السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 



كنت قد نشرت خبر منذ عدة ايام عن نجاح عالم امريكى عن تخليق اول خلية اصطناعية وذلك لاول مره فى تاريخ البشرية 

الحقيقه انى اهتممت بالموضوع كثيرا وتابعت الاحاديث والتعليقات حول هذا الموضوع فى القنوات الفضائية ومواقع الانترنت 

ومن المتوقع ان يثير هذا الموضوع جدلا دينيا واخلاقيا حول حدود ما يمكن ان يبحث عنه الانسان 

واثناء البحث هذا الشرح الواضح والتفصيلى لهذا الموضوع وهو لدكتور مصرى مقيم فى لندن يدعى الدكتور ياسر نجم وقد تناول هذا الموضوع بانصاف شديد 

فقد طرح مجموعه من الاسئله هل يعد هذا الموضوع انجازا فى تاريخ البشريه ؟ ولكن اهم ما طرحه من وجهة نظرى كان هل يعد ما فعله العالم فنتر يعد حقيقة خلق لخليه اصطناعية ؟ 

ولم يعرض الدكتور رايه الشخصى فقط بل استعرض راى كبار علماء الجينات والاحياء على مستوى العالم ونقل ما ذكروه بخصوص هذا الاكتشاف 

لذلك وجب نقل هذا المقال الهام جدا وهو من اروع المقالات التفصيلية التى وجدتها تتحدث عن هذا الموضوع وباللغه العربيه 


والان الى المقال 




صنع أول خلية حية فى المعمل..هل هو خلق حياة ؟

للوهلة الأولى يبدو السؤال مفروغا منه..وليست له إلا إجابة واحدة تسوقها صياغته..
إذا لم يكن (صنع) (أول) خلية (حية) فى المعمل (خلقا) لحياة..فما هو خلق الحياة اذن؟؟؟!!
هذه هى مشكلة عنونة الأخبا
ر العلمية بصياغات (تجارية) بغرض تسويقها..وهى فى الأساس مشكلة لمن يكتفون من الأخبار بقراءة عناوينها..خاصة إذا كانت لهم أهواءا مسبقة تحرك قراءاتهم العلمية لإثبات أو نفى معتقدات بعينها...
وبما أن هذا الخبر بالذات قد أثار الكثير من اللغط والبلبلة فى أمور يتشابك فيها العلم مع الإيمان..رأيت أن من واجبى بحكم إنتمائى الإحترافى للعلم وإنتمائى الفكرى للمهتمين بمثل هذه القضايا أن أشرح وأن أبسط..




ماذا حدث يوم 19 مايو 2010؟



يعتبر هذا اليوم يوما تاريخيا بكل المقاييس فى مسيرة الإنجاز العلمى..ففيه أعلن د.كريج فنتر رئيس المعهد الذى يحمل إسمه فى كاليفورنيا - الولايات المتحدة الأمريكية..عن تصنيع أول خلية حية فى المعمل..أو بتعبير آخر "خلق حياة صناعية"..وهو بالطبع إنجاز لم يسبقه إليه أحد..وقد أنفق المعهد 40 مليون دولارا على هذه التكنولوجيا..وقال الدكتور فنتر فى معرض تصريحاته عن هذا التطور أنه سيعود على البشرية بنفع هائل خاصة فى مجالات إنتاج الأدوية والوقود ومكافحة تلوث البيئة..وتواردت الأنباء عن عقد اتفاقات بين شركات الأدوية الكبرى وشركات إستغلال الطحالب لتمويل أبحاث د. فنتر فى مقابل الإستفادة التجارية من خلاصة تجاربه المعملية..

وعلى الرغم من أن الإنجاز أثار جدلا كبيرا ليس فقط بين العامة ولكن أيضا فى قلب الأوساط العلمية ،فقد اتفق الجميع على أهميته المحورية البالغة وأنه نقطة تحول هائلة فى تاريخ العلم..




