سعت صحف الإخوان إلى المطالبة بإقامة الخلافة وتولية فاروق لها واغراءه بذلك.
فتحت عنوان؛ "الخلافة جامعة المسلمين موحدة لجهودهم"، نادت بالخلافة
لفاروق، في محاولة استغلال ما بدا من ميل لديه للدين لصالح دعوتهم [70].
وحين انتقدت مجلة "الإخوان المسلمون" المفاسد التي جرت في حفل زفاف الملك،
وجهت اللوم للشيخ المراغي! لأنه لا يحض الملك والحكومة على التزام الإسلام،
وكتبت هذا المعنى في مقالات تحت عناوين؛ "هدية الإخوان المسلمين إلى عرش
مصر"، (إلى الأستاذ الأكبر؛ أهكذا تكون إمارة المؤمنين؟).
كما أكدت مجلة "القلم الصريح" هذا المعنى، تحت عنوان؛ "الخلافة الإسلامية"،
وأشارت فيه إلى أن المطالبة بالخلافة تقضي على المفاسد، وبخاصة البغاء
والخمور [71].
ولقد قرر الدكتور زكريا سليمان بيومي - المتعاطف مع الإخوان المسلمين، كما
يصف نفسه في مقدمة بحثه عن الإخوان المسلمين، وأن نظرته منبثقة من داخل
الحركات الإسلامية [72] - هذا الأمر حيث يقول: (إن الجماعات الإسلامية -
ممثلة في جماعتي الإخوان وشباب محمد - قد هادنت القصر، بل مالأته أحياناً،
ونادت له بالخلافة رغم معاداة سلوكه - في الغالب - للحركة الوطنية والشريعة
الإسلامية، مما اعتبر جنوحاً من هذه الجماعات إلى طريق معاداة الحركة
الوطنية، فضلاً عن إسهامها في الإساءة إلى منصب الخلافة نفسه) [73].
وكما رأى القارئ مما سبق، وكما سيرى - إن شاء الله - مما يلي؛ كيف أفرط
البنا والإخوان في مدح الملك والثناء عليه ووصفه بالإسلام والتقوى، وهو ملك
مرتد كافر فاجر، يحكم البلاد بموجب دستور علماني وقانون وضعي.
إن هذا المسلك الإخواني يطمس التوحيد والإيمان، ويميع عقيدة الموالاة
والمعاداة، ويُعَمِّي على المسلمين أعداءهم، بخلاف ما أمر الله تعالى به من
وجوب معرفة المجرمين وسُبُلهم، قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين
سبيل المجرمين}، فالله يريد أن يبين لنا سبيل المجرمين، والإخوان يُعمُّون
على هذا السبيل، حتى لا يعرف المسلم صديقه من عدوه، وحتى يقع المسلم فريسة
سهلة لعدوه وهو في غفله.
ولم يكتف الإخوان بهذا التمييع العقائدي بأقوالهم ومواقفهم، بل أصَّلوا
هذه الميوعة تأصيلاً شرعياً وجعلوها من عقائدهم عندما أعلن مرشدهم الثاني
حسن الهضيبي مبدأ "دعاة لا قضاة"، وألف كتاباً ينهي فيه أتباعه عن الخوض في
مسألة الحكم الشرعي في الواقع الذي يواجهونه.
وكان عاقبة هذا الخلل الشرعي؛ أن دخلت حشود الإخوان السجون والمعتقلات مرة
تلو أخرى، ليخرج بعضهم من السجون، وكل منهم قاض يحكم على غيره بالكفر دون
ضابط ولا وازع، وكل هذه الضلالات يحمل وزرها قادة الجماعة الذين لم يبصروا
أتباعهم بحكم الواقع الذي يواجهونه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته) الحديث) [متفق عليه].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم
مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً... الحديث) [رواه مسلم].
فهل يعتبر الإخوان بهذا? وهل تعتبر بقية الجماعات الإسلامية بهذا? قال تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}.
[70] الاخوان المسلمون: 18/3/1938، زكريا سليمان بيومي: المصدر المذكور، ص: 206.
[71] الاخوان المسلمون: الاعداد 30، 31 في 21، 28/1/1938، القلم الصريح: 23/2/1939، زكريا سليمان بيومي: المصدر المذكور، ص: 209.
[72] زكريا سليمان بيومي: المصدر المذكور، ص: 3.
[73] المصدر السابق، ص: 320 - 321.
-----------
(5) التفاهم مع الملك على إزاحة النقراشي في مقابل اظهار التأييد للملك في فبراير/1946 |
يحكي
أحمد عادل كمال عن هذه الحادثة ووقتها كان طالباً في الجامعة، فيقول: (وفي
منتصف الليل تقف سيارة ملكية فاخرة في الحي الشعبي، الحلمية الجديدة، أمام
البيت المتواضع الذي يسكنه الرجل الفقير الذي يهز الدولة ويهز العرش...
حسن البنا، وطلب الرجل لمقابلة عاجلة مع رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين
باشا، وكان موقف حسن البنا حاسماً وواضحاً... لقد أساء النقراشي بالاعتداء
على أبنائنا الطلاب الذين لم يقترفوا إثماً إلاّ لمطالبة بأمانينا
القومية... إنهم لم يطلبوا إلاّ جلاء قوات الاحتلال ووحدة وادي النيل، وهي
مطالب مشروعة لا ينكرها إلا خائن... ولذلك لا بد أن يخرج النقراشي من
الوزارة ولم يخرج الرجل من سراي عابدين إلاّ ومعه وعد بذلك).
ويقول أيضا: (وفي نفس الوقت كانت اتصالات أخرى تجري معنا نحن الطلاب، اتصل
بي عمر أمين سكرتير قسم الطلاب آنذاك وكان طالباً بكلية الهندسة وطلب إلى
الحضور مندوباً عن كلية التجارة في موعد حدده بميدان عبد المنعم بـ "الدقي"
لمقابلة رئيس الديوان الملكي! وفي الموعد وجدت مندوبين من الإخوان عن سائر
الكليات.
كنت في العشرين من عمري، وكانوا نحو ذلك، وتقدمنا إلى الفيلا التي كان
يقطنها أحمد حسنين باشا فأدخلنا إلى حجرة الصالون... وعلمت أن واسطة
الاتصال بين الباشا وبيننا كان الصحافي المعروف الأستاذ مصطفى أمين، وكان
هو نفسه حاضراً، كما شهد جانباً من الاجتماع كريم ثابت المستشار الصحفي
للقصر الملكي.
وجاء الباشا وكان حريصاً كل الحرص إن يتباسط معنا في الحديث، وذكر أن
الملك شاب مثلنا وأنه يحبنا لأننا من جيله ولأنه يحس بأحاسيسنا ويشعر
بمشاعرنا، وسقط كريم ثابت فقال؛ إن الملك مثلنا يحب معاكسة الفتيات، ولم
يكن منتبهاً فيما يبدو إلى أننا إخوان مسلمون، وأراد حسنين باشا أن يتدارك
الأمر ولكن بعد فوات الأوان، واستمر يقول إنه لذلك فهو - جلالة الملك -
عاتب علينا أشد العتب لما فعله الطلاب في الجامعة، وأجبنا بأن النقراشي
أساء وضربنا، وقال هناك سلطة عليا في البلاد وهي الملك وأنه كان باستطاعتنا
أن نشكو النقراشي إلى الملك.
قلنا؛ إن النقراشي منع مظاهرة سلمية من الوصول إلى قصر عابدين وزج بإخواننا في السجون وما زال يبحث عنا للقبض علينا!
وانتهى الحديث بيننا إلى أن أصبح صفقة؛ النقراشي يخرج من الحكم ويفرج عن
المقبوض عليهم وتحفظ القضايا، ونحن نقوم بمظاهرة من الجامعة إلى قصر عابدين
تهتف بحياة الملك! حفاظا على كرامتنا في البلاد، وقد ضحى الملك بالنقراشي
وكان كل ما يهمه هيبته هو، وكان ما يهمنا هو سقوط النقراشي والإفراج عن
إخواننا) [74].
وسوف ترى يا أخي؛ أن هذا النقراشي سيأتي مرة أخرى للحكم، وسيؤيده الإخوان، ثم سيهاجمونه ويقتلونه لأنه خائن!
أما الذي أتى بعده؛ فهو إسماعيل صدقي - عميل الإنكليز والمقرب إلى كبار أثرياء اليهود - وسيؤيده الإخوان ثم يهاجمونه.
ولا تسألني كيف ولماذا؟... إنهم الإخوان... وإنه تاريخهم!
|
|
--------
(6) تدخل للملك لإعادة البنا بعد نقله والإفراج عنه بعد إعتقاله 1941م |
تدخلت السراي إلى جانب البنا لإعادته إلى القاهرة، بعد نقله إلى الصعيد بأمر من حسين سري - رئيس الوزراء - وبوحي من الإنكليز.
