USATODAY.com News

Thursday, January 10, 2013

من بحث الحصاد المر؛ الإخوان المسلمون في ستين عاماً للظواهري




الفصل الأول؛ الإخوان والملك:
 (1) إظهار التأييد للملك في صحف الإخوان ورسائلهم والعديد من مواقفهم
لم يَكُفّ الإخوان عن إظهار تأييدهم للملك منذ أن كونوا جمعيتهم في الإسماعيلية رغم ما دبره الملك ضدهم.

وعن بداية هذه العلاقة، يذكر الشيخ البنا في مذكراته أنه في فترة وجود الجماعة بالإسماعيلية وشى به البعض لدي السلطات واتهموه بالسب في الذات الملكية، وثبت من التحقيق بطلان التهمة وأن البنا كان يملي على طلبته موضوعات في الثناء على الملك ويعدد مآثره، كما أنه دفع العمال يوم مرور الملك بالإسماعيلية إلى تحيته، وقال لهم: (لازم تذهبوا إلى الأرصفة وتحيوا الملك، حتى يفهم الأجانب في هذا البلد أننا نحترم ملكنا ونحبه، فيزيد احترامنا عندهم)، وكان ذلك دافعاً لأنّ يكتب أحد رجال البوليس تقريراً بهذه المناسبة يقترح فيه تشجيع الحكومة للجماعة وتعميم فروعها في البلاد، لأن في ذلك "خدمة للأمن والإصلاح" [21].

أما عن دعوة الخلافة؛ فإن جريدة "الإخوان المسلمين"قد نادت بها لفاروق في محاولة استغلال ما بدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم [22]، وقد طالب كثير من الحكام المرتدين بالخلافة الإسلامية لأنفسهم بعد إلغاء الخلافة العثمانية رسمياً عام 1924، كان منهم الملك فؤاد ثم ابنه فاروق وكلاهما كان يحكم بمقتضى دستور 1923 العلماني.

وأمام ازدياد نشاط المبشرين وقعت الجماعة خطاباً إلى الملك فؤاد سنة 1933 تطلب فيه وضع حد لهذا النشاط، واختتمت نداءها بكلمة: (لا زلتم للإسلام ذخرا، وللمسلمين حصنا) [23].

وعندما مات فؤاد رثته صحيفة "الإخوان" بمقال بعنوان؛ "مات الملك... يحيا الملك"، كان الغرض من ورائه هو جذب عطف ولي عهده الملك الجديد - فاروق - الذي كان يتولى رعايته رجل ديني هو الشيخ المراغي، على أسلوب الجماعة ودعوته للتمسك بالتقاليد الإسلامية التي كان - كما ذكر المقال - يتحلى بها والده [24]، وكما والت الصحيفة نشر عدة مقالات تدور حول هذا الغرض تصف فيها فاروق: (بسمو النفس وعلو الهمة وأداء فرائض الله واتباع أوامره، واجتناب نواهيه) [25].

وتحت عنوان "جلالة الفاروق؛ المثل الأعلى لأمته"، تولت جريدة "الإخوان المسلمين"مهمة تعبئة الرأي العام ولفت نظره إلى خطوات فاروق الدينية، فتبين كيف ملك قلوب رعيته بغيرته على الدين، وتصف استقبال الجماهير له وهو في طريقه إلى مسجد أبي العلاء لتأدية الصلاة ودعواتهم له وهتافاتهم بحياته، وتنقل بعض اللقاءات وتأتي بالقصص التي تنم على أن هناك الأبناء الفاسدين قد قوموا وعرفوا طريق المساجد وانصرفوا إليها، والسبب أنهم اتخذوا من الملك الأسوة الحسنة، وبالتالي اعتبرته المثل الأعلى لأمته [26].

ويكتب حسن البنا تحت عنوان "حامي المصحف"، ليثبت المعنى وينشر الدعوة، فيذكر؛ أنه أثناء رحلة فاروق للصعيد أخرج أحد المرافقين له فصاً أثريا وقال؛ "إنه الذي يجلب له الحظ والخير"، وأخرج آخر مفتاحاً وادعى مثل هذه الدعوى، فما كان من فاروق إلاّ أن أخرج مصحفاً، وقال: (إن هذا هو مفتاح كل خير عندي)!

ويصل زعيم الإخوان إلى أنه إذا كان قد ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه، فإنه لا يخدم نفسه في الدنيا والآخرة فحسب ولكنه بذلك يضمن لمصر؛ (حسن التوجيه، ويحول بينها وبين العناد ويقيمها على أفضل المناهج، ويسلك بها أقرب الطرق إلى كل خير، وهو في الوقت نفسه يضمن ولاء أربعمائة مليون من المسلمين في آفاق الأرض وتشرئب أعناقهم وتهفوا أرواحهم إلى الملك الفاضل الذي يبايعهم على أن يكون حامي للمصحف، فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنوداً للمصحف، وأكبر الظن أن الأمنية الفاضلة ستصير حقيقة ماثلة، وأن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلى بركة الله يا جلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك) [27].

وفي التاسع والعشرين من يوليو/1937 انتهت الوصاية على فاروق، حيث بلغت سنه ثمانية عشر عاما قمرية، وأصبح ملكاً رسمياً على البلاد، وعقد الإخوان مؤتمرهم الرابع للاحتفال بهذه الذكرى وحشدوا عشرين ألفاً أو يزيد - تشاركهم جماعة الشبان المسلمين - من فرق الرحالة – الجوالة - ووفود شعبهم في الأقاليم وهتفوا بمبايعتهم للملك المعظم مع هتافات إسلامية، ولم يحدث ما يعكر صفو المظاهرات، وانهمر سيل الإخوان إلى ساحة قصر عابدين، رافعين أعلامهم يهتفون: (الله أكبر، ولله الحمد، الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم، نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله) [28].

وجاء زواج الملك سنة 1938 ليحدث ما يعكر صفو العلاقات بين جماعة الإخوان والملك، فقد اعتكفت عن المشاركة في حفل الزواج لما حدث به من اختلاط ورقص وخمور في وقت ينادونه فيه بأمير المؤمنين، وألقت اللوم في ذلك على الشيخ المراغي وطالبته بالحرص على اللقب وحض الملك والحكومة على تطبيق شريعة الإسلام، لكن الجماعة مع ذلك أعلنت عن عدم تخليها عن تأييد الملك والسعي معه لتحقيق أمنية الخلافة، وأعلنت صحيفتهم إنهم يهبونه الروح [29].

ونشرت جريدة الإخوان في هذه الفترة عدة مقالات لكتاب تابعين للملك وقد لقب أحدهم نفسه بـ "المحرر العربي بالديوان الملكي الإسلامي" [30].

وكان الإخوان قريبي عهد بالخروج إلى المعترك السياسي، فدعوا إلى إلغاء الأحزاب السياسية واستعدوا لخصومتهم لكنهم في الوقت نفسه أكّدوا استمرار علاقتهم بالقصر الذي لقي في دعوتهم استحسانا لما ستؤدي إليه من توسيع سلطانه، فتنشر "جريدة النذير" في عددها الأول ما يؤكد ذلك، حيث يقول البنا في نهاية المقال الإفتتاحي: (وإنّ لنا في جلالة الملك المسلم أيده الله أملاّ محققاّ) [31].

ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي ساءت فيه علاقة فاروق بوزارة محمد محمود، انقلب الإخوان عليها، وكان واضحاً تعاطفهم مع علي ماهر ورغبتهم في توليه السلطة، واعتبروا أن السبيل للحكم الصالح إلغاء الأحزاب.

ويكتب حسن البنا في النذير مقالا بعنوان "إلى مقام صاحب الجلالة الملك فاروق الأول"، يرفع فيه المرشد العام الرجاء للملك بناء على الجهر بالحق وتقديم النصيحة، بين حاجة مصر إلى الوحدة والاستقرار، ويمس الوتر الحساس لدي فاروق، فيشير إلى أن مصر زعيمة للعالم الإسلامي، وعليه لا بد أن تكون القدوة، والإسلام لا يعرف الفرقة ولا يقر الخصومة والتمزق ويستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية [32].

وتغالي جريدة "الإخوان المسلمين"في مدح فاروق، بل قد وصل الأمر بالصحيفة إلى التغني بمكارمه والإشادة إلى تأثر رجال الوعظ والإرشاد به، وقولهم الشعر فيه، رغم أنهم لا يصوغونه إلاّ لدافع قوي يتصل بمهمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا الشعر الذي يعبر عن رجاء أن يُظل التاج المصري يوماً الأمم العربية والأعجمية ويستعيد الإسلام مجده، وتنتهي إلى أن الإخوان المسلمين يعقدون الآمال على الملك في خدمة الإسلام والمسلمين [33].

وفي ذكرى عيد الجلوس الملكي، رددوا يمين الولاء لفاروق في ميدان عابدين؛ (نمنحك ولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله) [34].

وتحت عنوان "الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين"، لا تعتبره "النذير" مجرد خليفة، ولكنها أصرت على أنه يحيي سنة الخلفاء الراشدين، وذلك على إثر خطبته في رمضان والتي حملت بين طياتها الترضية للجماعة فيما يختص بالسعي لخير مصر والأمم الإسلامية [35].

ويلاحق الإخوان تحركات فاروق، فحين يتقرر عودته إلى القاهرة، يصدر "مكتب الإرشاد العام" أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم، ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي، "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" [36].

ويكتب حسن البنا تحت عنوان؛ "ملك يدعو وشعب يجيب، إلى جلالة الملك الصالح فاروق الأول من الإخوان المسلمين"، مواصلا جهوده ليعتمد فاروق على الجماعة، فيرفع إليه صورة من المظاهر التي لا تتفق مع الإسلام من بؤر الخمور ودور الفجور وصالات الرقص وأندية السباق والقمار والمرأة السافرة المتبرجة، وكيف أن حدود الله معطلة، ويطلب منه أن يصدر أمراً ملكياً بألاّ يكون في مصر المسلمة إلاّ ما يتفق مع الإسلام؛ (فإنه مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر، ومن ورائهم هذا الشعب، كلهم يعملون في جد وهدوء ونظام يترقبون هذه الساعة... إن الجنود على تمام الأهبة، وإنّ الكتائب معبأة وقد طال بها أمد الانتظار) [37].

فانظر كيف جعل البنا أتباعه جنوداً لملك كافر!

ويأتي حادث 4/فبراير/1942 - وفيه فرض الإنجليز على الملك أن يولي الوزارة للـ "وفد" بقوة السلاح - وتزداد كراهية الإخوان للـ "وفد"، ولكن الملك لم يسترح لحسن البنا الذي استخدم سياسة منتصف العصا بين "الوفد" والملك، وادرك فاروق ذلك، ومن ثم تصرف المرشد العام بسرعة، وبإعادة إصدار صحيفة "الإخوان" في 29/أغسطس/1942، يتصدر الغلاف صورة فاروق وفي يده المسبحة.

ويذهب وفد برئاسة حسن البنا إلى قصر عابدين لرفع هذا العدد "إلى صاحب الجلالة الملك المحبوب أيده الله"، وتتكرر نفس الصورة مرة ثانية مع الاحتفال بعيد الهجرة، ومرة ثانية وهو ملتح وكتب تحتها "القدوة الصالحة" [38]، وراحت بعض الأقلام تسطر عن تاريخ محمد علي ومآثره [39].

ويرأس حسن البنا وفداً من "المركز العام" ويسافر به إلى "القصاصين" عقب حادثة الملك، وتنتقل إليها وفود من شعب الأقاليم وفرق الجوالة وتصفهم صحيفة "الإخوان" بأنهم؛ "يحدوهم جميعا شعورهم نحو مليك البلاد حفظه الله وعجل له بالعافية وسرعة الشفاء" [40]، وتشيد بفاروق عندما ترك الاحتفال بعيد ميلاده وذهب إلى الصعيد "يواسي المنكوبين منه ويزور الفقراء المعدمين ويصلهم بعطفه وبره" [41].

بهذه الصورة أثبت الإخوان ولاءهم للملك، حرصاً منهم على المحافظة على الأرض التي اكتسبوها، وإيماناً بأن الحكومات غير مستقرة ولكن العرش ثابت [42].