إنجاز معملى رائع


لكى يصل الدكتور فنتر ورفاقه إلى هذا الإنجاز..كان عليهم أن يكدوا لعشر سنوات عبر رحلة كفاح مبهرة داخل معاملهم...وأثمرت تلك الرحة عن صنع الخلية الحية عبر الخطوات التالية

1- قام الفريق بتحليل تركيب المادة الوراثية (الدى ان ايه) لبكتيريا بدائية تسمى "مايكوبلازما مايكويدس" وهو نوع بدائى من الميكروبات يصيب الماعز..وفى حالة هذه المخلوقات البدائية تعتبر المادة الوراثية هى المركز الذى يتحكم فى كل وظائف الخلية وسلوكياتها..نستطيع أن نقول أنها جهاز التحكم فى الخلية...





2- قام العلماء بتصنيع مادة وراثية من مجموعة أحماض محضرة معمليا ثم ركبوها عن طريق الكمبيوتر بنفس الترتيب الطبيعى الخاص بالمايكوبلازما فى داخل خلايا فطرية طبيعية..مع إضافة بعض الشفرات للتمييز بين الخلايا التى ركبوا مادتها الوراثية والخلايا الطبيعية




الدوائر الصفراء هى الشفرات التى ميز بها الفريق الدى ان ايه الصناعى والباقى عبارة عن تقليد منسوخ للدى ان ايه الطبيعى تم تركيبه فى المعمل..


3- بمجرد أن تم زرع الخلايا الجديدة داخل الفطريات قامت بالتكاثر وأنتجت ملايين البكتيريا المماثلة تماما للخلايا ذات المادة الوراثية الصناعية بشفراتها المميزة..





هذا هو التطور المعملى المذهل الذى يفتح آفاقا لاستخدام نفس التكنولوجيا مستقبلا فى توليد خلايا ذات خصائص مميزة مؤثرة...مثلا خلايا تمتص العوادم من الجو...أو خلايا تنتج لقاحات..طاقة فى حالة حسن الإستخدام أو أمراض فتاكة فى حالة سوء الإستخدام..ناهيك عن إستعمالات أخرى ربما يعجز العقل البشرى المعاصر عن تخيلها..
وهو ما حفز علماء الأخلاقيات فى كل العالم للتصدى لحرية البحث فى هذا المجال..وتصاعدت دعواتهم لوضع ضوابط محكمة تضمن ألا يؤدى التقدم فى هذا المضمار لكوارث وخيمة تدمر البشرية..

من الناحية العلمية المتخصصة ليس خلقا لحياة



" عمل فنتر إنجاز كبير..ولكنه ليس خلقا لحياة صناعية..خلق حياة صناعية يتطلب تصنيع خلية كاملة من مواد كيمائية"



بول نيرس عالم الأحياء البريطانى الفائز بجائزة نوبل







" البكتيريا ليس فيها روح..ولم تتغير أى من وظائفها فى هيئتها الصناعية"



أندى الينجتون - عالم احياء تصنيعية بجامعة تكساس






" هذه التجربة يمكن مضاهاتها بزرع الأعضاء ولكنها لا تضاهى خلق خلية..الخلية الجديدة ببساطة تحمل مادة وراثية صناعية، ولكن كل مكوناتها الأخرى نشأت من الخلية الأصلية الطبيعية.."



بى جى راو - رئيس معهد مومباى للأبحاث الأساسية






" ما يفرق بين حقيبة من المادة الوراثية وخلية حية متكاثرة ما يزال غير واضح وغير قابل للصنع"



كريستينا أجاباكيس - عالمة أحياء






"فى حالتنا هذه..الخلية الأصلية ينظر لها على أنها مجرد هيكل يحتوى على المادة الوراثية المصنعة ولكن الخلية الأصلية فى الحقيقة أعقد بكثير من كونها مجرد هيكل"



ديباك بنتال - عالم تقنيات الأحياء ونائب رئيس جامعة نيودلهى 






" أعتقد أن كريج فنتر بالغ فى أهمية إنجازه..إنه لم يخلق حياة..فقط قلدها ونسخها"



ديفيد بالتيمور - عالم وراثة بمعهد كاليفورينا للتكنولوجيا






"لقد خلقنا أول خلية صناعية..قطعا نحن لم نخلق حياة من العدم لأننا استخدمنا خلية طبيعية لتشغيل المادة الوراثية الصناعية"



فنتر نفسه بعد انتقاد صياغة خبر الإنجاز







هل يعمل فنتر بشكل علمى متجرد منزه عن الهوى لصالح البشرية؟






الإجابة فى الواقع تأتى بالنفى فى حالة فنتر تحديدا..