وكذلك تدخلت للإفراج عنه ووكيله بعد اعتقالهما سنة
|
|
-------------
(7) اتفاق حسن البنا مع الملك على محاربة الشيوعية تحت لوائه
بعث
حسن البنا إلى فاروق بعريضة في أواخر 1945: (أشار فيها إلى الأفكار القلقة
التي تهدد القواعد الأساسية للمجتمع، وأن السبيل إلى مواجهتها هو الاعتصام
بحبل الله... وهي فرصة سانحة لمصر الحديثة تحت لواء فاروق؛ أن تنهض من
جديد بعبء الرسالة الإسلامية المشرقة) [76].
[76] الإخوان المسلمون، عدد: 62، في 28/6/1954، ص: 4، لطفية محمد سالم: المرجع المذكور، ص:
-----------
(8) دعم الملك للجماعة |
ينقل
محمود الصباغ عن العدد 45 من مجلة "المسلمون"؛ البرقية التالية للسفير
البريطاني، عقب إعادة البنا بتأثير السراي من الصعيد، بعد أن نقله حسين سري
رئيس الوزراء بإيماء من الإنكليز: (إن القصر الملكي بدأ يجد في الإخوان
أداة مفيدة، وأن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديري الأقاليم المحافظين بعدم
التدخل في أنشطة الإخوان الذين يعملون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد).
وقال السفير: (لا شك أن الجماعة استفادت كثيراً من محاباة القصر لها) [77].
وتنقل د. لطيفة محمد سالم عن تقارير الخارجية البريطانية عن وضع الإخوان
أثناء وزارة حسن صبري ما يلي: (ولم يمسهم الضرر أثناء وزارة حسن صبري حيث
ساندهم القصر وواصل إمدادهم بالإعانات المالية التي بدأت منذ 1940) [78].
كما تنقل أيضاً؛ أن "لامبسون" يشكو لحكومته من الجماعة، ويبين أنها مستمرة في العمل ضد بريطانيا بتشجيع من القصر [79].
وتنقل أيضا؛ أن الملك قد أوقف المعونات المالية التي كانت تتلقاها الجماعة
من القصر، ولم يعد هناك تفاهم محدد بين الطرفين، بعد اتفاق حسن البنا
والنحاس؛ على تنازل البنا عن ترشيح نفسه في مقابل بعض التنازلات من الحكومة
[80].
وتذكر أيضاً؛ أنه بسقوط الوزارة "الوفدية" تغير الوضع، ولم يعد هناك تنازع
بين الملك وحكومته، وكان على الإخوان الإنعطاف كلية بجانب القصر وإسقاط
الفجوة القائمة والحصول على المساندة الملكية، وهذا ما سعوا إليه [81].
وتنقل أيضا؛ إن الملك ذكر للسفير البريطاني أنه على صلة وثيقة بهم، ويشير
إلى انتشارهم، لكنه يطمئنه بأنهم لا يتدخلون في السياسة [82].
وتذكر أيضاً نقلاً عن مذكرة "والتر سمارت" - المستشار الشرقي للسفارة
البريطانية - حول لقائه مع حسن رفعت - وكيل وزارة الداخلية في حكومة
النقراشي - الذي أخبره أنه ليس هناك ضرر من أن يعطي فاروق لهم بعض التشجيع،
لأنهم أحسن أداه لمحاربة الشيوعية، كما صرح حسن رفعت؛ بأن حسن البنا قد
تلقى أموألاً من الاّيطاليين وألاّلمان والقصر و "الوفد" لتوسيع تنظيمه
[83].
وتذكر د. لطيفة أيضاً؛ أن الملك ساند الإخوان كوسيلة لمحاربة "الوفد" في
وزارة النقراشي الأولى، ولذلك لم يكن غريباً أن يسمح النقراشي للإخوان في
سبتمبر/1945 بعقد المؤتمر العام لنواب الأقاليم، في الوقت الذي منع فيه كل
المؤتمرات والاجتماعات، وترتب على ذلك أنهم حصلوا على حرية التجوال
والتنقل، وهذا ما كانوا يسعون إليه [84].
وتذكر د. لطيفة أيضاً؛ أن وزارة إسماعيل صدقي مثلت قمة الارتباط بين فاروق
والإخوان، ويستاء القائم بالأعمال البريطاني لذلك، وأنه مع حكومته أصبحا
مرتكزان على الإخوان المسلمين الذين زادت قوتهم إلى درجة كبيرة، وبالفعل
فقد قدمت الجماعة خدماتها في مشاركتها في الحملة على الشيوعيين.
وانعكس الرضا الملكي على الجماعة، فدعى حسن البنا إلى إحدى ولائم قصر
عابدين، وجاء في الدعوة؛ أن الحضور بـ "الردنجوت"، فاعتذر لأنه لا يملك
المال الذي يشتريه به [85].
وتنقل د. لطيفة أيضاً عن القائم بالأعمال البريطاني في نهاية سبتمبر/1948؛
أن القصر في بعض الظروف يقدم على تأييد الإخوان لأنهم التنظيم "الديمابوجي"
الوحيد ذو القوة الكافية التي تمكن فاروقاً من الحصول على التأييد الشعبي
وإحكام الموازنة في حالة عودة "الوفد" للحكم [86].
[77] محمود الصباغ: المرجع المذكور، ص: 467 - 468.
[78] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 699، 700 F.O.921.199,34 - 44 - 10,P.I.C.Paper No 49 , IKhwan El Maslimeen,1944.
[79] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 700. F.O.OP. Cit, 31569, J
1111 -39 - 16, Lampson - Eden, Cairo, Feb- 12, 1942, No: 156.
[80] F.O.921OP.CIT. د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 701.
[81] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 702 F.O. 371) 35540, J 4752) 2- 16, P.I.C.M.E -War Office, Nov.12 - 1943, No: 5340.
[82] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 702 F.O. 954 - 5 , Part 4 ,
Eg - 44 - 67, Killearn - Eden, Cairo, Nov. 16, 1944, No: 232.
[83] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 703 F.O. 371 - 45928, J 3955
– 3 - 16, Bowker - F.O. Cairo, Nov. 9, 1945, Minute By Smart on the
Role of Ikhwan Muslimeen
[84] كمال الدين رفعت: مذكرات حرب التحرير الوطنية بين إلغاء معاهدة 1936
وإلغاء اتفاقية 1954، ص: 34، لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 704.
[85] د. لطيفة محمد سالم المرجع المذكور، ص: 705، الدعوة، عدد: 151 في 5/يناير/1954 ص13.
F.O.OP. Cit, 53289, J 1330 - 39 - 16, Bowker - Bevin, Cairo, March 15, 1946, No: 380.
[86] F.O.Op. Cit, 69277, J 6564 – 68 - 16, Andrews - Scott, Cairo, Oct. Ist,1948. د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 707 -
|
|
-------
(9) استشارة الملك للبنا في تعيين إسماعيل صدقي رئيساً للوزارة
ولن
نسهب هنا في تفاصيل علاقة إسماعيل صدقي بالإخوان، فسنفرد لها موضعاً
خاصاً، ولكننا هنا نتناول واقعة استشارة الملك لحسن البنا في تعيين صدقي.
تقول د. لطيفة محمد سالم: (عندما وقع اختيار الملك على تولى إسماعيل صدقي
الوزارة، بعث برسول إلى حسن البنا ليستشيره في أمر مجيء رئيس الوزراء
الجديد، ولم يخب ظن فاروق، فقد سر المرشد العام من أنه أصبح يستشار في
السياسة العليا، ووافق موافقة تامة على الإختيار، وفي اليوم التالي لتأليف
الوزارة، ذهب إسماعيل صدقي إلى "المركز العام" للإخوان وترك بطاقة، ورد له
حسن البنا الزيارة، ووقف زعيم الإخوان في الجامعة يوجه الشكر للملك على
استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد) [87].
[87] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 705، آخر ساعة، عدد: 1049، 1/12/1954، ص: 4. كمال الدين رفعت: المرجع المذكور، ص:
----------
(10) سعى البنا للقاء الملك
حاول حسن البنا لقاء الملك؛ لطمأنته بأن الإخوان لا يريدون به شراً.
فيما بين يدينا من مصادر ثلاث مرات، منها واحدة اعترف بها عمر التلمساني في
مذكراته، وهي التي كانت عن طريق طبيب الملك يوسف رشاد وزوّج إحدى عشيقاته؛
ناهد رشاد [88].
ويجمل التلمساني الواقعة فيقول: (وفعلاً التقى طبيبه - أي الملك - الخاص
يوسف رشاد بالإمام الشهيد، ولكن الأيدي التي لا تضمر خيرا لشرع الله زرعوا
في قلبه – الملك - الخوف من الإخوان) [89].