وبإقالة الوزارة "الوفدية" تغير الوضع، ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته، وكان على الإخوان الانعطاف كلية نحو القصر والحصول على المساندة الملكية، وراحت صحيفة "الإخوان" تظهر رياءها للملك، فتنتهز فرصة عيد ميلاده 1945 فيحمل غلافها صورته [43]، وتسطر بأن عيد الملك هو عيد الشعب، وأن الحب الذي يكنه له هذا الشعب لم يمنحه لغيره من قبل [44]، ويشيد حسن البنا في مقاله "رحلة الحجاز" بالمقابلة بين فاروق وابن سعود، ويبعث ببرقية باسم الإخوان إلى رئيس الديوان لرفعها للملك يهنئه فيها بسلامة العودة وأنه؛ "يعز الإسلام والعروبة بالفاروق العظيم" [45].

وفي عريضة بعث بها حسن البنا إلى الفاروق في نهاية يونيو/1945 يطالبه بإلغاء الأحكام العرفية ويختمها بقوله: (وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء الفاروق أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة) [46].

وفي حديثها عن سياسة فاروق العربية تشيد صحيفة "الإخوان" بهذا وتقول: (إن هذه الصلات الكريمة بين جلالتكم وبين ملوك العرب وامرائهم ورؤساء حكوماتهم لتعتبر قوة كبرى) [47].

وبمناسبة لقاء فاروق بابن سعود تشيد بجهود الأول في تدعيم النهضة الإسلامية وبناء الجامعة العربية، وتتصدر صوره مع الضيوف العرب صفحاتها [48].

وبمناسبة تولى صدقي للوزارة يقف زعيم الإخوان في الجامعة ليوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد [49].

وتمضي صحيفة "الإخوان" في طريقها، فيبعث المرشد العام برسالة إلى الملك، عندما بدأت المفاوضات - مفاوضات الجلاء بين صدقي والإنجليز - مشيراً إلى أنه معقد الآمال والرجاء [50].

واستمرت المجلة على نهجها واحتلت صور فاروق أغلفتها، وهو قائم يصلي وهو يستمع إلى آيات الذكر الحكيم وهو يحتفل بالمناسبات الدينية، وتقيم فرق الجوالة الاحتفالات بالمناسبات الملكية، ويخطب المرشد العام ليهنئ ويدعو أن يعز بالفاروق الإسلام [51].

وقامت حرب فلسطين، فتنشر صحيفتهم صورة فاروق بملابسه العسكرية، وتتبع حركاته في الجبهة ولقائه بالعسكريين وحديثه معهم، وزيارته للجرحى في المستشفيات العسكرية [52].

وتكتب بمناسبة ذكرى تولى فاروق سلطاته الدستورية تقول: (إذا كانت الأحداث الماضية وعلى رأسها الحرب ثم يوم 4/فبراير المشؤم قد أظهرت وطنية الملك المفدي في أحلى صورة، فقد كللت معركة فلسطين هامته بفخار تزهو به مصر ويباهي به التاريخ، قدنا يا مولاي ما شئت، فالأمة من ورائك والله من حولك خير حافظ وأقوى معين) [53].

هذا في الوقت الذي كان فيه فاروق متورطاً في قبض عمولات من صفقة الأسلحة الفاسدة للجيش المصري بفلسطين وكانت القضية منظورة أمام المحاكم، وكان فاروق في هذا الوقت - منتصف 1948 - قد بلغ الغاية في المجون والفجور وقد شاعت فضائحه الاخلاقية في شتى أنحاء مصر،

ويرسل حسن البنا على صفحات النذير في 8/المحرم/1358 هـ هذه الرسالة إلى فاروق التي وصفتها "مجلة الدعوة" فيما بعد بـ "الكلمات الخالدة": (اعتقد يا صاحب الجلالة أن الإخلاص للإسلام والعرش والوطن يفرض على أن أضع تحت نظركم السامي صورة مصغرة جداً من المظاهر العجيبة التي تتنافى مع الإسلام).

ثم يقول أيضاً: (يا صاحب الجلالة، حدود الله معطلة لا تقام وأحكامه مهملة لا يعمل بها في بلد ينص دستوره على أن دينه هو الإسلام).

ويسترسل في وصف المفاسد ثم يختم رسالته بقوله: (قلها كلمة منقذة، واصدره أمراً ملكياً كريماً، ألاً يكون في مصر المسلمة إلاّ ما يتفق مع الإسلام) [54].

ولا تنسى "مجلة الدعوة" تهنئة فاروق بعيد جلوسه على العرش فعلى غلاف العدد 15 تظهر صورة الملك في وسط الصفحة وبجانبها كتبت المجلة: (عيدان سعيدان، احتفل يوم الأحد الماضي في جميع أنحاء وادي النيل بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول على عرش أجداده العتيد... كما احتفل بزواج جلالته بحضرة صاحبة الجلالة الملكة ناريمان... و "الدعوة" إذ تتقدم بعظيم التهنئة بالعيدين، تبتهل إلى الله العلى الكبير أن يحفظ ذات الملك وأن يجعل أيامه كلها أعياد سعيدة وأن يعزه بالإسلام ويعز الإسلام به) [55].

في الوقت الذي كانت المظاهرات تهتف ضد مباذل فاروق، حتى لقد هتفت الجماهير عندما طلق زوجته الأولى: (خرجت الطهارة من بيت الدعارة).

ولكن "مجلة الدعوة" أيضاً في السنة التالية لم تفوت فرصة عيد الجلوس الملكي، ففي العدد 64 وقبيل انقلاب يوليو بحوالي شهرين ونصف تظهر صورة فاروق على الصحفة الأولى وبجانبها كتبت المجلة: (عيد الجلوس الملكي، تحتفل مصر اليوم بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر والسودان على عرش آبائه وأجداده، ونحن إذ نرفع إلى مقام صاحب الجلالة الملك وإلى الأسرة المالكة الكريمة أجل تهانينا... ندعو الله مخلصين أن يجيء هذا العيد الميمون في العام المقبل ووادي النيل يرفل في حلة قشيبة من حلل الحرية الحقة والاستقلال الكامل والوحدة المنشودة) [56].

ولكن المولى جلت حكمته لم يستجب دعاءهم، فلم يأت هذا العيد الميمون في أي عام تال، وحلت محل صور فاروق صورة محمد نجيب على عدد خاص أصدرته "الدعوة" عن حركة الجيش [57].

أما حسن الهضيبي؛ ففور تعيينه مرشداً عام يذهب إلى قصر عابدين في 14/11/1951 ليوقع في سجل التشريفات، مظهراً تأييده وطاعته لقاتل شيخه، ويصحبه في ذلك لفيف من قادة الإخوان ونشرت "صحيفة الجمهورية" صورة موثقة من التوقيعات [58].

وتشكك د. لطيفة محمد سالم في أن كل من كتب اسمه قد صاحب المرشد نتيجة الصراع داخل الإخوان حول هذا التصرف، ولكنها تؤكد أن المرشد قد ذهب ومعه بعض القيادات [59].

أمّا عن زيارة حسن الهضيبي للملك في 20/11/1951 فسنفرد لها فقرة خاصة لأهميتها، ولكننا نسجل هنا أن حسن الهضيبي قد زار قصر عابدين فيما نعلم ثلاث مرات - إن لم يكن أكثر - ليوقع في سجل التشريفات، مرة عند تعيينه وقد ذكرناها.

والمرة الأخرى في 16/1/1952 يتوجه للقصر مهنئاً بمولد ولي العهد، في وقت كانت الجموع تهتف في الشوارع ضد فاروق، وضد فساده.

والمرة الثالثة؛ يوقع في سجل التشريفات في 25/5/1952 رافعاً ولاءه مستنكرًا هذه الصيحات التي تعالت ضد الأعتاب السامية، مبرئاً الإخوان من الاشتراك في مثل هذه الأعمال [60].

ومن الطريف أن أحد كتاب الإخوان، وهو فريد عبد الخالق بعد كل هذا يقول: إن الهضيبي؛ (كان الوحيد بين الزعماء السياسين الذي لا حاجة به إلى مصانعة الملك) [61]؟

وأختم هذه الفقرة بكلمتين لعمر التلمساني، لا أظنه يحترم فيهما ذهن القارئ، ويدخلان تحت قول المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا

أما الأولى فيقول عن فاروق: (واستقبله الإخوان استقبالاً باهراً، لا ليظهرواً قوتهم أمامه، ولكن ليعربوا عن فرحتهم به، وليعلم أن القوة والمنعة في الإسلام) [62]!

أما القول الثاني فقوله: (من يدري لو لم تقم حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 ماذا يكون الحال أيامنا هذه؟! كان الملك فاروق رحمنا ورحمه الله مستقراً على عرشه تسنده قوة الجيش والشرطة) [63].
وسوف يرى القارئ فيما بعد؛ كيف يوزع عمر التلمساني الرحمات على من حاربوا المسلمين وقتلوهم وعذبوهم، اللهم أدركنا برحمتك ولا تجعلنا مع القوم الظالمين.


[21] حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، ص: 87، طارق البشري، الحركة السياسية في مصر 1945 - 1952، ص: 43.

[22] الإخوان المسلمون، 1356، 18/3/1938، الخلافة جامعة المسلمين موحدة لجهودهم.

[23] الإخوان المسلمون، العدد: 6، 27/ربيع أول/1352 - 1933، إلى جلالة الملك، بقلم توفيق علي حسن، ريتشارد ميتشيل، الإخوان المسلمون، ترجمة عبد السلام رضوان، مكتبة مدبولي 1977، ص: 46.

[24] الاخوان المسلمون، العدد: 4، 14/صفر/سنة 1355، 5/5/1936، مات الملك يحيا الملك.

[25] المصدر السابق، العدد: 6، 28/صفر/سنة 1355، 19/5/1936، الناس علي دين ملوكهم، بقلم طاهر العربي.

[26] المصدر السابق، العدد: 10، 19/ربيع أول/1355، 16/6/1936، جلالة فاروق المثل الأعلى لأمته، بقلم طاهر العربي.

[27] الاخوان المسلمون: 1356، 9/2/1937، حامي المصحف، بقلم حسن البنا.

[28] حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، ص: 235 - 237، محمد حسنين هيكل، مذكرات في السياسة المصرية ج2، ص: 34، د. رفعت السعيد، حسن البنا، ص: 69، الرابطة العربية، 14/4/1937، ريتشارد ميتشيل، المرجع السابق، ص: 47.

[29] الاخوان المسلمون، الاعداد 30، 31 في 21، 28/1/1938، هدية الاخوان المسلمين إلى عرش مصر، إلى الاستاذ الأكبر؛ أهكذا تكون امارة المؤمنين؟ بقلم محمد الشافعي، القلم الصريح، 23/2/1939، مقال بعنوان: الخلافة الإسلامية، وأشارت فيه إلى أن المطالبة بالخلافة يقضي على المفاسد وعلي رأسها البغاء والخمور.

[30] الاخوان المسلمون، عدد: 59 -60، في 9/9/1938، وصاحب هذا التوقيع هو "عبد الله بك عفيفي" كما نشرت عدة مقالات عن تاريخ الإسلام والآدب الإسلامي. Christina Harris: Nationalism and Revolution in Egypt P.178.

[31] النذير، 30/ربيع أول/سنة 1357 هـ، 1/6/1938، إلى الامام دائما؛ الدعوة الخاصة بعد الدعوة العامة، أيها الإخوان تجهزوا، بقلم حسن البنا، د. عبد العظيم رمضان، تطور الحركة الوطنية في مصر 1937 - 1948 – القاهرة 1973، ص: 313، طارق البشري، المرجع السابق، ص: 48، محمد شوقي زكي، الاخوان المسلمون والمجتمع المصري، ص: 18.

[32] النذير، عدد: 2، في 6/ربيع آخر/1357، 1938، ص: 4.

[33] نفس المصدر، عدد: 42 في 26 يناير 1937، ص: 8.

[34] محمد صابر عرب: حادث 4/فبراير/1942، والحياة السياسية المصرية الطبعة الأولى دار المعارف 1985، ص: 274، ص: 275.

[35] النذير، عدد: 24، في 15/رمضان/1357، 1938، ص: 1.

[36] نفس المصدر، عدد: 30، في 4/ذي القعدة/1357، 1939، ص: 6.

[37] نفس المصدر، عدد: 2/محرم/1358، 1939، ص: 3.

[38] الاخوان المسلمون، عدد: 1، في 29/أغسطس/1942، عدد: 12/سبتمبر/1942، ص: 3، عدد: 11 في 23/يناير/1943، عدد: 14 في 20 مارس 1943.

