حاتم الأصم
الزاهد القدوة الرباني،
أبو عبد الرحمن ، حاتم بن عنوان بن يوسف
البلخي الواعظ الناطق بالحكمة ، الأصم ، له كلام جليل في الزهد
والمواعظ والحكم ، كان يقال له : لقمان هذه الأمة .
روى عن : شقيق البَلْخي ، وصحبه ، وسعيد بن عبد الله الماهِياني، وشداد بن حكيم ، ورجاء بن محمد وغيرهم ، ولم يرو شيئا مسندا فيما
أرى
روى عنه :
مخاطبا نفسه: انت اهون على الله من ان تجوع.. انما يجوع محمد واصحابه .
روى عنه : عبد الله بن سهل الرازي ، وأحمد بن خضرويه البلخي ،
ومحمد بن فارس البلخي ، وأبو عبد الله الخواص ، وأبو تراب النَّخْشَبي ،
وحمدان بن ذي النون ، ومحمد بن مكرم الصفار ، وآخرون . واجتمع
بالإمام أحمد ببغداد .
قيل له : على ما بنيتَ أمرك في التوكل ؟ قال : على خصال أربعة :
علمت أن رزقي لا يأكله غيري ، فاطمأنت به نفسي ، وعلمت أن عملي لا
يعمله غيري ، فأنا مشغوله به ، وعلمت أن الموت يأتي بغتة ، فأنا أبادره ،
وعلمت أني لا أخلو من عين الله ، فأنا مستحي منه .
وعنه : من أصبح مستقيما في أربع فهو بخير : التفقه ، ثم التوكل، ثم الإخلاص ، ثم المعرفة .
وعنه : تعاهد نفسك في ثلاث : إذا عملت ، فاذكر نظر الله إليك ،
وإذا تكلمت ، فاذكر سمع الله منك ، وإذا سكتَّ ، فاذكر علم الله فيك .
قال أبو تراب : سمعت حاتما يقول : لي أربعة نسوة ، وتسعة
أولاد ، ما طمع شيطان أن يوسوس إليَّ في أرزاقهم . سمعت شقيقا
يقول : الكسل عون على الزهد .
وقال أبو تراب : قال شقيق لحاتم : مُذْ صحبتني ، أي شيء تعلمت
مني ؟ قال : ستَّ كلمات : رأيت الناس في شك من أمر الرزق ، فتوكلت
على الله
. قال الله تعالى :
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا
.
ورأيت لكل رجل صديقا يفشي إليه سره ، ويشكو إليه ، فصادقت
الخير ليكون معي في الحساب ، ويجوز معي الصراط .
ورأيت كل أحدٍ له عدو ، فمن اغتابني ليس بعَدُوِّي ، ومن أخذ مني
شيئا ليس بعدُوِّي ؛ بل عدوي من إذا كنت في طاعة ، أمرني بمعصية الله ،
وذلك إبليس وجنوده ، فاتخذتهم عدوا وحاربتهم .
ورأيت الناس كلهم لهم طالب ، وهو ملك الموت ، ففرَّغت له
نفسي .
ونظرت في الخلق ، فأحببت ذا ، وأبغضت ذا . فالذي أحببته لم
يعطني ، والذي أبغضه لم يأخذ مني شيئا ، فقلت : من أين أُتيت ؟ فإذا هو
من الحسد فطرحته ، وأحببتُ الكل ، فكل شيء لم أرضَه لنفسي لم أرضه لهم .
ورأيت الناسَ كلهم لهم بيت ومأوى ، ورأيت مأواي القبر ، فكل شيء
قدرت عليه من الخير قدمته لنفسي لأعمر قبري .
فقال شقيق : عليك بهذه الخصال .
قال أبو عبد الله الخواص : دخلت مع حاتم الأصم الري ، معنا ثلاث
مائة وعشرون رجلا نريد الحج ، عليهم الصوف والزَّرْبَنَانْقَاتُ ، ليس
معهم جِرابٌ ولا طعام .
قال الخطيب : أسند حاتم بن عنوان الأصم ، عن شقيق ، وسمى
جماعة .
ويروى عنه قال : أفرح إذا أصاب من ناظرني ، وأحزن إذا أخطأ .
وقيل : إن أحمد بن حنبل خرج إلى حاتم ، ورحب به ، وقال له :
كيف التخلص من الناس ؟ قال : أن تعطيهم مالك ، ولا تأخذ من مالهم ،
وتقضي حقوقهم ، ولا تستقضِ أحدا حقك ، وتحتمل مكروههم ، ولا
تكرههم على شيء ، وليتك تَسْلَم .
وقال أبو تراب : سمعت حاتما يقول : المؤمن لا يغيب عن
خمسة : عن الله ، والقضاء ، والرزق ، والموت ، والشيطان .
وعن حاتم قال : لو أن صاحب خبر جلس إليك ، لكنت تتحرز
منه ، وكلامك يعرض على الله فلا تحترز ! .
قلت : هكذا كانت نكت العارفين وإشاراتهم ، لا كما أحدث
المتأخرون من الفناء والمحو الجمع الذي آل بجهلتهم إلى الاتحاد ، وعدم
السِّوَى .
قال أبو القاسم بن منده ، وأبو طاهر السلفي : توفي حاتم الأصم -رحمه الله- سنة
سبع وثلاثين ومائتين
.