أما تفاصيل هذه الواقعة؛ فقد بدأت عندما اتصل محمد أنور السادات - عقب
خروجه من المعتقل - بالمرشد العام، فأفصح الأخير عن أن المتاعب تأتيه من
ناحيتين، ناحية الملك، وناحية الأجانب، وبين أن فاروقاً يشعر بخطورة دعوة
الإخوان على أساس أنها تقوم على أن يكون الملك بالمبايعة لا بالوراثة،
وعليه فإنه يخشى أن يضرب ضربته والحركة لم تبلغ بعد أوج قوتها.
وذكر أن الأجانب يمكن أن يطمئنوا للدعوة لو اطمأن إليها الملك، وأنه
يستطيع أن يكسب ذلك لو تقابل معه، حيث يمكنه أن يزيل من نفسه الأوهام
والشكوك، في الوقت الذي أوضح فيه أنه لا يريد أن يبدأ معه سياسة وفاق أو
تعاون، وطلب من "السادات" التوسط للتنفيذ لدي صديقه يوسف رشاد، وتمت
المهمة، وطلب فاروق أن يقابل يوسف رشاد؛ المرشد العام ويستمع إليه وينقل له
الحديث، ليرى إن كان يقابله، ثم عاد الملك وألغى ما ارتآه، وتكررت
المحاولة مرة أخرى، وانتهى الأمر باللقاء، وجرى الحديث الذي خرج منه يوسف
رشاد مقتنعاً بخلوص نية حسن البنا نحو الملك والتي استبعدها فاروق.
ولكن الارتياب عاد إلى نفس "السادات" من البنا، لاستمرار علاقة الأخير بالقصر عن طريق غير يوسف رشاد [90].
أما المحاولة الثانية؛ فكانت في نهاية 1948 لما ظهرت في الأفق فكرة حل
الجماعة، ولم تكن فكرة حل الجماعة وليدة لحظتها، وإنما رددت حولها الأقوال،
مما ألجأ حسن البنا إلى مرتضى المراغي - وكان مديرا للأمن - وتحدث معه
بشأن خطورة تنفيذ هذا الإجراء، وأبدى غضبه على النقراشي، واتهمه بأنه يكيل
التهم للإخوان لدي فاروق، وتتضمن أنهم يريدون قتله وينبذون تصرفاته.
ورفض المرشد العام وساطة مرتضى المراغي عند النقراشي، وبين أنه ممكن الصبر
عليه لأنه قد يترك منصبه في أي وقت، أما الملك فهو باق، وطلب أن ينقل له
رسالة شفوية؛ بأن الإخوان لا يريدون به شراً، ولا ينبذون تصرفاته، وإنهم
ليسوا بقوامين عليه، ورجاه أن يقنعه بالعدول عن اتخاذ تلك الخطوة، واعتبرها
جريمة نكراء، ولكن عندما عرض مدير الأمن العام على مسامع رئيس الوزراء
الرسالة؛ عارض في توصيلها للملك [91].
أما المحاولة الثالثة؛ فكانت عندما اغتيل "حكمدار" القاهرة، وعقب اغتياله
بأربعة أيام؛ أصدر النقراشي أمراً عسكرياً في 8/ديسمبر/1948 بحل جماعة
الإخوان وفروعها بالأقاليم ومصادرة أموالها.
جاء من بين التهم التي وجهت إليها؛ أنها تعد للإطاحة بالنظام السياسي
القائم عن طريق الإرهاب، مما أودى بالمرشد العام الاستغاثة بكريم ثابت -
المستشار الصحافي للملك، وهو نصراني - وطلب وساطته، وأبرز له أهمية
الإخوان، ومدى الفائدة التي يكسبها العرش إذا عرف كيف يستفيد من نشاطها
الديني، واعترف أن اشتغالهم بالسياسة كان خطأً، وأن عليهم قصر رسالتهم على
خدمة الدين.
وطلب من كريم ثابت نقل هذا الحديث للملك، مع الرجاء بأن يتدخل بنفوذه لدي
النقراشي، ليوقف تدابير الحل والمصادرة، وليبقى على الإخوان كهيئة دينية
تنصرف إلى تأدية رسالتها الأخلاقية دون أن تجاوزها.
ثم عاد وكرر أن الإخوان من هذا المنطلق هم عون كبير للملك في مقاومة
الشيوعية والمبادئ الهدامة، واختتم حديثه؛ بأنه إذا وافق الملك، فهو مستعد -
تسهيلاً لمهمة الحكومة - إذاعة بيان يعلن فيه أن الإخوان لن يشتغلوا
بالسياسة بتاتا، وأنهم سيوجهون جهودهم للأغراض الدينية وحدها.
وعندما هم كريم ثابت بالتوسط، وجد فاروق في شدة الغضب على حسن البنا، حيث
أخرج من أحد الأدراج نتيجة من النتائج التي تطبعها مصلحة المساحة، ومنزوع
منها صورته وملصق مكانها صورة المرشد العام، وعلق عليها؛ بأنها صورة الملك
الجديد، وكان رجال المباحث قد عثروا عليها في دمنهور، ومن ثم فشلت الوساطة
[92].
[88] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 930
[89] عمر التلمساني المرجع المذكور: ص 154.
[90] أنور السادات: أسرار الثورة المصرية، ص: 121 - 125، صفحات مجهولة، ص:
99 - 102. ريتشارد ميتشيل: الاخوان المسلمون: ترجمة عبد السلام رضوان مكتبة
مدبولي سنة 1977، ص: 96، ص: 98، واسحاق الحسيني: الاخوان المسلمون كبري
الحركات الإسلامية في العالم العربي، بيروت ط 2، 1955، ص: 213، ص: 214، ص:
224، أحمد حمروش: قصة ثورة 23/يوليو، الدار العربية للدراسات والنشر 1977
ج1، ص: 117، د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 702، زكريا سليمان
بيومي: المرجع المذكور، ص: 213، ص: 250.
[91] مرتضي المراغي، مجلة أكتوبر، عدد: 496 في 27/أبريل/1986، ص: 45، 46.
[92] مذكرات كريم ثابت، الجمهورية، عدد: 574 في 11/يوليو/1955، ص: 1، 709، لمزيد من التفاصيل انظر جريدة مايو: 8/5/84، ص:
------------
(11) اختيار الهضيبي مرشداً عاما |
تم
اختيار حسن الهضيبي مرشداً عام للإخوان المسلمين - بعد وفاة حسن البنا -
وقد تخطى هذا الاختيار قانون الجماعة، إذ إن الهضيبي لم يكن في جماعة
الإخوان المسلمين، وأراد التيار الذي اختار الهضيبي لمنصب المرشد العام؛
تحصيل عدة فوائد، منها إرضاء الملك، وإرضاء القضاة، وإبعاد التيار المتطرف -
وخاصة قيادات النظام الخاص عن القيادة - وقد صرح بهذا الإخوان أنفسهم
والذين أرخوا لهم.
كما أن الحوادث نفسها أثبتت أن حسن الهضيبي سعى لإرضاء القصر وللقضاء على الجانب المتطرف من الجماعة - كما سنرى في بقية البحث –
ونحن هنا نعرض لأقوال الإخوان، ثم لأقوال غير الإخوان؛ حول اختيار حسن الهضيبي، وكلها تدور حول المعاني التي أسلفناها.
يقول فريد عبد الخالق: (واستبشر الإخوان بمرشدهم الجديد، وأولوه ثقتهم،
والتفوا حوله، وقد رأوا في اختياره على رأس الجماعة تصالحا مع القضاء الذي
ساءته تصرفات بعض الأفراد وارتكابهم حوادث عنف في عام 1948 قبل صدور قرار
حل الجماعة، ولا يزال الرأي العام يذكر مقتل النقراشي، واغتيال الخازندار،
وفي هذه التصرفات ما شوه صورة الجماعة في نظره، وفي موافقة الأستاذ الهضيبي
على أن يكون مرشداً للإخوان المسلمين؛ تصحيح لهذه الصورة) [93].
وسوف نعرض - إن شاء الله - لهذه الحوادث، ونبين مواقف الإخوان السيئة والمتناقضة فيها.
ويقول أيضاً - عند كلامه على عمل الهضيبي في الجماعة بعد توليه شئونها -:
(وكان البناء الداخلي هو الآخر يحتاج إلى علاج بعض المتاعب التي حلت به في
أخريات أيام الإمام حسن البنا، عندما وقعت تلك التصرفات الفردية عن قيادة
وبعض أعضاء "النظام الخاص" بقيامهم بحادثتي الاغتيال اللذين سبقت الإشارة
إليهما، دون علم المرشد، وعلى غير منهج الجماعة ووسائلها في تحقيق أهدافها،
التي ليس فيها الاغتيال أو العنف، فقد أعتبر حسن البنا ذلك خروجاً على
نظام الجماعة) [94].