[39] نفس المصدر، عدد: 4 في 10 أكتوبر 1942، ص: 3 - 4.

[40] نفس المصدر، عدد: 24 في 11 ديسمبر 1943، ص: 2.

[41] نفس المصدر، عدد: 29 في 26/فبراير/1944، ص: 3.

[42] د. لطيفة محمد سالم: فاروق وسقوط الملكية في مصر، 1936 - 1952، الطبعة الأولى 1409 هـ، 1989 م، مكتبة مدبولي، القاهرة، ص: 700 - 701.

[43] المصدر السابق، ص: 701، 702، 703.

[44] الاخوان المسلمون، عدد: 53 في 14/2/1945، ص: 2.

[45] نفس المصدر السابق نفس العدد.

[46] المصدر السابق، عدد: 62، في 28/يونيو/1945، ص: 4.

[47] المصدر السابق.

[48] المصدر السابق، عدد: 85 في 12/1/46، ص: 2، عدد: 86، 19/1/1946، ص: 2.

[49] كمال الدين رفعت: مذكرات حرب التحرير الوطنية بين إلغاء معاهدة 1936 والغاء اتفاقية،1954 دار الكاتب العربي للطباعة والنشر،القاهرة 1968ص 39، د. لطفية محمد سالم: المصدر السابق، ص: 705.

[50] الاخوان المسلمون، عدد: 100 في 30/4/1946، ص: 3، لطفية محمد سالم المصدر السابق، ص: 705.

[51] نفس المصدر، الاعداد 111، 114، 120، في 20/7، 10/8، 28/9/1946، الأغلفة، د. لطيفة محمد سالم: المصدر المذكور، ص: 706.

[52] الاخوان المسلمون، عدد: 200 في 22/5/1948، الغلاف، عدد: 205 في 26/6/1948، الغلاف، عدد: 673، في 8/يوليو/1948، ص: 1، عدد: 677 في يوليو/1948، ص: 2.

[53] الاخوان المسلمون، عدد: 689 في 30/7/1948.

[54] الدعوة، العدد: 41 السنة الأولى، 27/صفر/1371، 27/11/1951، ص: 7.

[55] الدعوة، العدد: 15، السنة الأولى، 8/5/1951 الغلاف.

[56] الدعوة، العدد: 64، السنة الثانية، 12 شعبان 1371، 6/5/1952، ص: 1.

[57] الدعوة، العدد: 86، 17/محرم/1372، 7/10/1952.

[58] الجمهورية، عدد: 271 في 8/9/1954، ص: 5.

[59] د. لطيفة محمد سالم، المصدر السابق، ص: 716.

[60] الجمهورية، عدد: 271، في 8/9/1954، د. لطفية محمد سالم، المصدر المذكور، ص: 720، 721.

[61] فريد عبد الخالق، الاخوان المسلمون في ميزان الحق، دار الصحوة، الطبعة الأولى 1407، 1987م القاهرة، ص: 68.

[62] عمر التلمساني، ذكريات لا مذكرات، دار الطباعة والنشر الإسلامية، 1985، ص: 154.

[63] المصدر السابق، ص: 241
.


------------
 

(2) الجوالة والملك
استغل حسن البنا استعراضات الجوالة ليظهر قوة الجماعة ويظهر بها أن جماعته القوية تؤيد الملك وتسانده، فقد كان أول ظهور للجوالة في شكل استعراض عند تنصيب الملك فاروق على عرش مصر 1937 [64].
وتستمر احتفالات الجوالة بالمناسبات الملكية؛ فتشارك في الاحتفالات بعودة الملك للقاهرة بعد اصابته في حادث سيارة في "القصاصين" [65]، ويلاحق الإخوان تحركات فاروق؛ فحين يتقرر عودته للقاهرة، يصدر "مكتب الإرشاد العام" أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي "لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة" [66].

وزار الملك عبد العزيز آل سعود مصر، فكانت فرصة لاستعراض الإخوان لجوالتهم أمام شرفة قصر الضيافة، وكان يقف إلى جواره أحمد السكري - الوكيل العام للإخوان - واندس حسن البنا بين الجماهير؛ يشاهد الاستعراض، وتكررت الاستعراضات في عيد ميلاد الملك أو عيد جلوسه [67].

وتصف "النذير" الجوال؛ بأن عليه أن يكون مخلصاً لله وللوطن وللملك ولوالديه ولرؤسائه ومرؤوسيه [68].




[64] حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، ص: 234، ص: 237، زكريات سليمان بيومي: الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية، 1928 - 1948، دكتوراه في التاريخ الحديث من جماعة عين شمس، 1978، نشرتها مكتبة وهبة، 1979، ص: 125، 126، د. لطيفة محمد سالم: المصدر المذكور، ص: 697.

[65] أحمد عادل كمال النقط فوق الحروف، الإخوان المسلمون والنظام الخاص، الزهراء للإعلام العربي، ص: 51.

[66] د. لطيفة محمد سالم المصدر المذكور ص،698النذير، عدد: 30، في 4/ذي القعدة/1357، 1939، ص: 6.

[67] أحمد عادل كمال: المصدر المذكور، ص: 51.

[68] النذير: العدد: 5، 28/ربيع الثاني/1357 هـ، يونيو/1938، زكريا سليمان بيومي: المصدر المذكور هامش صفحتي 124، 125.
--------
 
(4) السعي للمناداة بالخلافة لفاروق

سعت صحف الإخوان إلى المطالبة بإقامة الخلافة وتولية فاروق لها واغراءه بذلك.

فتحت عنوان؛ "الخلافة جامعة المسلمين موحدة لجهودهم"، نادت بالخلافة لفاروق، في محاولة استغلال ما بدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم [70].

وحين انتقدت مجلة "الإخوان المسلمون" المفاسد التي جرت في حفل زفاف الملك، وجهت اللوم للشيخ المراغي! لأنه لا يحض الملك والحكومة على التزام الإسلام، وكتبت هذا المعنى في مقالات تحت عناوين؛ "هدية الإخوان المسلمين إلى عرش مصر"، (إلى الأستاذ الأكبر؛ أهكذا تكون إمارة المؤمنين؟).

كما أكدت مجلة "القلم الصريح" هذا المعنى، تحت عنوان؛ "الخلافة الإسلامية"، وأشارت فيه إلى أن المطالبة بالخلافة تقضي على المفاسد، وبخاصة البغاء والخمور [71].

ولقد قرر الدكتور زكريا سليمان بيومي - المتعاطف مع الإخوان المسلمين، كما يصف نفسه في مقدمة بحثه عن الإخوان المسلمين، وأن نظرته منبثقة من داخل الحركات الإسلامية [72] - هذا الأمر حيث يقول: (إن الجماعات الإسلامية - ممثلة في جماعتي الإخوان وشباب محمد - قد هادنت القصر، بل مالأته أحياناً، ونادت له بالخلافة رغم معاداة سلوكه - في الغالب - للحركة الوطنية والشريعة الإسلامية، مما اعتبر جنوحاً من هذه الجماعات إلى طريق معاداة الحركة الوطنية، فضلاً عن إسهامها في الإساءة إلى منصب الخلافة نفسه) [73].

وكما رأى القارئ مما سبق، وكما سيرى - إن شاء الله - مما يلي؛ كيف أفرط البنا والإخوان في مدح الملك والثناء عليه ووصفه بالإسلام والتقوى، وهو ملك مرتد كافر فاجر، يحكم البلاد بموجب دستور علماني وقانون وضعي.

إن هذا المسلك الإخواني يطمس التوحيد والإيمان، ويميع عقيدة الموالاة والمعاداة، ويُعَمِّي على المسلمين أعداءهم، بخلاف ما أمر الله تعالى به من وجوب معرفة المجرمين وسُبُلهم، قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}، فالله يريد أن يبين لنا سبيل المجرمين، والإخوان يُعمُّون على هذا السبيل، حتى لا يعرف المسلم صديقه من عدوه، وحتى يقع المسلم فريسة سهلة لعدوه وهو في غفله.

ولم يكتف الإخوان بهذا التمييع العقائدي بأقوالهم ومواقفهم، بل أصَّلوا هذه الميوعة تأصيلاً شرعياً وجعلوها من عقائدهم عندما أعلن مرشدهم الثاني حسن الهضيبي مبدأ "دعاة لا قضاة"، وألف كتاباً ينهي فيه أتباعه عن الخوض في مسألة الحكم الشرعي في الواقع الذي يواجهونه.

وكان عاقبة هذا الخلل الشرعي؛ أن دخلت حشود الإخوان السجون والمعتقلات مرة تلو أخرى، ليخرج بعضهم من السجون، وكل منهم قاض يحكم على غيره بالكفر دون ضابط ولا وازع، وكل هذه الضلالات يحمل وزرها قادة الجماعة الذين لم يبصروا أتباعهم بحكم الواقع الذي يواجهونه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته) الحديث) [متفق عليه].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً... الحديث) [رواه مسلم].

فهل يعتبر الإخوان بهذا? وهل تعتبر بقية الجماعات الإسلامية بهذا? قال تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}.




[70] الاخوان المسلمون: 18/3/1938، زكريا سليمان بيومي: المصدر المذكور، ص: 206.

[71] الاخوان المسلمون: الاعداد 30، 31 في 21، 28/1/1938، القلم الصريح: 23/2/1939، زكريا سليمان بيومي: المصدر المذكور، ص: 209.

[72] زكريا سليمان بيومي: المصدر المذكور، ص: 3.

[73] المصدر السابق، ص: 320 - 321.

 -----------

(5) التفاهم مع الملك على إزاحة النقراشي في مقابل اظهار التأييد للملك في فبراير/1946

يحكي أحمد عادل كمال عن هذه الحادثة ووقتها كان طالباً في الجامعة، فيقول: (وفي منتصف الليل تقف سيارة ملكية فاخرة في الحي الشعبي، الحلمية الجديدة، أمام البيت المتواضع الذي يسكنه الرجل الفقير الذي يهز الدولة ويهز العرش... حسن البنا، وطلب الرجل لمقابلة عاجلة مع رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا، وكان موقف حسن البنا حاسماً وواضحاً... لقد أساء النقراشي بالاعتداء على أبنائنا الطلاب الذين لم يقترفوا إثماً إلاّ لمطالبة بأمانينا القومية... إنهم لم يطلبوا إلاّ جلاء قوات الاحتلال ووحدة وادي النيل، وهي مطالب مشروعة لا ينكرها إلا خائن... ولذلك لا بد أن يخرج النقراشي من الوزارة ولم يخرج الرجل من سراي عابدين إلاّ ومعه وعد بذلك).

ويقول أيضا: (وفي نفس الوقت كانت اتصالات أخرى تجري معنا نحن الطلاب، اتصل بي عمر أمين سكرتير قسم الطلاب آنذاك وكان طالباً بكلية الهندسة وطلب إلى الحضور مندوباً عن كلية التجارة في موعد حدده بميدان عبد المنعم بـ "الدقي" لمقابلة رئيس الديوان الملكي! وفي الموعد وجدت مندوبين من الإخوان عن سائر الكليات.

كنت في العشرين من عمري، وكانوا نحو ذلك، وتقدمنا إلى الفيلا التي كان يقطنها أحمد حسنين باشا فأدخلنا إلى حجرة الصالون... وعلمت أن واسطة الاتصال بين الباشا وبيننا كان الصحافي المعروف الأستاذ مصطفى أمين، وكان هو نفسه حاضراً، كما شهد جانباً من الاجتماع كريم ثابت المستشار الصحفي للقصر الملكي.

وجاء الباشا وكان حريصاً كل الحرص إن يتباسط معنا في الحديث، وذكر أن الملك شاب مثلنا وأنه يحبنا لأننا من جيله ولأنه يحس بأحاسيسنا ويشعر بمشاعرنا، وسقط كريم ثابت فقال؛ إن الملك مثلنا يحب معاكسة الفتيات، ولم يكن منتبهاً فيما يبدو إلى أننا إخوان مسلمون، وأراد حسنين باشا أن يتدارك الأمر ولكن بعد فوات الأوان، واستمر يقول إنه لذلك فهو - جلالة الملك - عاتب علينا أشد العتب لما فعله الطلاب في الجامعة، وأجبنا بأن النقراشي أساء وضربنا، وقال هناك سلطة عليا في البلاد وهي الملك وأنه كان باستطاعتنا أن نشكو النقراشي إلى الملك.