فنتر له سمعة عالمية كعالم مجتهد ولكنه فى الوقت نفسه شره للمال وللإستعراض الإعلامى..
الموضوع له خلفيات بدأت منذ التسعينات...حينما كان فنتر يعمل مديرا لمعهد الأبحاث الوراثية الحكومى فى الولايات المتحدة واصطدم بعدد من القيادات الإدارية والعلمية فى إطار الإعداد لمشروع الجينوم البشرى..الذى كان يعد لرسم خريطة الجينات البشرية بالكامل..
بعد حدوث الصدام والفشل فى رأبه..قرر فنتر أن يستقل عن الحكومة ليقود مشروعه العلمى على مستوى القطاع الخاص من خلال المعهد المسمى بإسمه ومؤسسة سيليرا..
منذ ذلك الحين تحول موضوع الأبحاث الوراثية لما يشبه الحرب بين المشروع الحكومى بقيادة فرانسيس كولينز والمشروع الخاص بقيادة فنتر..وقد وجهت انتقادات على مر السنين للجانبين..انتقادات للجانب الحكومى بالبطء فى الإنجاز بسبب عقم الروتين والبيروقراطية..وانتقادات للجانب الخاص بالرغبة فى الإثراء من المشروع عن طريق الإستئثار بحقوق ملكية نتائج الأبحاث المعملية..
وعلى الرغم من أن المعركة لم تحسم بالكامل لصالح أى من الطرفين إلا أنها كانت فى صالح البشرية..إذ أسفرت عن تنازل من كل طرف..الحكومة تخلصت من البطء غير المبرر وأنجزت المشروع قبل موعده المقرر بعامين..وفنتر قدم تنازلات عن بعض حقوق الملكية طوعا وكرها...
وقد كان الجدل المثار حول هذا الأمر موضوعا لكتب ومقالات ومناظرات شغلت الأوساط العلمية طويلا





والمعركة لم تنته بعد...

مازالت مستمرة..
وخاصة من جانب فنتر الذى قرر أن يستمر التحدى مدى الحياة وألا يألو جهدا لكى يعلن ما بين الفينة والأخرى عن إنجاز جديد يكبره ويهوله لكى يثبت تفوق مشروعه على المنظومة الحكومية...وهو فى الوقت نفسه يئن تحت وطأة النفقات البالغة التى لا تقوى على منافسة الإنفاق الحكومى على البحث العلمى فى دولة بحجم الولايات المتحدة..
ومع الإعلان عن الإنجاز فى 19 مايو الجارى تجددت الاتهامات لفنتر بمحاولة احتكار البحث العلمى فيما يخص التجارب الوراثية..

من الجدير بالذكر أيضا أن فنتر كتب مذكراته ونشرها تحت عنوان: فك شفرة حياة..وقد استأجر صحفيا من جريدة الديلى تليغراف لوضع لمسات تضفى على الكتاب تشويقا وإثارة وتجميلا لصورته...
وبينما خرجت بعض الصحف بعناوين معتدلة حول إنجاز صنع الخلية مثل جريدة الجارديان التى قالت فى العنوان:
كريج فنتر يخلق شكلا من الأشكال الصناعية للحياة



وجريدة يو اس ايه توداى التى نشرت الخبر تحت عنوان:






فريق كريج فنتر يسبق إلى صنع مادة وراثية تتحكم فى البكتيريا...

نجد جريدة الديلى تليغراف التى استأجر فنتر أحد صحفييها من قبل تخرج بعنوان:
العالم كريج فنتر يخلق حياة فى المعمل للمرة الأولى ليشعل جدلا حول لعب دور الرب


هذه العلاقة بين الصحافة (الحرة) والعلم والمال تثير عندى نوعا من الحساسية والقلق..