ويقول صالح عشماوي - عضو مكتب الإرشاد، وأحد أقطاب الجماعة، وصاحب "مجلة
الدعوة" والذي غضب عليه الهضيبي وفصله من الجماعة فيما بعد - في خطابه أمام
الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين: (ثم عندما أراد الأستاذ منير دلة
تعيين مرشد عام للجماعة، وعندما اقترح اسم الأستاذ حسن الهضيبي، ولم يكن
معروفاً لأحد من الإخوان في ذلك الوقت إلاّ العدد القليل، وكيف إنه قال بأن
هذا الحل هو الذي يجمع شمل الإخوان ويجعلهم على قلب رجل واحد ويمنع
تنازعهم وفرقتهم، وكيف أنهم ذكروا اعتبارات أخرى ومزايا لهذا الاختيار، لا
محل لذكرها الآن، ثم ذكر كيف أنه تخطى العقبات القانونية)، إلى أن قال:
(وتمت الإجراءات رغم مخالفتها الصريحة لنظام الجماعة) [95].
ويقول أيضاً في مقال لا حق: (يخطئ من يظن أن الأحداث الأخيرة في محيط
الإخوان كانت نتيجة لقرار المكتب، القاضي بفصل أربعة من خيرة الإخوان من
غير توجيه اتهام إليهم أو تحقيق معهم، وبدون ابداء الأسباب، إنما الحقيقة
أن هذا القرار كان عارضاً لمرض أصاب الدعوة منذ مجيء الأستاذ حسن الهضيبي
مرشداً عاماً للجماعة) [96].
وتقول د. لطيفة محمد سالم عن أحداث 1951: (وعلى آية حال، فإن الاتجاه
المتطرف لم يتحكم في الموقف، وضح ذلك في اختيار حسن الهضيبي مرشداً عاماً،
وتجاهل الاختيار قانون الهيئة التأسيسية ولم يكن الهضيبي عضواً فيها، ولا
في مكتب الإرشاد، ولا رئيس شعبة، ولم يكن يحضر درس الثلاثاء، لكن قيل إن
هذا الرجل هو الذي اختاره حسن البنا في أيام المحنة ووكله الإشراف على
رعاية أسر الإخوان، وقد عمل بالقضاء فترة طويلة، والواقع أنه لم يتمتع
بالشخصية القوية التي تؤهله للزعامة الفردية كسلفه، وكان هذا هو المقصود،
نظراً لصعوبة البيعة لأحد العناصر القوية المتنافسة، ذلك من ناحية،
وللسياسة الجديدة التي ارتأى الإخوان انتهاجها تجاه فاروق وهي تعتمد على
مهادنة القصر لاستعادة الجماعة لمكانتها من ناحية أخرى، فالمختار يمت بصلة
نسب لناظر الخاصة الملكية ولرئيس القسم المخصوص الإنجليزي بالديوان، ومعروف
عنه دماثة أخلاقه، وكان القصر يسعى لتبوئه المركز.
وبدأت مرحلة تحالف جديدة بين فاروق والإخوان، وألغى قرار حل الجماعة وعادت
إلى شرعيتها، لكنها ارتدت ثوباً آخر يتفق مع الاتجاه الجديد، وكان أول
خطاب وجهه المرشد العام يعكس ذلك حيث قصر نداءه للجماعة على تقوى الله
وطاعته وترتيل القرآن) [97].
أما طارق البشري فيرد على القول بأن الملك لم يكن له دور في اختيار
الهضيبي، بدليل أن الجماعة احتفظت به بعد الثورة، فيقول: (وقد لا تكون صلة
المصاهرة بين الهضيبي وناظر الخاصة ذات شأن سياسي هام، وهي كذلك ليست بذات
شأن هام، بمراعاة استقلالية الدعوة، وبمراعاة ما تكشفت عنه شخصية الهضيبي
من صلابة نادرة في أوقات المحن، ولكن يظل اختيار الهضيبي في الظروف
السياسية لعام 1951، اختيار مقصوداً به الملاينة والإيماء بخفوت الجانب
المتمرد المشاكس من نشاط الجماعة).
ويقول أيضا: (إن هذا الخط السياسي الملاين قد تقرر بين الإخوان، في ظروف مد
ثوري وتصاعد، فجاءت حركة الإخوان غير متمشية مع الزخم الحاصل، خاصة بعد
إلغاء معاهدة 1936).
ويقول أيضاً: (جاءت سياسة اتجاه الهضيبي في الإخوان بإملاء من السياق
الداخلي للجماعة والتطور الذاتي لها، جاءت تحاصر التنظيم السري المسلح
للإخوان وتعمل على تقليم أجنحته) [98].
وهكذا تم اختيار حسن الهضيبي مرشدا عاما في 19/10/1951.
وفي 14/11/1951 توجه هو ولفيف من قيادات الإخوان إلى قصر عابدين ليسجلوا
أسماءهم في سجل التشريفات بمناسبة تعيين المرشد الجديد؛ لتقديم آيات الولاء
لقاتل شيخهم!
وفي 20/11/1951 تحمل سيارة من سيارات الديوان الملكي حسن الهضيبي ليتشرف
بمقابلة فاروق الأول - ملك مصر والسودان - وليخرج من المقابلة فيعلق:
(مقابلة كريمة لملك كريم)!
وهكذا أهدرت قيادة الإخوان دم حسن البنا، حين هرولت لتؤيد وتتشرف بمقابلة قاتله.
ويدور الزمان دورته ويقتل عبد القادر عودة في محكمة؛ اثنان من قضاتها
الثلاثة هم؛ أنور السادات وحسين الشافعي، ويهدر الإخوان أيضاً دم عبد
القادر عودة ومحمد فرغلي وإبراهيم الطيب؛ حين يهرولون ويؤيدون أنور
السادات، بل ويعتبرون أن له منة عليهم.
ويذهب عمر التلمساني - كما سنرى - إلى قصر عابدين مرة أخرى؛ ليسجل امتنانه
على إفراج السادات عنهم، وهكذا يضيع أيضاً دم عبد القادر عودة ورفيقاه.
أما دم سيد قطب - فكما سنرى من موقف الإخوان منه - فليس له بواكي.
ويدور الزمان دورة ثالثة؛ ويقتل كمال السنانيري في سجن "استقبال طرة" بيد
حسن أبي باشا - وزير داخلية مصر الأسبق - ويخرج الإخوان من المعتقلات
فيتوجهون بالشكر إلى حسني مبارك، بل ويبايعونه على رئاسة الجمهورية - كما
سنرى - ولا يرتفع لهم صوت - رغم فصاحتهم في التبرؤ من التطرف والعنف - في
المطالبة بدم السنانيري، بل وعندما يقوم بعض الشباب بمحاولة اغتيال حسن أبو
باشا؛ يستنكرون ما يفعله الشباب ويتبرؤن منه ويعدونه جريمة تستحق العقاب -
كما سنرى - وهكذا ضاع أيضاً دم كمال السنانيري.
وكم من الدماء ستضيع على أعتاب مصلحة الدعوة!
وصدق الله العظيم {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد
الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب
في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار
خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم
المفلحون}.
[93] فريد عبد الخالق: المرجع المذكور، ص: 64.
[94] فريد عبد الخالق: المرجع المذكور، ص: 64.
[95] الدعوة، عدد: 148، 8/ربيع الآخر/1373 هـ، 15/12/1953، ص: 1.
[96] الدعوة عدد151، 29/ربيع الآخر/1373 هـ، 5/1/1954، ص: 1.
[97] لطيفة محمد سالم المصدر المذكور، ص: 715، الجمهور المصري، عدد: 87، في 2/9/1952، ص: 5، الدعوة، عدد: 37، في 30/10/1951، ص: 1.
[98] طارق البشري: الحركة السياسية في مصر 1945 - 1952، الطبعة الثانية 1403 هـ، 1983، دار الشروق القاهرة: المقدمة، ص: 65.
|
|
------
(12) لقاء الهضيبي بالملك |
قُتل
حسن البنا في شارع "رمسيس" في مساء يوم 12/2/1949، واختير حسن الهضيبي
مرشداً عاماً في 19/10/1951، وكان في القصر الملكي يوم 14/11/1951 موقعاً
في سجل التشريفات، ثم زائرا للملك في يوم 20/11/1951.
وقد أحدثت هذه الزيارة دوياً هائلاً، اعترف بها الإخوان أنفسهم وأنكرها
كثير منهم، لأنها كشفت عن خط جديد في الجماعة، وإن كان هذا الخط قد بدأ قبل
اغتيال حسن البنا، ولذلك فقد أفردنا لهذه الزيارة وما قيل حولها عنواناً
خاصاً.