قلنا؛ إن النقراشي منع مظاهرة سلمية من الوصول إلى قصر عابدين وزج بإخواننا في السجون وما زال يبحث عنا للقبض علينا!

وانتهى الحديث بيننا إلى أن أصبح صفقة؛ النقراشي يخرج من الحكم ويفرج عن المقبوض عليهم وتحفظ القضايا، ونحن نقوم بمظاهرة من الجامعة إلى قصر عابدين تهتف بحياة الملك! حفاظا على كرامتنا في البلاد، وقد ضحى الملك بالنقراشي وكان كل ما يهمه هيبته هو، وكان ما يهمنا هو سقوط النقراشي والإفراج عن إخواننا) [74].

وسوف ترى يا أخي؛ أن هذا النقراشي سيأتي مرة أخرى للحكم، وسيؤيده الإخوان، ثم سيهاجمونه ويقتلونه لأنه خائن!

أما الذي أتى بعده؛ فهو إسماعيل صدقي - عميل الإنكليز والمقرب إلى كبار أثرياء اليهود - وسيؤيده الإخوان ثم يهاجمونه.

ولا تسألني كيف ولماذا؟... إنهم الإخوان... وإنه تاريخهم!
--------

(6) تدخل للملك لإعادة البنا بعد نقله والإفراج عنه بعد إعتقاله 1941م

تدخلت السراي إلى جانب البنا لإعادته إلى القاهرة، بعد نقله إلى الصعيد بأمر من حسين سري - رئيس الوزراء - وبوحي من الإنكليز.

وكذلك تدخلت للإفراج عنه ووكيله بعد اعتقالهما سنة
-------------
 
(7) اتفاق حسن البنا مع الملك على محاربة الشيوعية تحت لوائه

بعث حسن البنا إلى فاروق بعريضة في أواخر 1945: (أشار فيها إلى الأفكار القلقة التي تهدد القواعد الأساسية للمجتمع، وأن السبيل إلى مواجهتها هو الاعتصام بحبل الله... وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء فاروق؛ أن تنهض من جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة) [76].




[76] الإخوان المسلمون، عدد: 62، في 28/6/1954، ص: 4، لطفية محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 

-----------

(8) دعم الملك للجماعة

ينقل محمود الصباغ عن العدد 45 من مجلة "المسلمون"؛ البرقية التالية للسفير البريطاني، عقب إعادة البنا بتأثير السراي من الصعيد، بعد أن نقله حسين سري رئيس الوزراء بإيماء من الإنكليز: (إن القصر الملكي بدأ يجد في الإخوان أداة مفيدة، وأن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديري الأقاليم المحافظين بعدم التدخل في أنشطة الإخوان الذين يعملون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد).

وقال السفير: (لا شك أن الجماعة استفادت كثيراً من محاباة القصر لها) [77].

وتنقل د. لطيفة محمد سالم عن تقارير الخارجية البريطانية عن وضع الإخوان أثناء وزارة حسن صبري ما يلي: (ولم يمسهم الضرر أثناء وزارة حسن صبري حيث ساندهم القصر وواصل إمدادهم بالإعانات المالية التي بدأت منذ 1940) [78].

كما تنقل أيضاً؛ أن "لامبسون" يشكو لحكومته من الجماعة، ويبين أنها مستمرة في العمل ضد بريطانيا بتشجيع من القصر [79].

وتنقل أيضا؛ أن الملك قد أوقف المعونات المالية التي كانت تتلقاها الجماعة من القصر، ولم يعد هناك تفاهم محدد بين الطرفين، بعد اتفاق حسن البنا والنحاس؛ على تنازل البنا عن ترشيح نفسه في مقابل بعض التنازلات من الحكومة [80].

وتذكر أيضاً؛ أنه بسقوط الوزارة "الوفدية" تغير الوضع، ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته، وكان على الإخوان الإنعطاف كلية بجانب القصر وإسقاط الفجوة القائمة والحصول على المساندة الملكية، وهذا ما سعوا إليه [81].

وتنقل أيضا؛ إن الملك ذكر للسفير البريطاني أنه على صلة وثيقة بهم، ويشير إلى انتشارهم، لكنه يطمئنه بأنهم لا يتدخلون في السياسة [82].

وتذكر أيضاً نقلاً عن مذكرة "والتر سمارت" - المستشار الشرقي للسفارة البريطانية - حول لقائه مع حسن رفعت - وكيل وزارة الداخلية في حكومة النقراشي - الذي أخبره أنه ليس هناك ضرر من أن يعطي فاروق لهم بعض التشجيع، لأنهم أحسن أداه لمحاربة الشيوعية، كما صرح حسن رفعت؛ بأن حسن البنا قد تلقى أموألاً من الاّيطاليين وألاّلمان والقصر و "الوفد" لتوسيع تنظيمه [83].

وتذكر د. لطيفة أيضاً؛ أن الملك ساند الإخوان كوسيلة لمحاربة "الوفد" في وزارة النقراشي الأولى، ولذلك لم يكن غريباً أن يسمح النقراشي للإخوان في سبتمبر/1945 بعقد المؤتمر العام لنواب الأقاليم، في الوقت الذي منع فيه كل المؤتمرات والاجتماعات، وترتب على ذلك أنهم حصلوا على حرية التجوال والتنقل، وهذا ما كانوا يسعون إليه [84].

وتذكر د. لطيفة أيضاً؛ أن وزارة إسماعيل صدقي مثلت قمة الارتباط بين فاروق والإخوان، ويستاء القائم بالأعمال البريطاني لذلك، وأنه مع حكومته أصبحا مرتكزان على الإخوان المسلمين الذين زادت قوتهم إلى درجة كبيرة، وبالفعل فقد قدمت الجماعة خدماتها في مشاركتها في الحملة على الشيوعيين.

وانعكس الرضا الملكي على الجماعة، فدعى حسن البنا إلى إحدى ولائم قصر عابدين، وجاء في الدعوة؛ أن الحضور بـ "الردنجوت"، فاعتذر لأنه لا يملك المال الذي يشتريه به [85].

وتنقل د. لطيفة أيضاً عن القائم بالأعمال البريطاني في نهاية سبتمبر/1948؛ أن القصر في بعض الظروف يقدم على تأييد الإخوان لأنهم التنظيم "الديمابوجي" الوحيد ذو القوة الكافية التي تمكن فاروقاً من الحصول على التأييد الشعبي وإحكام الموازنة في حالة عودة "الوفد" للحكم [86].




[77] محمود الصباغ: المرجع المذكور، ص: 467 - 468.

[78] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 699، 700 F.O.921.199,34 - 44 - 10,P.I.C.Paper No 49 , IKhwan El Maslimeen,1944.

[79] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 700. F.O.OP. Cit, 31569, J 1111 -39 - 16, Lampson - Eden, Cairo, Feb- 12, 1942, No: 156.

[80] F.O.921OP.CIT. د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 701.

[81] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 702 F.O. 371) 35540, J 4752) 2- 16, P.I.C.M.E -War Office, Nov.12 - 1943, No: 5340.

[82] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 702 F.O. 954 - 5 , Part 4 , Eg - 44 - 67, Killearn - Eden, Cairo, Nov. 16, 1944, No: 232.

[83] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 703 F.O. 371 - 45928, J 3955 – 3 - 16, Bowker - F.O. Cairo, Nov. 9, 1945, Minute By Smart on the Role of Ikhwan Muslimeen

[84] كمال الدين رفعت: مذكرات حرب التحرير الوطنية بين إلغاء معاهدة 1936 وإلغاء اتفاقية 1954، ص: 34، لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 704.

[85] د. لطيفة محمد سالم المرجع المذكور، ص: 705، الدعوة، عدد: 151 في 5/يناير/1954 ص13.

F.O.OP. Cit, 53289, J 1330 - 39 - 16, Bowker - Bevin, Cairo, March 15, 1946, No: 380.

[86] F.O.Op. Cit, 69277, J 6564 – 68 - 16, Andrews - Scott, Cairo, Oct. Ist,1948. د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 707 -
-------
 
(9) استشارة الملك للبنا في تعيين إسماعيل صدقي رئيساً للوزارة

ولن نسهب هنا في تفاصيل علاقة إسماعيل صدقي بالإخوان، فسنفرد لها موضعاً خاصاً، ولكننا هنا نتناول واقعة استشارة الملك لحسن البنا في تعيين صدقي.

تقول د. لطيفة محمد سالم: (عندما وقع اختيار الملك على تولى إسماعيل صدقي الوزارة، بعث برسول إلى حسن البنا ليستشيره في أمر مجيء رئيس الوزراء الجديد، ولم يخب ظن فاروق، فقد سر المرشد العام من أنه أصبح يستشار في السياسة العليا، ووافق موافقة تامة على الإختيار، وفي اليوم التالي لتأليف الوزارة، ذهب إسماعيل صدقي إلى "المركز العام" للإخوان وترك بطاقة، ورد له حسن البنا الزيارة، ووقف زعيم الإخوان في الجامعة يوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد) [87].




[87] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 705، آخر ساعة، عدد: 1049، 1/12/1954، ص: 4. كمال الدين رفعت: المرجع المذكور، ص: 

----------
 
(10) سعى البنا للقاء الملك

حاول حسن البنا لقاء الملك؛ لطمأنته بأن الإخوان لا يريدون به شراً.

فيما بين يدينا من مصادر ثلاث مرات، منها واحدة اعترف بها عمر التلمساني في مذكراته، وهي التي كانت عن طريق طبيب الملك يوسف رشاد وزوّج إحدى عشيقاته؛ ناهد رشاد [88].


ويجمل التلمساني الواقعة فيقول: (وفعلاً التقى طبيبه - أي الملك - الخاص يوسف رشاد بالإمام الشهيد، ولكن الأيدي التي لا تضمر خيرا لشرع الله زرعوا في قلبه – الملك - الخوف من الإخوان) [89].


أما تفاصيل هذه الواقعة؛ فقد بدأت عندما اتصل محمد أنور السادات - عقب خروجه من المعتقل - بالمرشد العام، فأفصح الأخير عن أن المتاعب تأتيه من ناحيتين، ناحية الملك، وناحية الأجانب، وبين أن فاروقاً يشعر بخطورة دعوة الإخوان على أساس أنها تقوم على أن يكون الملك بالمبايعة لا بالوراثة، وعليه فإنه يخشى أن يضرب ضربته والحركة لم تبلغ بعد أوج قوتها.


وذكر أن الأجانب يمكن أن يطمئنوا للدعوة لو اطمأن إليها الملك، وأنه يستطيع أن يكسب ذلك لو تقابل معه، حيث يمكنه أن يزيل من نفسه الأوهام والشكوك، في الوقت الذي أوضح فيه أنه لا يريد أن يبدأ معه سياسة وفاق أو تعاون، وطلب من "السادات" التوسط للتنفيذ لدي صديقه يوسف رشاد، وتمت المهمة، وطلب فاروق أن يقابل يوسف رشاد؛ المرشد العام ويستمع إليه وينقل له الحديث، ليرى إن كان يقابله، ثم عاد الملك وألغى ما ارتآه، وتكررت المحاولة مرة أخرى، وانتهى الأمر باللقاء، وجرى الحديث الذي خرج منه يوسف رشاد مقتنعاً بخلوص نية حسن البنا نحو الملك والتي استبعدها فاروق.


ولكن الارتياب عاد إلى نفس "السادات" من البنا، لاستمرار علاقة الأخير بالقصر عن طريق غير يوسف رشاد [90].


أما المحاولة الثانية؛ فكانت في نهاية 1948 لما ظهرت في الأفق فكرة حل الجماعة، ولم تكن فكرة حل الجماعة وليدة لحظتها، وإنما رددت حولها الأقوال، مما ألجأ حسن البنا إلى مرتضى المراغي - وكان مديرا للأمن - وتحدث معه بشأن خطورة تنفيذ هذا الإجراء، وأبدى غضبه على النقراشي، واتهمه بأنه يكيل التهم للإخوان لدي فاروق، وتتضمن أنهم يريدون قتله وينبذون تصرفاته.


ورفض المرشد العام وساطة مرتضى المراغي عند النقراشي، وبين أنه ممكن الصبر عليه لأنه قد يترك منصبه في أي وقت، أما الملك فهو باق، وطلب أن ينقل له رسالة شفوية؛ بأن الإخوان لا يريدون به شراً، ولا ينبذون تصرفاته، وإنهم ليسوا بقوامين عليه، ورجاه أن يقنعه بالعدول عن اتخاذ تلك الخطوة، واعتبرها جريمة نكراء، ولكن عندما عرض مدير الأمن العام على مسامع رئيس الوزراء الرسالة؛ عارض في توصيلها للملك [91].


