم والافساد  عشرات السنين وهو قادر على التغير ولكنه صمت لاجل مصلحه شخصيه أو خنوثه في همته    .
0

بغداد لا تتألمي 
  مادام يحكمنا الجنون، سنرى كلاب الصيد تلتهم الأجنة في البطون
سنرى حقول القمح ألغاماً وضوء الصبح ناراً في العيون
سنرى الصغار على المشانق في صلاة الفجر جهراً يصلبون
ونرى على رأس الزمان عويل خنزيرٍ قبيح الوجه
يقتحم المساجد والكنائس والحصون
وحين يحكمنا الجنون .. لا زهرة بيضاء تشرق
فوق أشلاء الغصون
لا فرحة في عين طفل نام في صدر حنون
لا عدل... لا قانون... لا حق ... ولا عرض مصون
وتهُون أقدار الشعوب وكل شيء قد يَهُون
ما دام يحكمنا الجنون
أطفال بغداد الحزينة يسألون
عن أي ذنبٍ يُقتلون
يترنحون على شظايا الجوع يقتسمون خبز الموت . . . ثم يودعون
شبح الهنود الحمر يظهر
في صقيع بلادنا
ويصبح فينا الطامعون
من كل صوبٍ قادمون
من كل جنسٍ يزحفون
تبدو شوارعنا بلون الدم
والكهان في خمر الندامة غارقون
تبدو قلوب الناس أشباحاً
ويغدو الحلم طيفاً عاجزاً بين المهانة والظنون
هذي كلاب الصيد فوق رؤوسنا تعوي
ونحن إلى المهالك مسرعون
أطفال بغداد الحزينة
في الشوارع يصرخون
جيش التتار يدق أبواب المدينة كالوباء
ويزحف الطاعون
أحفاد هولاكو على جثث الصغار يزمجرون
جثث الهنود الحمر تطفو
فوق أعمدة الكنائس والثرى يغلي
صراخ الناس يقتحم السكون
أنهار دم فوق أجنحة الطيور الجارحات
مخالب سوداء تنفد في العيون
مازال دجلة يذكر الأيام . . .
والماضي البعيد يطل من خلف القرون
عَبَر الغزاة هنا كثيراً . . . ثم راحوا
أين راح العابرون ؟!
هذي مدينتنا . . وكم باغٍ أتى
ذهب الجميع ونحن فيها صامدون
سيموت هولاكو. . . ويعود أطفال العراق
أمام دجلة يرقصون
لسنا الهنود الحمر حتى تنصبوا فينا المشانق
في كل شبر من ثرى بغداد
نهراً . . . أو نَخِيلاً . . . أو حدائق
وإذا أردتم سوف نجعلها بنادق
سنحارب الطاغوت فوق الأرض
بين الماء . . . في صمت الخنادق
إنا كرهنا الموت . . . لكن
بأمر الله نشعلها حرائق
أطفال بغداد الحزينة . . . يرفعون الآن رايات الغضب
بغداد في أيدي الجبابرة الكبار
تضيع منا . . . تغتصب
أين العروبة والسيوف البِيض
والخيل الضواري والمآثر والنسب
أين الشعوب . . . وأين حكام العرب ؟
في معبد الطغيان يبتهل الجميع
ولا ترى غير العجب
البعض منهم قد شجب
والبعض في خزيٍ هرب
هناك من خلع الثياب لكل من هب ودب,
في ساحة الشيطان تقرأ سورة الدولار
يسعى الناس أفواجاً إلى حيث الغنائم والذهب
والناس تسأل عن بقايا أمة
تدعى العرب . . .
كانت تعيش من المحيط إلى الخليج
ولم يعد
في الكون شيء من مآثر أهلها
ولكل مأساة سبب
باعوا الخيول . . . وقايضوا الفرسان
في سوق الخطب
فليسقط التاريخ . . . و لتحيا الخطب
أطفال بغداد الحزينة يصرخون
يأتي إلينا الموت
في لِبْس الصغار
يأتي إلينا الموت . . . في اللعب الصغيرة
في الحدائق . . . في الأغاني
في المطاعم . . . في الغبار
تتساقط الجدران فوق مواكب التاريخ
لا يبقى لنا منها . . . جدار
عار على زمن الحضارة أي عار
من خلف آلاف الحدود
يطل صاروخ لقيط الوجه
لم يُعرف له أبداً مدار
ويصيح فينا
" أين أسلحة الدمار ؟ "
هل بعد موت الضحكة العذراء فينا
سوف يأتينا النهار
الطائرات تسد عين الشمس
والأحلام دوماً في انتحار
فبأي حق تهدمون بيوتنا
و بأي قانون تُدَمَّر ألف مئذنة وتنفث سيل نار
تمضى بنا الأيام في بغداد
من جوع . . . إلى جوع
ومن ظمأ . . . إلى ظمأ
ووجه الكون جوع ... أو حصار
يا سيد البيت الكبير
يا لعنة الزمن الحقير
في وجهك الكذاب تخفي ألف وجه مستعار
نحن البداية في الرواية ثم يرتفع الستار
هذي المهازل لن تكون نهاية المشوار
هل صار تجويع الشعوب
وسام عز و افتخار ؟!
هل صار قتل الناس في الصلوات
ملهاة الكبار ؟!
هل صار قتل الأبرياء
شعار مَجْدٍ و انتصار
أم أن حق الناس في أيامكم
نهْب . . . وذُل . . . وانكسار
الموت يسكن في كل شيء حولنا
ويطارد الأطفال من دار لدار
مازلت تسأل
" أين أسلحة الدمار ؟ "
أطفال بغداد الحزينة في المدارس يلعبون
كرة هنا . . . كرة هناك
طفل هنا . . . طفل هناك، قلم هنا . . . قلم هناك
لغم هنا . . . موت . . هلاك
بين الشظايا زهرة الصبار تبكى
والصغار على الملاعب يسقطون
بالأمس كانوا ...
كالحمائم في الفضاء يحلقون
بغداد يا بلد الرشيد
يا قلعة التاريخ والزمن المجيد
بين ارتحال الليل
والصبح المجنح لحظتان
موت . . . وعيد... ما بين أشلاء الشهيد
يهتز عرش الكون في صوت الوليد
ما بين ليل قد رحل
ينساب صبح بالأمل
لا تجزعي بلد الرشيد
لكل طاغية أجل
طفل صغير ذاب عشقاً في العراق
كراسة بيضاء يحضنها
وبعض الفل . . بعض الشعر والأوراق
حصالة فيها قروش
من بقايا العيد . . .
دمع جامد يخفيه في الأحداق
عن صورة الأب الذي قد غاب يوما ... لم يعد
وانساب مثل الضوء في الأعماق
يتعانق الطفل الصغير مع التراب
يطول بينهما العناق
خيط من الدم الغزير يسيل من فمه
يذوب الصوت في دمه المراق
تخبو الملامح ... كل شيء في الوجود
يصيح في ألم ... فراق
والطفل يهمس في أسى
أشتاق يا بغداد تمرك في فمي
من قال أن النفط أغلى من دمي
بغداد لا تتألمي
مهما تعالت صيحة الطغيان في الزمن العَمِي
فهناك في الأفق البعيد صهيل فجر قادمِ. في الأفق يبدو سرب أحلام يعانق
أنجمي
مهما توارى الحلم في عينيك
قومي .... واحلمي
و لتنثري في ماء دجلة أعظُمي
فالصبح سوف يطل يوماً
في مواكب مأتمي
بغداد لا تستسلمي
بغداد لا تستسلمي
من قال إن النفط أغلى من دمي؟
 فاروق جويدة