كان أول رد فعل إخواني تقريباً هو ما نشرته جريدة "الدعوة" بعد المقابلة
بأسبوع، حيث أوردت الخبر التالي: (في الحضرة الملكية: في الساعة السادسة من
مساء يوم الثلاثاء الماضي قصد حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام
للإخوان المسلمين إلى قصر القبة العامر، حيث تشرف بمقابلة جلالة الملك، وقد
دامت المقابلة 45 دقيقة، وهذه أول مقابلة رسمية بين جلالة الملك وبين
فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين، وكانت مثار تكهنات ومبعث قلق في كثير
من الدوائر السياسية) [99].
وكان هذا أول رفض مهذب للتيار المعارض للزيارة.
أما مؤيدي الزيارة فقد حاولوا تخفيفها قدر الإمكان.
يقول فريد عبد الخالق: (فأما الملك فقد سعى إلى مقابلة المرشد، وتمت
المقابلة، ورحب الملك به، وكان مما قاله له: إنني رجل مسلم وأحب الإسلام
وأتمنى له الخير، وقد أمرت بإنشاء مساجد كذا وكذا... فلم يكرهني
الإخوان؟... إن الإخوان قد أفهموا خطأ أنني الذي أمرت بحلهم واعتقالهم
وباغتيال حسن البنا... هذا والله العظيم خطأ ولم أفعل شيئاً من هذا... إن
الذين فعلوا هم "السعديون"... النقراشي وإبراهيم عبد الهادي، وفي اللحظة
التي تمكنت فيها؛ أقلت إبراهيم عبد الهادي، وأمرت الوزارة الجديدة التي
عينتها بالإفراج عن الإخوان، ولما رأى أن المرشد لا يرد على سؤاله، أعاده
قائلا: ما رأيك إذن فيما قلته، وفي أنني على استعداد أن أعمل للإسلام؟! فرد
عليه المرشد: إني سأعرض الأمر على الإخوان، ونسأل الله التوفيق) [100].
بل إن "مجلة الدعوة" في أعقاب ثورة 1952 أحست بحرج الإخوان من هذا التصرف،
فنشرت لحسن الهضيبي الحديث التالي: (قابل مندوب الدعوة فضيلة الأستاذ
المرشد العام، وطلب من فضيلته الأدلاء بحديث إلى قراء "الدعوة" فأبدى
فضيلته استعداده الكريم لهذا.
فقال المندوب: ما زالت مسألة مقابلة فضيلتكم للملك السابق تثير أهتمام
الرأي العام نظراً لمكانة الإخوان ومرشدهم عند الرأي العام، فنرجوا أن
تحدثوا قراء الدعوة بشيء عن هذه الزيارة؟
فقال فضيلته: الواقع أنه لم يكن في هذه الزيارة شيء غير عادي، فقد ذهبت إلى
الزيارة في موعدها، وعندما دخلت على الملك السابق بدأ هو بالتحية فقال:
السلام عليكم... ثم بدأ الحديث وواصله واستمر فيه مدة الزيارة كلها التي
استغرقت نحو 35 دقيقة، وقد بدأ بكلمات تتعلق بشخصي وما عرفه عني كقاضي...
وتكلم عن الإخوان، وأنهم كدعوة إسلامية يحبها الجميع، وإنه رجل متدين بطبعه
ويحب الدين، وأشار إلى أن البعض القليل من الإخوان قد انحرفوا وإنه يأمل
الخير في الأكثرية، كما يأمل نسيان الماضي وبدء صفحة جديدة، فقلت: إن
الإخوان المسلمين ينظرون دائماً إلى المستقبل ويأملون فيه الخير ولا ينظرون
إلى الماضي إلا ليستخلصوا منه العبرة المفيدة، ثم تحدث عن صلة الملك
بالشعب وأشار بيديه موضوعة احداهما فوق الأخرى فقال: الشعب ثم الملك ثم
الله فوق... ومعنى هذا أن الملك أقرب للشعب من الله! وهنا تكلمت فقلت:
لا... هذا تحديد موضعي فالله سبحانه في كل مكان، ولا مكان له، وهو قريب من
جميع عباده... الخ، وقلت: ما يصحح الوضع... فقال الملك: أيوه... تمام ولم
يناقشني، وصحيح أنه حدد لي وسيطاً يكون صلة بيننا ولكنه لم يذكر لي اسمه
ولا سألت أنا عنه، وقد خرجت من هذه المقابلة إلى "المركز العام" وكان
بالظاهر فألقيت تصريحاً موجزاً في محاضرة الثلاثاء عن هذه المقابلة، ثم
انصرفت إلى منزلي فوجدت هذا الوسيط في انتظاري هناك ولبثنا بعض الوقت
وتحدثنا فعرفت منه أنه مكلف بوضع نفسه تحت تصرفي حتى إذا كان عندي ما أبلغه
للملك قام بذلك، ولكني من ناحيتي لم استرح إلى هذا الشخص، ولم أدري لماذا،
ولم أكلفه بأي شيء، وكان مما قاله لي الملك أيضاً إن الإنكليز خارجون من
البلد حتماً ولكن الخوف من الشيوعية، وهي لا تتفق مع الدين، فقلت معقباً:
هذا حق... ولكن يجب أن يطبق الدين بحذافيره ونرعى حق الفقير فوافق على ذلك،
ومما يذكر أن هذا الحديث لم يدون في وقته، وهذا ما أذكره منه... ولكن
المؤكد أن الملك السابق لم يذكر "الوفد" ولا أي حزب سياسي، ولم يذكر القنال
ومقاومة الإنكليز ولا حركة التحرير، ولا أشار أقل إشارة إلى أن يلزم
الإخوان سياسة معينة، ولا ذكر شيئاً مما تداوله الناس وقت ذاك وذهبت الظنون
فيه كل مذهب) [101].
وقد أثبتنا هذا الحديث بكامل نصه؛ لنؤكد أن الهضيبي أقر على اتفاقه مع الملك على شيئين:
1) أن هناك قلة منحرفة في الإخوان، وأنه لا يوافق على ما وقع منها، وأنه يريد أن يفتح مع الملك صفحة جديدة.
2) أنه متفق مع الملك على محاربة العدو الأهم - والذي منه الخوف - وهو الشيوعية، أما الإنكليز فهم خارجون حتماً.
أما عمر التلمساني فكان واضحاً كعادته، فقال عندما سُئل: (هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على علاقة الإخوان بالملك فاروق؟).
التلمساني: (كل الذي أعرفه ويعرفه الناس؛ أن المرشد العام طلب لمقابلة
الملك فاروق، وخرج يقول؛ مقابلة كريمة لملك كريم، ورجال الثورة أخذوا عليه
هذا، وفعل مثل هذا يعطي فكرة عن قيادة الإخوان وعن أساليبهم في التعامل مع
الحكام، نحن لا نريد أن نصطدم بأحد) [102].
ويحاول عمر التلمساني شيئاً من الدفاع عن هذه الحادثة، ولكنه لا أظنه
احترم ذكاء قراءه بهذا الهزل، حيث يقول: (وكان من المتوقع أن يطلب الأستاذ
الهضيبي مقابلة فاروق للمشاركة في انقاذ الوطن مما كان ينحدر إليه في جميع
نواحيه، ولكنه رفض خشية أن يقال عنه إنه يسعى لمقابلة فاروق، ولأنه كان يرى
أن وضعه كمرشد للإخوان المسلمين فوق ذلك بمراحل شاسعة، وهو أحرص ما يكون
على هذه الكرامة التي متعه الله بها في مراحل حياته، وأخيراً استدعاه وهو
لا يملك إلاّ أن يستجيب، فذهب وخرج من تلك المقابلة وهو يصفها بأنها:
"مقابلة كريمة لملك كريم").
ثم يسهب في أنها مقابلة كريمة لأن الملك احترمه فيها، ثم يقول: (أما وقد
كان موقف الملك على هذه الصورة معه فليس من المنطق أو اللياقة أن يصفه بأنه
ملك لئيم أو ما أشبه ذلك) [103].
أما الرافضون لهذه الزيارة من قيادات الإخوان؛ فلم يصرّحوا بما في قلوبهم
إلاّ عندما انفجر الخلاف بينهم وبين المرشد - بعد انقلاب يوليو/1952 -
فيقول أمين إسماعيل في "مجلة الدعوة": (اغتيال جديد: وكان المرشد العام قد
قيد اسمه في سجل التشريفات بمناسبة إعلان انتخابه رسمياً)، (وتلقف رجال
السراي أداء المرشد لهذا التقليد الشكلي فصوروه أنه ووصفوه بأنه؛ يعني
تبديلا في سياسة إعلان الولاء للجالس على العرش! ووصفوه بأنه؛ يعني تبديلا
في سياسة الإخوان تجاه السراي والملك، وفي عجلة غير مألوفة، اتصلت السراي
عصر أحد أيام الثلاثاء بالمرشد العام؛ تدعوه للتشرف بمقابلة الملك بعد ساعة
من الزمن، فعطل ظرف الاستدعاء كل تفكير إلا التفكير في الاستدعاء لمراسيم
المقابلة ذاتها).