أما المحاولة الثالثة؛ فكانت عندما اغتيل "حكمدار" القاهرة، وعقب اغتياله بأربعة أيام؛ أصدر النقراشي أمراً عسكرياً في 8/ديسمبر/1948 بحل جماعة الإخوان وفروعها بالأقاليم ومصادرة أموالها.


جاء من بين التهم التي وجهت إليها؛ أنها تعد للإطاحة بالنظام السياسي القائم عن طريق الإرهاب، مما أودى بالمرشد العام الاستغاثة بكريم ثابت - المستشار الصحافي للملك، وهو نصراني - وطلب وساطته، وأبرز له أهمية الإخوان، ومدى الفائدة التي يكسبها العرش إذا عرف كيف يستفيد من نشاطها الديني، واعترف أن اشتغالهم بالسياسة كان خطأً، وأن عليهم قصر رسالتهم على خدمة الدين.


وطلب من كريم ثابت نقل هذا الحديث للملك، مع الرجاء بأن يتدخل بنفوذه لدي النقراشي، ليوقف تدابير الحل والمصادرة، وليبقى على الإخوان كهيئة دينية تنصرف إلى تأدية رسالتها الأخلاقية دون أن تجاوزها.


ثم عاد وكرر أن الإخوان من هذا المنطلق هم عون كبير للملك في مقاومة الشيوعية والمبادئ الهدامة، واختتم حديثه؛ بأنه إذا وافق الملك، فهو مستعد - تسهيلاً لمهمة الحكومة - إذاعة بيان يعلن فيه أن الإخوان لن يشتغلوا بالسياسة بتاتا، وأنهم سيوجهون جهودهم للأغراض الدينية وحدها.


وعندما هم كريم ثابت بالتوسط، وجد فاروق في شدة الغضب على حسن البنا، حيث أخرج من أحد الأدراج نتيجة من النتائج التي تطبعها مصلحة المساحة، ومنزوع منها صورته وملصق مكانها صورة المرشد العام، وعلق عليها؛ بأنها صورة الملك الجديد، وكان رجال المباحث قد عثروا عليها في دمنهور، ومن ثم فشلت الوساطة [92].





[88] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 930


[89] عمر التلمساني المرجع المذكور: ص 154.


[90] أنور السادات: أسرار الثورة المصرية، ص: 121 - 125، صفحات مجهولة، ص: 99 - 102. ريتشارد ميتشيل: الاخوان المسلمون: ترجمة عبد السلام رضوان مكتبة مدبولي سنة 1977، ص: 96، ص: 98، واسحاق الحسيني: الاخوان المسلمون كبري الحركات الإسلامية في العالم العربي، بيروت ط 2، 1955، ص: 213، ص: 214، ص: 224، أحمد حمروش: قصة ثورة 23/يوليو، الدار العربية للدراسات والنشر 1977 ج1، ص: 117، د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 702، زكريا سليمان بيومي: المرجع المذكور، ص: 213، ص: 250.


[91] مرتضي المراغي، مجلة أكتوبر، عدد: 496 في 27/أبريل/1986، ص: 45، 46.


[92] مذكرات كريم ثابت، الجمهورية، عدد: 574 في 11/يوليو/1955، ص: 1، 709، لمزيد من التفاصيل انظر جريدة مايو: 8/5/84، ص: 

------------

(11) اختيار الهضيبي مرشداً عاما

تم اختيار حسن الهضيبي مرشداً عام للإخوان المسلمين - بعد وفاة حسن البنا - وقد تخطى هذا الاختيار قانون الجماعة، إذ إن الهضيبي لم يكن في جماعة الإخوان المسلمين، وأراد التيار الذي اختار الهضيبي لمنصب المرشد العام؛ تحصيل عدة فوائد، منها إرضاء الملك، وإرضاء القضاة، وإبعاد التيار المتطرف - وخاصة قيادات النظام الخاص عن القيادة - وقد صرح بهذا الإخوان أنفسهم والذين أرخوا لهم.

كما أن الحوادث نفسها أثبتت أن حسن الهضيبي سعى لإرضاء القصر وللقضاء على الجانب المتطرف من الجماعة - كما سنرى في بقية البحث –

ونحن هنا نعرض لأقوال الإخوان، ثم لأقوال غير الإخوان؛ حول اختيار حسن الهضيبي، وكلها تدور حول المعاني التي أسلفناها.

يقول فريد عبد الخالق: (واستبشر الإخوان بمرشدهم الجديد، وأولوه ثقتهم، والتفوا حوله، وقد رأوا في اختياره على رأس الجماعة تصالحا مع القضاء الذي ساءته تصرفات بعض الأفراد وارتكابهم حوادث عنف في عام 1948 قبل صدور قرار حل الجماعة، ولا يزال الرأي العام يذكر مقتل النقراشي، واغتيال الخازندار، وفي هذه التصرفات ما شوه صورة الجماعة في نظره، وفي موافقة الأستاذ الهضيبي على أن يكون مرشداً للإخوان المسلمين؛ تصحيح لهذه الصورة) [93].

وسوف نعرض - إن شاء الله - لهذه الحوادث، ونبين مواقف الإخوان السيئة والمتناقضة فيها.

ويقول أيضاً - عند كلامه على عمل الهضيبي في الجماعة بعد توليه شئونها -: (وكان البناء الداخلي هو الآخر يحتاج إلى علاج بعض المتاعب التي حلت به في أخريات أيام الإمام حسن البنا، عندما وقعت تلك التصرفات الفردية عن قيادة وبعض أعضاء "النظام الخاص" بقيامهم بحادثتي الاغتيال اللذين سبقت الإشارة إليهما، دون علم المرشد، وعلى غير منهج الجماعة ووسائلها في تحقيق أهدافها، التي ليس فيها الاغتيال أو العنف، فقد أعتبر حسن البنا ذلك خروجاً على نظام الجماعة) [94].

ويقول صالح عشماوي - عضو مكتب الإرشاد، وأحد أقطاب الجماعة، وصاحب "مجلة الدعوة" والذي غضب عليه الهضيبي وفصله من الجماعة فيما بعد - في خطابه أمام الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين: (ثم عندما أراد الأستاذ منير دلة تعيين مرشد عام للجماعة، وعندما اقترح اسم الأستاذ حسن الهضيبي، ولم يكن معروفاً لأحد من الإخوان في ذلك الوقت إلاّ العدد القليل، وكيف إنه قال بأن هذا الحل هو الذي يجمع شمل الإخوان ويجعلهم على قلب رجل واحد ويمنع تنازعهم وفرقتهم، وكيف أنهم ذكروا اعتبارات أخرى ومزايا لهذا الاختيار، لا محل لذكرها الآن، ثم ذكر كيف أنه تخطى العقبات القانونية)، إلى أن قال: (وتمت الإجراءات رغم مخالفتها الصريحة لنظام الجماعة) [95].

ويقول أيضاً في مقال لا حق: (يخطئ من يظن أن الأحداث الأخيرة في محيط الإخوان كانت نتيجة لقرار المكتب، القاضي بفصل أربعة من خيرة الإخوان من غير توجيه اتهام إليهم أو تحقيق معهم، وبدون ابداء الأسباب، إنما الحقيقة أن هذا القرار كان عارضاً لمرض أصاب الدعوة منذ مجيء الأستاذ حسن الهضيبي مرشداً عاماً للجماعة) [96].

وتقول د. لطيفة محمد سالم عن أحداث 1951: (وعلى آية حال، فإن الاتجاه المتطرف لم يتحكم في الموقف، وضح ذلك في اختيار حسن الهضيبي مرشداً عاماً، وتجاهل الاختيار قانون الهيئة التأسيسية ولم يكن الهضيبي عضواً فيها، ولا في مكتب الإرشاد، ولا رئيس شعبة، ولم يكن يحضر درس الثلاثاء، لكن قيل إن هذا الرجل هو الذي اختاره حسن البنا في أيام المحنة ووكله الإشراف على رعاية أسر الإخوان، وقد عمل بالقضاء فترة طويلة، والواقع أنه لم يتمتع بالشخصية القوية التي تؤهله للزعامة الفردية كسلفه، وكان هذا هو المقصود، نظراً لصعوبة البيعة لأحد العناصر القوية المتنافسة، ذلك من ناحية، وللسياسة الجديدة التي ارتأى الإخوان انتهاجها تجاه فاروق وهي تعتمد على مهادنة القصر لاستعادة الجماعة لمكانتها من ناحية أخرى، فالمختار يمت بصلة نسب لناظر الخاصة الملكية ولرئيس القسم المخصوص الإنجليزي بالديوان، ومعروف عنه دماثة أخلاقه، وكان القصر يسعى لتبوئه المركز.

وبدأت مرحلة تحالف جديدة بين فاروق والإخوان، وألغى قرار حل الجماعة وعادت إلى شرعيتها، لكنها ارتدت ثوباً آخر يتفق مع الاتجاه الجديد، وكان أول خطاب وجهه المرشد العام يعكس ذلك حيث قصر نداءه للجماعة على تقوى الله وطاعته وترتيل القرآن) [97].

أما طارق البشري فيرد على القول بأن الملك لم يكن له دور في اختيار الهضيبي، بدليل أن الجماعة احتفظت به بعد الثورة، فيقول: (وقد لا تكون صلة المصاهرة بين الهضيبي وناظر الخاصة ذات شأن سياسي هام، وهي كذلك ليست بذات شأن هام، بمراعاة استقلالية الدعوة، وبمراعاة ما تكشفت عنه شخصية الهضيبي من صلابة نادرة في أوقات المحن، ولكن يظل اختيار الهضيبي في الظروف السياسية لعام 1951، اختيار مقصوداً به الملاينة والإيماء بخفوت الجانب المتمرد المشاكس من نشاط الجماعة).

ويقول أيضا: (إن هذا الخط السياسي الملاين قد تقرر بين الإخوان، في ظروف مد ثوري وتصاعد، فجاءت حركة الإخوان غير متمشية مع الزخم الحاصل، خاصة بعد إلغاء معاهدة 1936).

ويقول أيضاً: (جاءت سياسة اتجاه الهضيبي في الإخوان بإملاء من السياق الداخلي للجماعة والتطور الذاتي لها، جاءت تحاصر التنظيم السري المسلح للإخوان وتعمل على تقليم أجنحته) [98].

وهكذا تم اختيار حسن الهضيبي مرشدا عاما في 19/10/1951.

وفي 14/11/1951 توجه هو ولفيف من قيادات الإخوان إلى قصر عابدين ليسجلوا أسماءهم في سجل التشريفات بمناسبة تعيين المرشد الجديد؛ لتقديم آيات الولاء لقاتل شيخهم!

وفي 20/11/1951 تحمل سيارة من سيارات الديوان الملكي حسن الهضيبي ليتشرف بمقابلة فاروق الأول - ملك مصر والسودان - وليخرج من المقابلة فيعلق: (مقابلة كريمة لملك كريم)!

وهكذا أهدرت قيادة الإخوان دم حسن البنا، حين هرولت لتؤيد وتتشرف بمقابلة قاتله.

ويدور الزمان دورته ويقتل عبد القادر عودة في محكمة؛ اثنان من قضاتها الثلاثة هم؛ أنور السادات وحسين الشافعي، ويهدر الإخوان أيضاً دم عبد القادر عودة ومحمد فرغلي وإبراهيم الطيب؛ حين يهرولون ويؤيدون أنور السادات، بل ويعتبرون أن له منة عليهم.

ويذهب عمر التلمساني - كما سنرى - إلى قصر عابدين مرة أخرى؛ ليسجل امتنانه على إفراج السادات عنهم، وهكذا يضيع أيضاً دم عبد القادر عودة ورفيقاه.

أما دم سيد قطب - فكما سنرى من موقف الإخوان منه - فليس له بواكي.

ويدور الزمان دورة ثالثة؛ ويقتل كمال السنانيري في سجن "استقبال طرة" بيد حسن أبي باشا - وزير داخلية مصر الأسبق - ويخرج الإخوان من المعتقلات فيتوجهون بالشكر إلى حسني مبارك، بل ويبايعونه على رئاسة الجمهورية - كما سنرى - ولا يرتفع لهم صوت - رغم فصاحتهم في التبرؤ من التطرف والعنف - في المطالبة بدم السنانيري، بل وعندما يقوم بعض الشباب بمحاولة اغتيال حسن أبو باشا؛ يستنكرون ما يفعله الشباب ويتبرؤن منه ويعدونه جريمة تستحق العقاب - كما سنرى - وهكذا ضاع أيضاً دم كمال السنانيري.