(الرعب القاتل: جماعة الإخوان المسلمين وهذا هو كشف حسابها وتلك هي صحيفة
اتهامها، تصافح يد فاروق يد ممثلهم ورمزهم؟! يا له من نصر سياسي؟!
ومن جهة أخرى فإن تحالف الإخوان مع الملك المكروه يفقدهم محبة الشعب ويحول
دون اتجاه الناس إليهم، وتمت المقابلة وكانت بين اثنين لا ثالث لهما إلا
الله، واستغرقت وقتاً طويلا وبالطبع لم يدر الحديث خلال هذه المدة الطويلة
فقط حوّل الجو والتهنئة والسؤال عن الصحة التي هي غاية القصد والمراد من رب
العباد... لا شك أنه دار حديث وأي حديث.
لا بد أنه تناول الإخوان، وتناول أهداف الإخوان، وتناول وسائل الإخوان!
ولا بد من ذكر للماضي ومآسيه، ولا بد من أمل في نسيانه أو تناسيه!
ولا بد من رجاء بفتح صفحة بيضاء ترصد فيها الحسنات ولا مكان فيها للذنوب
والسيئات! ومما ليس منه بد أن يفهم الإخوان أن الحاكم أقرب إليهم من الله،
سبحانه وتعالى عمّا يأفكون) [104].
ويقول أيضاً في العدد الذي يليه: (ظروف المقابلة الملكية: كان لمقابلة
الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين لفاروق؛ دويّ شديد في
ميدان السياسة المصرية والعالمية، فقد جاءت في يوم 20/نوفمبر/1951، أي بعد
أن بدأت حكومة "الوفد" والسراي في التراجع عن الموقف الذي أخذ يتطور في
القناة بتأييد الشعب عملياً للقوة الرسمية) - يقصد المعركة بين قوات بلوكات
النظام والإنكليز -
ويقول: (ومن البديهي أن المرشد العام للإخوان المسلمين يمثل التكتلات الشعبية الواعية العاملة).
ويقول أيضاً: (وكذلك فإن الصحف اليومية والدورية كانت تتساءل كل صباح عن
دور الإخوان في المعركة، وكانت الصحافة بهذا صدى لما يدور في الرأي العام،
وكان الرأي العام - كله داخلي وخارجي - يعتقد أن كسب القضية متوقف على
اشتراك الإخوان إشتراكاً كاملاً في المعركة).
ويقول أيضاً: (فلماذا إذن لا يحاول فاروق أن يسيطر على الإخوان ويملي عليهم سياسة، كما حاول الأحزاب وكما حاول الإنكليز من قبل؟!
وطارت في الجو إشاعات وإشاعات واستند الناس فيما يقولون على صلات وصلات...
قالوا: إن علاقة المصاهرة بين الأستاذ الهضيبي وبين الأستاذ محمد سالم
ناظر الخاصة الملكية لها شأن... وقالوا: إن علاقة النسب بين الأستاذ
الهضيبي والأستاذ عمر حسن رئيس القسم المخصوص الإنكليزي لها شأن وأي شأن...
وقالوا: إن علاقة الأستاذ الهضيبي بالأستاذ مصطفى مرعي لها هي الأخرى شأن
وشأن، وقالوا: قبل ذلك وبعد ذلك إن عدم المام الأستاذ الهضيبي الماماً
كافياً بأسلوب الإخوان وتنظيمات الإخوان وتشكيلات الإخوان وأعمال رجالات
الإخوان؛ هي السبب الذي جعله ينتحي أسلوباً حزبياً لهذه المقابلة الملكية)
[105].
وقال أيضاً في العدد الذي يليه: (قلت في العدد الماضي؛ أن مقابلة الأستاذ
الهضيبي للملك البغيض المخلوع في 20/نوفمبر/1951، قد أحدثت أثراً سيئاً في
صفوف الإخوان المسلمين في مصر وفي غير مصر، كما أحدثت نفس الأثر في
التكتلات الشعبية التي كانت تنظر إلى الإخوان نظرة الغريق إلى من ينتشله،
والتي كانت تنتظر الإمجاد التي لا بد أن يسجلها الإخوان في معركة القناة...
فلقد كانت المقابلة في وقت بدأت فيه الحكومة والسراي والاقطاع؛ تلوي وجهها
عما يحدث في القناة، وتدبر كيف تخلص من المأزق الذي وضعتها فيه تصرفات غير
مدروسة ما كانوا يظنون أن الشعب سيتلقفها سريعاً ويمضي فيها بجد وبحق
مهماً كلفه الأمر، ومهماً كان البون شاسعاً بين امكانياته الساذجة وبين
إمكانيات جيش الاحتلال...
وقلت أيضاً؛ أن علاقات النسب بين بعض كبار رجال السراي والأستاذ الهضيبي
من ناحية وبينه وبين رئيس القسم المخصوص الذي كان يعمل بوحي الإنكليز من
ناحية أخرى، قد أضفت على الموقف الكثير من علاقات الاستفهام وعلامات
التعجب...) [106].
وتقول د. لطيفة محمد سالم: (وكانت الخطوة المثيرة، تلك الزيارة التي قام
بها الهضيبي للملك بقصر القبة في مساء 20/نوفمبر/1951 واستمرت ساعة إلا
ربع، وأثارت التكهنات وبعثت القلق في الدوائر السياسية [107]، وخرج المرشد
العام منها ولم يفض بشيء عما تم في هذه المقابلة الرسمية سوى قوله: "زيارة
كريمة لملك كريم" [108]، لكنه روى فيما بعد؛ فذكر أنه في نفس ذلك اليوم
اتصل به عبد اللطيف طلعت - كبير الأمناء - وأخبره أن الملك يريد مقابلته،
وحدد له السادسة مساء، وطلب منه ألا يخبر أحداً، وجرى اللقاء، وأشاد فيه
فاروق بضيفه من حيث نزاهته وعقليته، وأمل أن تكون رئاسته خيراً، وتكلم عن
الدعوة وكيف انحرف البعض من الإخوان، وأبدى رغبته في نسيان لماضي، وعرج على
ما يجب أن تقوم به الحكومة لخدمة الشعب، ثم تحول إلى الغرض الرئيسي موضحا:
"إن الإنكليز سيخرجون من بلادنا حتماً، ولكن الذي يجب علينا أن نقاومه هو
الشيوعية لأنها تتنافى مع الدين"، فأجابه الهضيبي: "نعم الشيوعية تتنافى مع
الدين بشرط أن يطبق بحذافيره ونراعي حق الفقير في ثروات الأغنياء"، فوافق
فاروق وطلب من مضيفه تبليغ إخوانه تحياته [109].
واعترف المرشد العام بأن الملك حدد له وسيطاً، وكان مكلفاً بخدمته وتنفيذ
البرنامج الملكي، ومما يذكر أن فاروقاً لم يشر بأن يلتزم الإخوان سياسة
معينة، لكنه عرف فيما بعد أنه اتفق على إحالة الجماعة إلى جمعية خيرية في
مدى عشر سنوات على الأكثر، وطلب أن يتجنب الإخوان خوض الانتخابات في أي
صورة من الصور، حيث أن الإشتراك في الانتخابات ممارسة للسياسة [110].
ومما تجدر الإشارة إليه؛ أنه في مساء
يوم المقابلة وعقب عودة المرشد العام إلى منزله وجد الوسيط ينتظره، ودار
بينهما حديث عرف منه الهضيبي المهام الموكولة لهذا الوسيط [111].
وينقل السفير البريطاني لحكومته ملخص المقابلة، وبين أنها ارتكزت على
الحوار حول الشيوعية كعدو رئيسي، ويسجل أن المرشد العام؛ أكد أنه ليس لدي
الإخوان النية في حمل السلاح، وأنهم يساندون تطهير الإدارة، ويشير إلى أن
اللقاء اتسم بالود، ويعلق على أن الهضيبي أصبح مقرباً من الملك، وتبعث لندن
لسفيرها تبلغه بما يتردد على ألسنة البعض في السفارة المصرية حول قرار
فاروق بشأن ضم الإخوان إلى جانبه، وأن ذلك يرجع إلى الرغبة في تكوين جبهة
قوية ضد "الوفد" [112].
ومثل ذلك الواقع؛ ففي تلك الفترة كان الملك يعد الأمر وينتظر اللحظة التي
يعمل فيها ضد "النحاس"، وهذا ما صرح به حافظ عفيفي لعميد الجالية
البريطانية في مصر، حيث أوضح أن الاستقبال الملكي للمرشد العام نوع من
التخطيط لذلك [113].