وكم من الدماء ستضيع على أعتاب مصلحة الدعوة!

وصدق الله العظيم {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون}.




[93] فريد عبد الخالق: المرجع المذكور، ص: 64.

[94] فريد عبد الخالق: المرجع المذكور، ص: 64.

[95] الدعوة، عدد: 148، 8/ربيع الآخر/1373 هـ، 15/12/1953، ص: 1.

[96] الدعوة عدد151، 29/ربيع الآخر/1373 هـ، 5/1/1954، ص: 1.

[97] لطيفة محمد سالم المصدر المذكور، ص: 715، الجمهور المصري، عدد: 87، في 2/9/1952، ص: 5، الدعوة، عدد: 37، في 30/10/1951، ص: 1.

[98] طارق البشري: الحركة السياسية في مصر 1945 - 1952، الطبعة الثانية 1403 هـ، 1983، دار الشروق القاهرة: المقدمة، ص: 65.
------
(12) لقاء الهضيبي بالملك

قُتل حسن البنا في شارع "رمسيس" في مساء يوم 12/2/1949، واختير حسن الهضيبي مرشداً عاماً في 19/10/1951، وكان في القصر الملكي يوم 14/11/1951 موقعاً في سجل التشريفات، ثم زائرا للملك في يوم 20/11/1951.

وقد أحدثت هذه الزيارة دوياً هائلاً، اعترف بها الإخوان أنفسهم وأنكرها كثير منهم، لأنها كشفت عن خط جديد في الجماعة، وإن كان هذا الخط قد بدأ قبل اغتيال حسن البنا، ولذلك فقد أفردنا لهذه الزيارة وما قيل حولها عنواناً خاصاً.

كان أول رد فعل إخواني تقريباً هو ما نشرته جريدة "الدعوة" بعد المقابلة بأسبوع، حيث أوردت الخبر التالي: (في الحضرة الملكية: في الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء الماضي قصد حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين إلى قصر القبة العامر، حيث تشرف بمقابلة جلالة الملك، وقد دامت المقابلة 45 دقيقة، وهذه أول مقابلة رسمية بين جلالة الملك وبين فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين، وكانت مثار تكهنات ومبعث قلق في كثير من الدوائر السياسية) [99].

وكان هذا أول رفض مهذب للتيار المعارض للزيارة.

أما مؤيدي الزيارة فقد حاولوا تخفيفها قدر الإمكان.

يقول فريد عبد الخالق: (فأما الملك فقد سعى إلى مقابلة المرشد، وتمت المقابلة، ورحب الملك به، وكان مما قاله له: إنني رجل مسلم وأحب الإسلام وأتمنى له الخير، وقد أمرت بإنشاء مساجد كذا وكذا... فلم يكرهني الإخوان؟... إن الإخوان قد أفهموا خطأ أنني الذي أمرت بحلهم واعتقالهم وباغتيال حسن البنا... هذا والله العظيم خطأ ولم أفعل شيئاً من هذا... إن الذين فعلوا هم "السعديون"... النقراشي وإبراهيم عبد الهادي، وفي اللحظة التي تمكنت فيها؛ أقلت إبراهيم عبد الهادي، وأمرت الوزارة الجديدة التي عينتها بالإفراج عن الإخوان، ولما رأى أن المرشد لا يرد على سؤاله، أعاده قائلا: ما رأيك إذن فيما قلته، وفي أنني على استعداد أن أعمل للإسلام؟! فرد عليه المرشد: إني سأعرض الأمر على الإخوان، ونسأل الله التوفيق) [100].

بل إن "مجلة الدعوة" في أعقاب ثورة 1952 أحست بحرج الإخوان من هذا التصرف، فنشرت لحسن الهضيبي الحديث التالي: (قابل مندوب الدعوة فضيلة الأستاذ المرشد العام، وطلب من فضيلته الأدلاء بحديث إلى قراء "الدعوة" فأبدى فضيلته استعداده الكريم لهذا.

فقال المندوب: ما زالت مسألة مقابلة فضيلتكم للملك السابق تثير أهتمام الرأي العام نظراً لمكانة الإخوان ومرشدهم عند الرأي العام، فنرجوا أن تحدثوا قراء الدعوة بشيء عن هذه الزيارة؟

فقال فضيلته: الواقع أنه لم يكن في هذه الزيارة شيء غير عادي، فقد ذهبت إلى الزيارة في موعدها، وعندما دخلت على الملك السابق بدأ هو بالتحية فقال: السلام عليكم... ثم بدأ الحديث وواصله واستمر فيه مدة الزيارة كلها التي استغرقت نحو 35 دقيقة، وقد بدأ بكلمات تتعلق بشخصي وما عرفه عني كقاضي... وتكلم عن الإخوان، وأنهم كدعوة إسلامية يحبها الجميع، وإنه رجل متدين بطبعه ويحب الدين، وأشار إلى أن البعض القليل من الإخوان قد انحرفوا وإنه يأمل الخير في الأكثرية، كما يأمل نسيان الماضي وبدء صفحة جديدة، فقلت: إن الإخوان المسلمين ينظرون دائماً إلى المستقبل ويأملون فيه الخير ولا ينظرون إلى الماضي إلا ليستخلصوا منه العبرة المفيدة، ثم تحدث عن صلة الملك بالشعب وأشار بيديه موضوعة احداهما فوق الأخرى فقال: الشعب ثم الملك ثم الله فوق... ومعنى هذا أن الملك أقرب للشعب من الله! وهنا تكلمت فقلت: لا... هذا تحديد موضعي فالله سبحانه في كل مكان، ولا مكان له، وهو قريب من جميع عباده... الخ، وقلت: ما يصحح الوضع... فقال الملك: أيوه... تمام ولم يناقشني، وصحيح أنه حدد لي وسيطاً يكون صلة بيننا ولكنه لم يذكر لي اسمه ولا سألت أنا عنه، وقد خرجت من هذه المقابلة إلى "المركز العام" وكان بالظاهر فألقيت تصريحاً موجزاً في محاضرة الثلاثاء عن هذه المقابلة، ثم انصرفت إلى منزلي فوجدت هذا الوسيط في انتظاري هناك ولبثنا بعض الوقت وتحدثنا فعرفت منه أنه مكلف بوضع نفسه تحت تصرفي حتى إذا كان عندي ما أبلغه للملك قام بذلك، ولكني من ناحيتي لم استرح إلى هذا الشخص، ولم أدري لماذا، ولم أكلفه بأي شيء، وكان مما قاله لي الملك أيضاً إن الإنكليز خارجون من البلد حتماً ولكن الخوف من الشيوعية، وهي لا تتفق مع الدين، فقلت معقباً: هذا حق... ولكن يجب أن يطبق الدين بحذافيره ونرعى حق الفقير فوافق على ذلك، ومما يذكر أن هذا الحديث لم يدون في وقته، وهذا ما أذكره منه... ولكن المؤكد أن الملك السابق لم يذكر "الوفد" ولا أي حزب سياسي، ولم يذكر القنال ومقاومة الإنكليز ولا حركة التحرير، ولا أشار أقل إشارة إلى أن يلزم الإخوان سياسة معينة، ولا ذكر شيئاً مما تداوله الناس وقت ذاك وذهبت الظنون فيه كل مذهب) [101].

وقد أثبتنا هذا الحديث بكامل نصه؛ لنؤكد أن الهضيبي أقر على اتفاقه مع الملك على شيئين:

1) أن هناك قلة منحرفة في الإخوان، وأنه لا يوافق على ما وقع منها، وأنه يريد أن يفتح مع الملك صفحة جديدة.

2) أنه متفق مع الملك على محاربة العدو الأهم - والذي منه الخوف - وهو الشيوعية، أما الإنكليز فهم خارجون حتماً.

أما عمر التلمساني فكان واضحاً كعادته، فقال عندما سُئل: (هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على علاقة الإخوان بالملك فاروق؟).

التلمساني: (كل الذي أعرفه ويعرفه الناس؛ أن المرشد العام طلب لمقابلة الملك فاروق، وخرج يقول؛ مقابلة كريمة لملك كريم، ورجال الثورة أخذوا عليه هذا، وفعل مثل هذا يعطي فكرة عن قيادة الإخوان وعن أساليبهم في التعامل مع الحكام، نحن لا نريد أن نصطدم بأحد) [102].

ويحاول عمر التلمساني شيئاً من الدفاع عن هذه الحادثة، ولكنه لا أظنه احترم ذكاء قراءه بهذا الهزل، حيث يقول: (وكان من المتوقع أن يطلب الأستاذ الهضيبي مقابلة فاروق للمشاركة في انقاذ الوطن مما كان ينحدر إليه في جميع نواحيه، ولكنه رفض خشية أن يقال عنه إنه يسعى لمقابلة فاروق، ولأنه كان يرى أن وضعه كمرشد للإخوان المسلمين فوق ذلك بمراحل شاسعة، وهو أحرص ما يكون على هذه الكرامة التي متعه الله بها في مراحل حياته، وأخيراً استدعاه وهو لا يملك إلاّ أن يستجيب، فذهب وخرج من تلك المقابلة وهو يصفها بأنها: "مقابلة كريمة لملك كريم").

ثم يسهب في أنها مقابلة كريمة لأن الملك احترمه فيها، ثم يقول: (أما وقد كان موقف الملك على هذه الصورة معه فليس من المنطق أو اللياقة أن يصفه بأنه ملك لئيم أو ما أشبه ذلك) [103].

أما الرافضون لهذه الزيارة من قيادات الإخوان؛ فلم يصرّحوا بما في قلوبهم إلاّ عندما انفجر الخلاف بينهم وبين المرشد - بعد انقلاب يوليو/1952 -

فيقول أمين إسماعيل في "مجلة الدعوة": (اغتيال جديد: وكان المرشد العام قد قيد اسمه في سجل التشريفات بمناسبة إعلان انتخابه رسمياً)، (وتلقف رجال السراي أداء المرشد لهذا التقليد الشكلي فصوروه أنه ووصفوه بأنه؛ يعني تبديلا في سياسة إعلان الولاء للجالس على العرش! ووصفوه بأنه؛ يعني تبديلا في سياسة الإخوان تجاه السراي والملك، وفي عجلة غير مألوفة، اتصلت السراي عصر أحد أيام الثلاثاء بالمرشد العام؛ تدعوه للتشرف بمقابلة الملك بعد ساعة من الزمن، فعطل ظرف الاستدعاء كل تفكير إلا التفكير في الاستدعاء لمراسيم المقابلة ذاتها).

(الرعب القاتل: جماعة الإخوان المسلمين وهذا هو كشف حسابها وتلك هي صحيفة اتهامها، تصافح يد فاروق يد ممثلهم ورمزهم؟! يا له من نصر سياسي؟!

ومن جهة أخرى فإن تحالف الإخوان مع الملك المكروه يفقدهم محبة الشعب ويحول دون اتجاه الناس إليهم، وتمت المقابلة وكانت بين اثنين لا ثالث لهما إلا الله، واستغرقت وقتاً طويلا وبالطبع لم يدر الحديث خلال هذه المدة الطويلة فقط حوّل الجو والتهنئة والسؤال عن الصحة التي هي غاية القصد والمراد من رب العباد... لا شك أنه دار حديث وأي حديث.

لا بد أنه تناول الإخوان، وتناول أهداف الإخوان، وتناول وسائل الإخوان! ولا بد من ذكر للماضي ومآسيه، ولا بد من أمل في نسيانه أو تناسيه!

ولا بد من رجاء بفتح صفحة بيضاء ترصد فيها الحسنات ولا مكان فيها للذنوب والسيئات! ومما ليس منه بد أن يفهم الإخوان أن الحاكم أقرب إليهم من الله، سبحانه وتعالى عمّا يأفكون) [104].

ويقول أيضاً في العدد الذي يليه: (ظروف المقابلة الملكية: كان لمقابلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين لفاروق؛ دويّ شديد في ميدان السياسة المصرية والعالمية، فقد جاءت في يوم 20/نوفمبر/1951، أي بعد أن بدأت حكومة "الوفد" والسراي في التراجع عن الموقف الذي أخذ يتطور في القناة بتأييد الشعب عملياً للقوة الرسمية) - يقصد المعركة بين قوات بلوكات النظام والإنكليز -

ويقول: (ومن البديهي أن المرشد العام للإخوان المسلمين يمثل التكتلات الشعبية الواعية العاملة).