كما أن فاروقاً كان على دراية تامة بالوضع المتدهور الذي وصل إليه وفقدانه
للشعبية نهائياً، ومن ثم أراد احتواء الجماعة، علّها تعطيه جزءاً مما
انتزع منه، لما لها من تأييد شعبي ودور وطني، وحتى لا تتحول إلى جبهة
المعارضة وتتخذ موقفاً مضاداً له.
أما من ناحية الإخوان؛ فقد خرج الهضيبي من المقابلة، فتوجه إلى "المركز
العام"، حيث اجتمع "مكتب الإرشاد"، وألقى تصريحاً موجزاً عنها، وعرض
الاتجاهات الخاصة بالإخوان - وخاصة ما يتعلق بالشيوعية - واشترك باقي
الأعضاء في المناقشات التي كان لها طابع الحدة [114]، ومما يدل على
الاختلافات التي سرت بينهم، ولكن الهضيبي بحكم السلطة المخولة له؛ أجرى بعض
التعديلات في الجهاز السري، حيث أبعد صالح عشماوي ومن على شاكلته، نظرا
لتضارب وجهات النظر، ومن بينها الشكل الجديد للعلاقة مع الملك [115].
واستعاد الإخوان مكانتهم وعادت لهم ممتلكاتهم وأموالهم التي كان محجوزاً عليها، وقد أصبح ذلك ضرورة شرعية بعد حكم مجلس الدولة.
ويستعرض السفير البريطاني للندن تحليلات هذا الإجراء، فيذكر أنه ترجم على
أساس أنه محاولة من الحكومة لكسب الإخوان، وأن البعض يعزوه إلى أنه ثمرة
التقارب بين الإخوان والقصر [116].
والقول الأخير هو الأقرب للصحة.
ومضى المرشد العام في تحركاته وقام بزيارات إلى الأقاليم، خطب فيها وركز
على تطهير الأمة [117]، كما صرح بإقصاء أعمال العنف، وفي ذلك ما يُرضي
فاروق، ونفي ما أشيع من أن الجماعة طلبت من الحكومة تدريب 16 ألف شخص، وبين
أن الكفاح العملي قد يأخذ صوراً مختلفة غير مقاطعة الإنكليز [118]، ومثل
هذه التصريحات جعلت "ستيفنسون" يصف تصرفاته بالرزانة [119]) [120].
[99] الدعوة، عدد: 41، الثلاثاء، 27/صفر/1371، 27/11/1951، ص: 7.
[100] فريد عبد الخالق: المرجع المذكور، ص: 69.
[101] الدعوة العدد: 82، 19 ذي الحجة 1371 هـ، 9/9/1952، ص: 5.
[102] المصور العدد: 2989، 27/ربيع الأول/1402، 22/1/82.
[103] عمر التلمساني: ذكريات لا مذكرات، دار الطباعة والنشر الإسلامية، القاهرة ص: 108.
[104] الدعوة، العدد: 150، 22/ربيع الآخر/1373، 29/12/1953، ص: 6.
[105] الدعوة: العدد: 151، 29/ربيع الآخر/1373، 5/1/1954، ص: 13.
[106] الدعوة: العدد: 152، 7/جمادي الأولى/1373، 12/1/1954، ص: 14.
[107] الدعوة: العدد41، 27/نوفمبر/1951، ص: 7، المصري، عدد: 5021، في
21/نوفمبر/1951، ص: 2، الشعب الجديد، عدد: 31، في 22/نوفمبر/1951، ص: 7.
[108] الجمهورية، عدد: 271، في 8/سبتمبر/1954، ص: 5.
[109] الدعوة، عدد: 82، في 9/سبتمبر/1952، ص: 5، روز اليوسف، عدد: 1266، في 15/سبتمبر/1952، ص: 16.
[110] الجمهور المصري، عدد: 88، في 8/سبتمبر/1952، ص: 5.
[111] الدعوة، عدد: 82، في 9/سبتمبر/1952، ص: 5.
[112] F.O.OP. Cit, 96870, JE 1018 - 1, Stevenson - F.O, Cairo, Jan, 1
st, 1952, F.O - Cairo, Jan 15, 1952, F.O.OP Cit, 90109, JE 1013 - 41,
Stevenson - F.O. Cairo, Dec. 4, 1951, No: 135.
[113] F.O. 141, 10121 - 24 - 51 G, Memorandum from Cecil Campbell Oct.22,1952.
[114] روز اليوسف، عدد: 1224، في 27/نوفمبر/1951، ص: 4، الدعوة، عدد: 82، في 9/ سبتمبر/1952، ص: 5.
[115] الجمهورية، عدد: 271، في 8/سبتمبر/1954، ص: 5، طارق البشري: المرجع المذكور، ص: 372.
[116] F.O. 371 - 90109, JE 1013 - 42, Stevenson - F.O, Cairo, Dec. 21, 1951, No: 141.
[117] الدعوة، عدد: 44، في 18 ديسمبر 1951، ص،3عدد 46، في أول يناير/1952، ص: 3.
[118] طارق البشري: المرجع المذكور، ص: 375.
[119] F.O.OP.Cit ليس معنى ذلك بالطبع أن الإنكليز كانوا راضين عن الإخوان،
فقد أدخلوا الجزء المتطرف منهم تحت الاتهام في حريق القاهرة.
[120] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 716، 717، 718، 719.
|
|
---------
(13) تهنئة الهضيبي لحافظ عفيفي - عميل الإنكليز - ، وما أحدثه من أزمة في صفوف الإخوان، وغضب الهضيبي لذلك |
في نهاية عام 1951 عين الملك حافظ عفيفي - المعروف بولائه للإنكليز - رئيساً للديوان الملكي، فذهب إليه الهضيبي ليهنئه.
وسوف نترك الإخوان يقصون علينا هذه القصة:
يقول صالح عشماوي في "مجلة الدعوة": (ففي يوم أول يناير سنة/1952 ظهرت
"الدعوة"، وفي صدرها مقال بقلم كاتب هذه السطور، تحت عنوان؛ "لا مفاوضة ولا
معاهدة"، جاء فيه؛ "كان تعيين حافظ عفيفي باشا رئيسا للديوان الملكي
بمثابة قنبلة في الميدان السياسي، ففي الوقت الذي كفر فيه الزعماء والوزراء
بأسلوب المفاوضات، وفي الوقت الذي التقت فيه الحكومة مع الشعب - لأول مرة -
على طريق الكفاح والجهاد، وفي الوقت الذي يستحث فيه الشعب الحكومة لتسرع
الخطي في هذه السبيل الوحيدة الموصلة لانتزاع الحرية المغصوبة والحقوق
المسلوبة... في هذا الوقت يعين في هذا المنصب الخطير حافظ عفيفي – باشا -
صاحب التصريح المشهور الذي؛ امتدح فيه معاهدة 1936، وأشاد فيه بالدفاع
المشترك، وحبذ الاتفاق، لا مع انكلترا فحسب، بل ومع أمريكا أيضا!"، ثم
مضينا نقول: "ولاعجب إذا فهم الشعب من هذه الملابسات والقرائن آن هناك
اتجاها إلى العودة إلى المفاوضات والوصول إلى اتفاق سريع مع بريطانيا، وكان
رد الفعل - السريع أيضا - مظاهرات قامت في الجامعات في القاهرة
والاسكندرية أدت إلى غلقها، ثم انتقلت الحركة إلى المدارس الثانوية
والصناعية، وانتشرت المظاهرات فشملت الأقاليم جميعا، وشاركت مدارس البنات
ومدارس البنين"، ثم علقنا على هذه المظاهرات التي هتف فيها بسقوط الملك
الفاجر – فاروق - فقلنا: "وتدل هذه الظاهرة على احساس مرهف ووعي ناضج،
للشعب عامة والطليعة المثقفة خاصة").
ثم يقول صالح عشماوي في نفس المقال: (ولكن هذا الموقف كان أكبر من أن
يتحمله، أو يتحمل مسئوليته بعض الرؤساء، فصدرت "الدعوة"، وفي صدرها بيان
يعلن للناس إن مجلة "الدعوة" لاتنطق إلا باسم صاحبها ولا تعبر إلا عن رأي
محررها! وكان هذا البيان بمثابة اشارة الهجوم للبوليس السياسي ولرجال
القصر، فقد توالت المصادرات المتتابعة لأعداد "الدعوة"، والتحقيق معي بوصفي
رئيس التحرير) [121].
ونحن ننقل هنا نص البيان لأهميته (بيان؛ جاءنا البيان التالي: يكرر
"المركز العام" للإخوان المسلمين أن مجلة "الدعوة" لا تصدر عنه ولا تنطق
بلسانه ولا تمثل سياسته، وأنها صحيفة شخصية تعبر عن أراء صاحبها، ولا تتقيد
دعوة الإخوان المسلمين بما ينشر فيها.