ويقول أيضاً: (وكذلك فإن الصحف اليومية والدورية كانت تتساءل كل صباح عن دور الإخوان في المعركة، وكانت الصحافة بهذا صدى لما يدور في الرأي العام، وكان الرأي العام - كله داخلي وخارجي - يعتقد أن كسب القضية متوقف على اشتراك الإخوان إشتراكاً كاملاً في المعركة).

ويقول أيضاً: (فلماذا إذن لا يحاول فاروق أن يسيطر على الإخوان ويملي عليهم سياسة، كما حاول الأحزاب وكما حاول الإنكليز من قبل؟!

وطارت في الجو إشاعات وإشاعات واستند الناس فيما يقولون على صلات وصلات... قالوا: إن علاقة المصاهرة بين الأستاذ الهضيبي وبين الأستاذ محمد سالم ناظر الخاصة الملكية لها شأن... وقالوا: إن علاقة النسب بين الأستاذ الهضيبي والأستاذ عمر حسن رئيس القسم المخصوص الإنكليزي لها شأن وأي شأن... وقالوا: إن علاقة الأستاذ الهضيبي بالأستاذ مصطفى مرعي لها هي الأخرى شأن وشأن، وقالوا: قبل ذلك وبعد ذلك إن عدم المام الأستاذ الهضيبي الماماً كافياً بأسلوب الإخوان وتنظيمات الإخوان وتشكيلات الإخوان وأعمال رجالات الإخوان؛ هي السبب الذي جعله ينتحي أسلوباً حزبياً لهذه المقابلة الملكية) [105].

وقال أيضاً في العدد الذي يليه: (قلت في العدد الماضي؛ أن مقابلة الأستاذ الهضيبي للملك البغيض المخلوع في 20/نوفمبر/1951، قد أحدثت أثراً سيئاً في صفوف الإخوان المسلمين في مصر وفي غير مصر، كما أحدثت نفس الأثر في التكتلات الشعبية التي كانت تنظر إلى الإخوان نظرة الغريق إلى من ينتشله، والتي كانت تنتظر الإمجاد التي لا بد أن يسجلها الإخوان في معركة القناة... فلقد كانت المقابلة في وقت بدأت فيه الحكومة والسراي والاقطاع؛ تلوي وجهها عما يحدث في القناة، وتدبر كيف تخلص من المأزق الذي وضعتها فيه تصرفات غير مدروسة ما كانوا يظنون أن الشعب سيتلقفها سريعاً ويمضي فيها بجد وبحق مهماً كلفه الأمر، ومهماً كان البون شاسعاً بين امكانياته الساذجة وبين إمكانيات جيش الاحتلال...

وقلت أيضاً؛ أن علاقات النسب بين بعض كبار رجال السراي والأستاذ الهضيبي من ناحية وبينه وبين رئيس القسم المخصوص الذي كان يعمل بوحي الإنكليز من ناحية أخرى، قد أضفت على الموقف الكثير من علاقات الاستفهام وعلامات التعجب...) [106].

وتقول د. لطيفة محمد سالم: (وكانت الخطوة المثيرة، تلك الزيارة التي قام بها الهضيبي للملك بقصر القبة في مساء 20/نوفمبر/1951 واستمرت ساعة إلا ربع، وأثارت التكهنات وبعثت القلق في الدوائر السياسية [107]، وخرج المرشد العام منها ولم يفض بشيء عما تم في هذه المقابلة الرسمية سوى قوله: "زيارة كريمة لملك كريم" [108]، لكنه روى فيما بعد؛ فذكر أنه في نفس ذلك اليوم اتصل به عبد اللطيف طلعت - كبير الأمناء - وأخبره أن الملك يريد مقابلته، وحدد له السادسة مساء، وطلب منه ألا يخبر أحداً، وجرى اللقاء، وأشاد فيه فاروق بضيفه من حيث نزاهته وعقليته، وأمل أن تكون رئاسته خيراً، وتكلم عن الدعوة وكيف انحرف البعض من الإخوان، وأبدى رغبته في نسيان لماضي، وعرج على ما يجب أن تقوم به الحكومة لخدمة الشعب، ثم تحول إلى الغرض الرئيسي موضحا: "إن الإنكليز سيخرجون من بلادنا حتماً، ولكن الذي يجب علينا أن نقاومه هو الشيوعية لأنها تتنافى مع الدين"، فأجابه الهضيبي: "نعم الشيوعية تتنافى مع الدين بشرط أن يطبق بحذافيره ونراعي حق الفقير في ثروات الأغنياء"، فوافق فاروق وطلب من مضيفه تبليغ إخوانه تحياته [109].

واعترف المرشد العام بأن الملك حدد له وسيطاً، وكان مكلفاً بخدمته وتنفيذ البرنامج الملكي، ومما يذكر أن فاروقاً لم يشر بأن يلتزم الإخوان سياسة معينة، لكنه عرف فيما بعد أنه اتفق على إحالة الجماعة إلى جمعية خيرية في مدى عشر سنوات على الأكثر، وطلب أن يتجنب الإخوان خوض الانتخابات في أي صورة من الصور، حيث أن الإشتراك في الانتخابات ممارسة للسياسة [110].

ومما تجدر الإشارة إليه؛ أنه في مساء يوم المقابلة وعقب عودة المرشد العام إلى منزله وجد الوسيط ينتظره، ودار بينهما حديث عرف منه الهضيبي المهام الموكولة لهذا الوسيط [111].

وينقل السفير البريطاني لحكومته ملخص المقابلة، وبين أنها ارتكزت على الحوار حول الشيوعية كعدو رئيسي، ويسجل أن المرشد العام؛ أكد أنه ليس لدي الإخوان النية في حمل السلاح، وأنهم يساندون تطهير الإدارة، ويشير إلى أن اللقاء اتسم بالود، ويعلق على أن الهضيبي أصبح مقرباً من الملك، وتبعث لندن لسفيرها تبلغه بما يتردد على ألسنة البعض في السفارة المصرية حول قرار فاروق بشأن ضم الإخوان إلى جانبه، وأن ذلك يرجع إلى الرغبة في تكوين جبهة قوية ضد "الوفد" [112].

ومثل ذلك الواقع؛ ففي تلك الفترة كان الملك يعد الأمر وينتظر اللحظة التي يعمل فيها ضد "النحاس"، وهذا ما صرح به حافظ عفيفي لعميد الجالية البريطانية في مصر، حيث أوضح أن الاستقبال الملكي للمرشد العام نوع من التخطيط لذلك [113].

كما أن فاروقاً كان على دراية تامة بالوضع المتدهور الذي وصل إليه وفقدانه للشعبية نهائياً، ومن ثم أراد احتواء الجماعة، علّها تعطيه جزءاً مما انتزع منه، لما لها من تأييد شعبي ودور وطني، وحتى لا تتحول إلى جبهة المعارضة وتتخذ موقفاً مضاداً له.

أما من ناحية الإخوان؛ فقد خرج الهضيبي من المقابلة، فتوجه إلى "المركز العام"، حيث اجتمع "مكتب الإرشاد"، وألقى تصريحاً موجزاً عنها، وعرض الاتجاهات الخاصة بالإخوان - وخاصة ما يتعلق بالشيوعية - واشترك باقي الأعضاء في المناقشات التي كان لها طابع الحدة [114]، ومما يدل على الاختلافات التي سرت بينهم، ولكن الهضيبي بحكم السلطة المخولة له؛ أجرى بعض التعديلات في الجهاز السري، حيث أبعد صالح عشماوي ومن على شاكلته، نظرا لتضارب وجهات النظر، ومن بينها الشكل الجديد للعلاقة مع الملك [115].

واستعاد الإخوان مكانتهم وعادت لهم ممتلكاتهم وأموالهم التي كان محجوزاً عليها، وقد أصبح ذلك ضرورة شرعية بعد حكم مجلس الدولة.

ويستعرض السفير البريطاني للندن تحليلات هذا الإجراء، فيذكر أنه ترجم على أساس أنه محاولة من الحكومة لكسب الإخوان، وأن البعض يعزوه إلى أنه ثمرة التقارب بين الإخوان والقصر [116].

والقول الأخير هو الأقرب للصحة.

ومضى المرشد العام في تحركاته وقام بزيارات إلى الأقاليم، خطب فيها وركز على تطهير الأمة [117]، كما صرح بإقصاء أعمال العنف، وفي ذلك ما يُرضي فاروق، ونفي ما أشيع من أن الجماعة طلبت من الحكومة تدريب 16 ألف شخص، وبين أن الكفاح العملي قد يأخذ صوراً مختلفة غير مقاطعة الإنكليز [118]، ومثل هذه التصريحات جعلت "ستيفنسون" يصف تصرفاته بالرزانة [119]) [120].




[99] الدعوة، عدد: 41، الثلاثاء، 27/صفر/1371، 27/11/1951، ص: 7.

[100] فريد عبد الخالق: المرجع المذكور، ص: 69.

[101] الدعوة العدد: 82، 19 ذي الحجة 1371 هـ، 9/9/1952، ص: 5.

[102] المصور العدد: 2989، 27/ربيع الأول/1402، 22/1/82.

[103] عمر التلمساني: ذكريات لا مذكرات، دار الطباعة والنشر الإسلامية، القاهرة ص: 108.

[104] الدعوة، العدد: 150، 22/ربيع الآخر/1373، 29/12/1953، ص: 6.

[105] الدعوة: العدد: 151، 29/ربيع الآخر/1373، 5/1/1954، ص: 13.

[106] الدعوة: العدد: 152، 7/جمادي الأولى/1373، 12/1/1954، ص: 14.

[107] الدعوة: العدد41، 27/نوفمبر/1951، ص: 7، المصري، عدد: 5021، في 21/نوفمبر/1951، ص: 2، الشعب الجديد، عدد: 31، في 22/نوفمبر/1951، ص: 7.

[108] الجمهورية، عدد: 271، في 8/سبتمبر/1954، ص: 5.

[109] الدعوة، عدد: 82، في 9/سبتمبر/1952، ص: 5، روز اليوسف، عدد: 1266، في 15/سبتمبر/1952، ص: 16.

[110] الجمهور المصري، عدد: 88، في 8/سبتمبر/1952، ص: 5.

[111] الدعوة، عدد: 82، في 9/سبتمبر/1952، ص: 5.

[112] F.O.OP. Cit, 96870, JE 1018 - 1, Stevenson - F.O, Cairo, Jan, 1 st, 1952, F.O - Cairo, Jan 15, 1952, F.O.OP Cit, 90109, JE 1013 - 41, Stevenson - F.O. Cairo, Dec. 4, 1951, No: 135.

[113] F.O. 141, 10121 - 24 - 51 G, Memorandum from Cecil Campbell Oct.22,1952.

[114] روز اليوسف، عدد: 1224، في 27/نوفمبر/1951، ص: 4، الدعوة، عدد: 82، في 9/ سبتمبر/1952، ص: 5.

[115] الجمهورية، عدد: 271، في 8/سبتمبر/1954، ص: 5، طارق البشري: المرجع المذكور، ص: 372.

[116] F.O. 371 - 90109, JE 1013 - 42, Stevenson - F.O, Cairo, Dec. 21, 1951, No: 141.

[117] الدعوة، عدد: 44، في 18 ديسمبر 1951، ص،3عدد 46، في أول يناير/1952، ص: 3.

[118] طارق البشري: المرجع المذكور، ص: 375.

[119] F.O.OP.Cit ليس معنى ذلك بالطبع أن الإنكليز كانوا راضين عن الإخوان، فقد أدخلوا الجزء المتطرف منهم تحت الاتهام في حريق القاهرة.

[120] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 716، 717، 718، 719.
---------

(13) تهنئة الهضيبي لحافظ عفيفي - عميل الإنكليز - ، وما أحدثه من أزمة في صفوف الإخوان، وغضب الهضيبي لذلك

في نهاية عام 1951 عين الملك حافظ عفيفي - المعروف بولائه للإنكليز - رئيساً للديوان الملكي، فذهب إليه الهضيبي ليهنئه.