عبد الحكيم عابدين
السكرتير العام) [122].
ويقول أحمد جلال باستخدام التلميح: (وفي عهد فاروق كان للإخوان المسلمين
مجلة، وكان الإخوان المسلمون يكتبون فيها عن المآسي والمهازل التي تمت في
هذا العهد المظلم، وطالما بينوا رأيهم فيما كان يحدث في عهد الإرهاب، وقد
تحمل هؤلاء الإخوان التهديد والمصادرة من رجال العهد البائد، بل إنهم قد
تحملوا بعض الأذي من بعض "الإخوان المسلمين"، وهم ولله الحمد قليلو العدد.
وظلت "مجلة الإخوان" تكتب عن عهد الإرهاب، وعهد فاروق وتبين للناس إن هذا
العهد زائل لامحالة، وإن كل الجهود التي تبذل ان هي إلا محاولة يائسة
لزخرفة انقاض هذا العهد أو محاولة فاشلة لانقاذ ما لا يمكن انقاذه وتعرض
الكتاب في هذا لبلاء لم يعلم به إلا الله وحده، وتعرضت المجلة لقرار يصدر
من "مكتب الإرشاد" بأنها لا تمثل الإخوان المسلمين ولحرب شعواء بين صفوف
الإخوان أنفسهم، ما زالت مستمرة للآن) [123].
أما محمد الغزالي فيقول - بعد أن سرد موقف الهضيبي من كتائب الإخوان
الفدائية في القناة، وهو ما سنعرضه تفصيلا فيما بعد - يقول: (فلما تولى
حافظ عفيفي باشا رياسة الديوان الملكي يومئذ، وعرف القاصي والداني ان الملك
فاروقا جاء به للاجهاز على حركات المجاهدين واعادة الروابط المتقطعة مع
انكلترا، وإقامة حكم يسالم الانكليز ويطعن الفدائيين من الخلف، سارع
الاستاذ حسن الهضيبي إلى تهنئة الرجل بمنصبه مراغما بهذا المسلك شعور الأمة
الغضبي والإخوان المشدوهين، وغلبني السخط على ذلك العمل الشاذ، ورأيت
إنقاذا لكرامة الإسلام ودعوته؛ إن أصور الموقف الذي يجب أن يقفه الإخوان
المسلمون، فنحن لا نتبع ملكا خائنا، ولا نؤيد سياسة غادرة، ومن ثم نشرت بـ
"جريدة المصري" في 31/12/1951، كلمة تحت عنوان؛ "لن تبلغ أمة أهدافها إلا
إذا نظفت جبهتها الداخلية").
ثم يستطرد بعد أن ذكر كلمته: (ماذا في تلك الكلمة يغضب المرشد العام؟! لقد اعتبرني يوم صدورها خارجا على الجماعة) [124].
وتلخص د. لطيفة محمد سالم هذه الحادثة فتقول: (وتفاقمت الخلافات بين أعضاء
"مكتب الإرشاد" والهضيبي، بعد أن استتب الوضع للجماعة، ولكنه نظرا
للصلاحيات التي يخلعها النظام على المرشد العام، أمكنه توجيه سياستها وفقا
لمشيئته، ومع نهاية عام 1951 حدث تصدع ظهرت صورته بوضوح عندما ذهب الهضيبي
إلى حافظ عفيفي عقب يومين من تعيينه رئيسا للديوان ليهنئه بالمنصب الجديد،
رغم أن القاصي والداني علم أن فاروقا جاء به للإجهاز على الحركة الوطنية
ومسالمة الانكليز، وردا على هذا التصرف كتب محمد الغزالي - أحد أعضاء "مكتب
الإرشاد" - مقالا في صحيفة المصري بعنوان؛ "لن تبلغ أمة هدفها إلا إذا
نظفت جبهتها الداخلية"، تكلم فيه عن الإسلام ومناداته بالاشتراكية
الإسلامية، ورفض الإخوان الارتباط بأية كتلة معتدية، وأنه لا يجوز بقاء أي
جندي انكليزي في العالم الإسلامي، ثم يبين أن الإخوان أدوا واجبهم في معركة
القناة، وأن للأمة أن تعتمد على رجولتهم دائما، وغضب المرشد العام من
المقال واعتبر الغزالي خارجا عن الجماعة.
وعندما هاجمت "مجلة الدعوة" تعيين رئيس الديوان، أصدر عبد الحكيم عابدين -
السكرتير العام للجماعة - بيانا قال فيه؛ إن المجلة لا تصدر عن "المركز
العام" للإخوان ولا تنطق بلسانه) [125].
ويجب ألا نمر مروراً سريعا عندما يرد اسم محمد الغزالي، فهذا الذي حمل
راية المعارضة ضد الهضيبي عام 1951 بدعوى تأييد الجهاد، ما لبث أن تحول إلى
بوق من أبواق الدعاية للطواغيت، يستخدمونه للصد عن سبيل الله بتخذيل
المجاهدين وتثبيط همم الشباب المسلم المجاهد، ومن هذا مشاركته في البيان
الخبيث الذي أصدرته الحكومة المصرية في 1/1/1989 على لسان حشد من علماء
السوء وأئمة الضلال - منهم محمد الغزالي - ومما جاء في هذا البيان:
(إن الإصلاح الذي ينشده الإسلام للمجتمع في شئونه كلها، يعتمد - أول ما
يعتمد - على الإقناع والتربية والحوار العاقل، ويرفض رفضا حاسما اللجوء إلى
العنف أو الإكراه أو استباحة حقوق الآخرين باسم الدين، وقد وضعت الشريعة
الغراء طرقا واضحة لتغيير العوج والإنحراف، ليس منها الاتهام بالكفر أو
الطفرة في بلوغ الهدف، وذلك ما عنته الآية الكريمة في قوله تعالى: {ادع إلى
سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن}، ولقد تعددت
الأحاديث النبوية الشريفة التي تنهي عن تكفير المسلم، ومن ذلك ما أخرجه
البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال
وإلا رجعت عليه"، وأخرج البخاري ومسلم أيضا عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله
وليس كذلك إلا حار عليه أي رجع عليه"، ونحن نعتقد في إيمان المسئولين بمصر
بأنهم لا يردون على الله حكما ولا ينكرون للإسلام مبدأ، وإنهم يعملون على
أن تبلغ الدعوة الإسلامية مداها، تحقيقا وتطبيقا...)، إلى آخر بيان الضلال
الذي وقعه؛ الشيخ محمد متولي الشعراوي، الشيخ محمد الغزالي، د. يوسف
القرضاوي، الشيخ عبد الله المشد، الشيخ محمد زكي إبراهيم، د. عبد المنعم
النمر، محمد الطيب النجار، الشيخ عطيه صقر.
ولم يستح الذين أصدروا البيان من أن يقولوا: "إنهم ليسوا من علماء السلطة
ولا من رجال الشرطة" [126]، رغم قول وزير الأوقاف محجوب إنه هو الذي
اختارهم.
وفي "جريدة الأهرام" [127] في حوار مع الغزالي، سُئل؛ (يقال؛ إن وزير
الأوقاف كان وراء البيان الذي أعلنه فضيلة الشيخ الشعراوي؟)، فأجاب
الغزالي: (افرض أن وزير الأوقاف تفاهم معنا وقال؛ أريد أن أعرف موقف
العقلاء من حملة الدعوة الإسلامية في مسالك بعض الذين يرتكبون أخطاء في
أسلوب الدعوة أو في فهمها، فهل يكون الوزير مخطئا عندما يسألنا في شيء من
رسالتنا) انتهى.
وهذا نموذج من إفرازات جماعة الإخوان، إذ شارك قطبان من أقطابها في إصدار بيان الضلال؛ محمد الغزالي ويوسف القرضاوي.
قال تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا}.
[121] الدعوة: العدد: 155، 28/جمادي الأولى/1373، 2/2/1954، ص: 4، ص: 13.
[122] الدعوة: العدد: 47، 10/ربيع الثاني/1371، 8/1/1952، ص: 1.
[123] الدعوة: العدد: 151، 29/ربيع الثاني/1371، 5/1/1954، ص: 3.
[124] الدعوة: العدد: 152، 7/جمادي الأولى/1373، 12/1/1954، ص: 3.
[125] د. لطيفة محمد سالم: المرجع المذكور، ص: 719، جريدة الشعب الجديد،
عدد: 36، في 27/12/1951، ص: 3، راجع أيضا طارق البشري: المرجع المذكور، ص:
374.
[126] الأخبار 2/1/1989.
[127] 19/1/1989، ص: 11.
|
|
|