وسوف نترك الإخوان يقصون علينا هذه القصة:

يقول صالح عشماوي في "مجلة الدعوة": (ففي يوم أول يناير سنة/1952 ظهرت "الدعوة"، وفي صدرها مقال بقلم كاتب هذه السطور، تحت عنوان؛ "لا مفاوضة ولا معاهدة"، جاء فيه؛ "كان تعيين حافظ عفيفي باشا رئيسا للديوان الملكي بمثابة قنبلة في الميدان السياسي، ففي الوقت الذي كفر فيه الزعماء والوزراء بأسلوب المفاوضات، وفي الوقت الذي التقت فيه الحكومة مع الشعب - لأول مرة - على طريق الكفاح والجهاد، وفي الوقت الذي يستحث فيه الشعب الحكومة لتسرع الخطي في هذه السبيل الوحيدة الموصلة لانتزاع الحرية المغصوبة والحقوق المسلوبة... في هذا الوقت يعين في هذا المنصب الخطير حافظ عفيفي – باشا - صاحب التصريح المشهور الذي؛ امتدح فيه معاهدة 1936، وأشاد فيه بالدفاع المشترك، وحبذ الاتفاق، لا مع انكلترا فحسب، بل ومع أمريكا أيضا!"، ثم مضينا نقول: "ولاعجب إذا فهم الشعب من هذه الملابسات والقرائن آن هناك اتجاها إلى العودة إلى المفاوضات والوصول إلى اتفاق سريع مع بريطانيا، وكان رد الفعل - السريع أيضا - مظاهرات قامت في الجامعات في القاهرة والاسكندرية أدت إلى غلقها، ثم انتقلت الحركة إلى المدارس الثانوية والصناعية، وانتشرت المظاهرات فشملت الأقاليم جميعا، وشاركت مدارس البنات ومدارس البنين"، ثم علقنا على هذه المظاهرات التي هتف فيها بسقوط الملك الفاجر – فاروق - فقلنا: "وتدل هذه الظاهرة على احساس مرهف ووعي ناضج، للشعب عامة والطليعة المثقفة خاصة").

ثم يقول صالح عشماوي في نفس المقال: (ولكن هذا الموقف كان أكبر من أن يتحمله، أو يتحمل مسئوليته بعض الرؤساء، فصدرت "الدعوة"، وفي صدرها بيان يعلن للناس إن مجلة "الدعوة" لاتنطق إلا باسم صاحبها ولا تعبر إلا عن رأي محررها! وكان هذا البيان بمثابة اشارة الهجوم للبوليس السياسي ولرجال القصر، فقد توالت المصادرات المتتابعة لأعداد "الدعوة"، والتحقيق معي بوصفي رئيس التحرير) [121].

ونحن ننقل هنا نص البيان لأهميته (بيان؛ جاءنا البيان التالي: يكرر "المركز العام" للإخوان المسلمين أن مجلة "الدعوة" لا تصدر عنه ولا تنطق بلسانه ولا تمثل سياسته، وأنها صحيفة شخصية تعبر عن أراء صاحبها، ولا تتقيد دعوة الإخوان المسلمين بما ينشر فيها.


عبد الحكيم عابدين
السكرتير العام) [122].


ويقول أحمد جلال باستخدام التلميح: (وفي عهد فاروق كان للإخوان المسلمين مجلة، وكان الإخوان المسلمون يكتبون فيها عن المآسي والمهازل التي تمت في هذا العهد المظلم، وطالما بينوا رأيهم فيما كان يحدث في عهد الإرهاب، وقد تحمل هؤلاء الإخوان التهديد والمصادرة من رجال العهد البائد، بل إنهم قد تحملوا بعض الأذي من بعض "الإخوان المسلمين"، وهم ولله الحمد قليلو العدد.

وظلت "مجلة الإخوان" تكتب عن عهد الإرهاب، وعهد فاروق وتبين للناس إن هذا العهد زائل لامحالة، وإن كل الجهود التي تبذل ان هي إلا محاولة يائسة لزخرفة انقاض هذا العهد أو محاولة فاشلة لانقاذ ما لا يمكن انقاذه وتعرض الكتاب في هذا لبلاء لم يعلم به إلا الله وحده، وتعرضت المجلة لقرار يصدر من "مكتب الإرشاد" بأنها لا تمثل الإخوان المسلمين ولحرب شعواء بين صفوف الإخوان أنفسهم، ما زالت مستمرة للآن) [123].

أما محمد الغزالي فيقول - بعد أن سرد موقف الهضيبي من كتائب الإخوان الفدائية في القناة، وهو ما سنعرضه تفصيلا فيما بعد - يقول: (فلما تولى حافظ عفيفي باشا رياسة الديوان الملكي يومئذ، وعرف القاصي والداني ان الملك فاروقا جاء به للاجهاز على حركات المجاهدين واعادة الروابط المتقطعة مع انكلترا، وإقامة حكم يسالم الانكليز ويطعن الفدائيين من الخلف، سارع الاستاذ حسن الهضيبي إلى تهنئة الرجل بمنصبه مراغما بهذا المسلك شعور الأمة الغضبي والإخوان المشدوهين، وغلبني السخط على ذلك العمل الشاذ، ورأيت إنقاذا لكرامة الإسلام ودعوته؛ إن أصور الموقف الذي يجب أن يقفه الإخوان المسلمون، فنحن لا نتبع ملكا خائنا، ولا نؤيد سياسة غادرة، ومن ثم نشرت بـ "جريدة المصري" في 31/12/1951، كلمة تحت عنوان؛ "لن تبلغ أمة أهدافها إلا إذا نظفت جبهتها الداخلية").

ثم يستطرد بعد أن ذكر كلمته: (ماذا في تلك الكلمة يغضب المرشد العام؟! لقد اعتبرني يوم صدورها خارجا على الجماعة) [124].

وتلخص د. لطيفة محمد سالم هذه الحادثة فتقول: (وتفاقمت الخلافات بين أعضاء "مكتب الإرشاد" والهضيبي، بعد أن استتب الوضع للجماعة، ولكنه نظرا للصلاحيات التي يخلعها النظام على المرشد العام، أمكنه توجيه سياستها وفقا لمشيئته، ومع نهاية عام 1951 حدث تصدع ظهرت صورته بوضوح عندما ذهب الهضيبي إلى حافظ عفيفي عقب يومين من تعيينه رئيسا للديوان ليهنئه بالمنصب الجديد، رغم أن القاصي والداني علم أن فاروقا جاء به للإجهاز على الحركة الوطنية ومسالمة الانكليز، وردا على هذا التصرف كتب محمد الغزالي - أحد أعضاء "مكتب الإرشاد" - مقالا في صحيفة المصري بعنوان؛ "لن تبلغ أمة هدفها إلا إذا نظفت جبهتها الداخلية"، تكلم فيه عن الإسلام ومناداته بالاشتراكية الإسلامية، ورفض الإخوان الارتباط بأية كتلة معتدية، وأنه لا يجوز بقاء أي جندي انكليزي في العالم الإسلامي، ثم يبين أن الإخوان أدوا واجبهم في معركة القناة، وأن للأمة أن تعتمد على رجولتهم دائما، وغضب المرشد العام من المقال واعتبر الغزالي خارجا عن الجماعة.

وعندما هاجمت "مجلة الدعوة" تعيين رئيس الديوان، أصدر عبد الحكيم عابدين - السكرتير العام للجماعة - بيانا قال فيه؛ إن المجلة لا تصدر عن "المركز العام" للإخوان ولا تنطق بلسانه) [125].

ويجب ألا نمر مروراً سريعا عندما يرد اسم محمد الغزالي، فهذا الذي حمل راية المعارضة ضد الهضيبي عام 1951 بدعوى تأييد الجهاد، ما لبث أن تحول إلى بوق من أبواق الدعاية للطواغيت، يستخدمونه للصد عن سبيل الله بتخذيل المجاهدين وتثبيط همم الشباب المسلم المجاهد، ومن هذا مشاركته في البيان الخبيث الذي أصدرته الحكومة المصرية في 1/1/1989 على لسان حشد من علماء السوء وأئمة الضلال - منهم محمد الغزالي - ومما جاء في هذا البيان:

(إن الإصلاح الذي ينشده الإسلام للمجتمع في شئونه كلها، يعتمد - أول ما يعتمد - على الإقناع والتربية والحوار العاقل، ويرفض رفضا حاسما اللجوء إلى العنف أو الإكراه أو استباحة حقوق الآخرين باسم الدين، وقد وضعت الشريعة الغراء طرقا واضحة لتغيير العوج والإنحراف، ليس منها الاتهام بالكفر أو الطفرة في بلوغ الهدف، وذلك ما عنته الآية الكريمة في قوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن}، ولقد تعددت الأحاديث النبوية الشريفة التي تنهي عن تكفير المسلم، ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه"، وأخرج البخاري ومسلم أيضا عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه أي رجع عليه"، ونحن نعتقد في إيمان المسئولين بمصر بأنهم لا يردون على الله حكما ولا ينكرون للإسلام مبدأ، وإنهم يعملون على أن تبلغ الدعوة الإسلامية مداها، تحقيقا وتطبيقا...)، إلى آخر بيان الضلال الذي وقعه؛ الشيخ محمد متولي الشعراوي، الشيخ محمد الغزالي، د. يوسف القرضاوي، الشيخ عبد الله المشد، الشيخ محمد زكي إبراهيم، د. عبد المنعم النمر، محمد الطيب النجار، الشيخ عطيه صقر.

ولم يستح الذين أصدروا البيان من أن يقولوا: "إنهم ليسوا من علماء السلطة ولا من رجال الشرطة" [126]، رغم قول وزير الأوقاف محجوب إنه هو الذي اختارهم.

وفي "جريدة الأهرام" [127] في حوار مع الغزالي، سُئل؛ (يقال؛ إن وزير الأوقاف كان وراء البيان الذي أعلنه فضيلة الشيخ الشعراوي؟)، فأجاب الغزالي: (افرض أن وزير الأوقاف تفاهم معنا وقال؛ أريد أن أعرف موقف العقلاء من حملة الدعوة الإسلامية في مسالك بعض الذين يرتكبون أخطاء في أسلوب الدعوة أو في فهمها، فهل يكون الوزير مخطئا عندما يسألنا في شيء من رسالتنا) انتهى.

وهذا نموذج من إفرازات جماعة الإخوان، إذ شارك قطبان من أقطابها في إصدار بيان الضلال؛ محمد الغزالي ويوسف القرضاوي.

قال تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا}.





[121] الدعوة: العدد: 155، 28/جمادي الأولى/1373، 2/2/1954، ص: 4، ص: 13.

[122] الدعوة: العدد: 47، 10/ربيع الثاني/1371، 8/1/1952، ص: 1.

[123] الدعوة: العدد: 151، 29/ربيع الثاني/1371، 5/1/1954، ص: 3.

[124] الدعوة: العدد: 152، 7/جمادي الأولى/1373، 12/1/1954، ص: 3.

[125] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 719، جريدة الشعب الجديد، عدد: 36، في 27/12/1951، ص: 3، راجع أيضا طارق البشري: المرجع المذكور، ص: 374.

[126] الأخبار 2/1/1989.

[127] 19/1/1989، ص: 11.
----------






Monday, January 7, 2013


- من رائعة محمود درويش - مديح الظل العالي




أشـــلاؤنا أسماؤنا

حاصـر حصـارك بالجنون ِ …. وبالجنون ِ ….. وبالجنون ْ

ذهب الذين تحبهم ذهبوا

فإما أن تكون أو لا تكون

ســــقط القناع عن القناع عن القناع
ســـقط القنـاع


ولا أحد ْ

إلاك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيان

فاجعل كل ّ متراس ٍ بلد

لا ……… لا أحـــد ْ

سقط القناع :

عرب ٌ أطاعوا رومهم

عربٌ وباعوا روحهم

عرب ٌ…. وضاعوا


كـُن أنت َ. كـن حتى يكـــون !

لا ……… لا أحـــد ْ


 وطني حقيبه

وحقيبتي وطن الغجر

شعب ٌ يخيـّم ُ في الأغاني والدخان

شعبٌ يفتش ُعن مكان

بين الشظايا والمطر

وجهي على الزهرة

الزهرة / الجمرة

وطني حقيبه

في الليل أفرشها سريرا ً

وأنام فيها

أخدع الفتيات فيها

أدفن الأحباب فيها

أرتضيها لي مصيرا ً

وأموت فيها

كفـِّي على النجمة

النجمة / الخيمه

وطني حقيبه

من جلد أحبابي

وأندلس القريبة

وطني على كتفي

بقايا الأرض في جسد العروبة