هل يمكن أن يخلق الإنسان حياة فى المستقبل؟



يفترض العلماء أن مستقبل العلم فى أغلب الظن سيشهد تطورات أعظم فى هذا المجال..قد تصل لتصنيع بكتيريا كاملة فى المعمل وقد تتطور أكثر لتصنيع عضو بشرى..وربما تتحقق أحلام البعض بتصنيع سوبرمان عن طريق التحكم فى الجينات للوصول للإنسان الكامل..الخالى من الأمراض والعيوب الوراثية..الحامل لصفات منتقاة بعناية ليكون الأجمل والأقوى...

فلنفترض جدلا أن العلم نجح فى إنجاز كل هذا وما هو أكثر وأبعد عن أقصى درجات تخيلنا..هل يعتبر هذا خلقا لحياة؟؟؟




الإجابة أجملها فى النقاط التالية:




- الخلق خلق من عدم..أى صنع تستخدم مادة حية فى أى خطوة من خطواته ليس بخلق..ولكنه تطوير لخلق موجود بالفعل..
فى حالتنا هذه تم استخدام الخلية الأصلية للمايكوبلازما كدليل ونموذج تم تقليد تركيبه..كما تم استخدامها كهيكل للمادة الوراثية..فضلا عن الفطريات التى تم استخدامها فى تكاثر الخلايا..

- حتى الصنع من مادة ميتة لا حياة فيها..لا يعد خلقا..لأن هذه المادة الميتة قد أوجدت فى الكون أصلا بفعل فاعل..
فى النموذج موضوع هذا المقال..المادة الوراثية تم تصنيعها من أحماض كيميائية..وعلى الرغم من أن الأحماض ليست حية، إلا أنها مركبة من مواد موجودة فى الطبيعة أصلا..

- الخلق ليس مجرد عملية تصنيع..الخلق يشمل إبتكارا وإبداعا مستحدثا كما يشمل منظومة متكاملة تكفل انتظام الحياة واستمراريتها..فهل يعتبر تقليد ونسخ منظومة موجودة بالفعل خلقا؟؟؟!!

- المخلوقات البدائية فيها حياة وليس فيها روح..كما أن الخلايا البشرية والحيوانية منفردة خارج الكيان البشرى والحيوانى الواعى فيها حياة وليس فيها روح..
ولتقريب هذه النقطة للفهم..أدعو القارىء الكريم أن ينظر للفارق بين شخص حى واع وآخر ميت على أجهزة صناعية توفر له الأوكسجين والطاقة وسريان الدم و(حياة خلاياه)...كذلك الفرق بين عضو بشرى كجزء من إنسان حى واع وعضو بشرى مبتور خارج الجسد ويتم مده باحتياجاته لاستمرار (حياة خلاياه)..
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)..

- المادة الوراثية بالنسبة لخلية بدائية هى مركز التحكم فى الخلية كما أسلفت فى المقال..ولكنها ليست كذلك بالنسبة للمخلوقات الأرقى..بدءا من الحشرات فما فوقها...لأنها ليست مجرد خلايا متراصة فى عضو أو جسد..هى تحتاج لروح وعقل...والروح والعقل يتجاوزان التركيب التشريحى لجسد المخلوق..
فالذبابة الميتة لا تعود للحياة مهما فعلت بمادتها الوراثية وخلاياها الموجودة بالفعل ولم تختف بموتها..ويستطيع العلم أن يمد هذه الخلايا بما يلزمها لتستمر فى العمل..كل على حدة ولكن ليس كجسد حى واع..
(يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب)

- إذا كان الأمر قد احتاج لفاعل مكون من مجموعة عباقرة أنفقوا 40 مليون دولارا وأمضوا 10 سنوات استخدموا فيها أحدث ما وصلت اليه التكنولوجيا بعد آلاف السنين من التطور العلمى لمجرد أن يقلدوا المادة الوراثية لخلية بدائية..فمن الذى خلق الإنسان الأول..من الذى خلق القرد الأول..من الذى خلق الفأر الأول...من الذى خلق العصفور الأول..من الذى خلق الفراشة الأولى..من الذى خلق المايكوبلازما الأولى؟؟؟؟!!

- أخيرا..الخلق ليس مجرد خلق كيانات منفصلة...الخلق خلق أكوان وبيئات وأنظمة حياة وبشر وحيوانات ونباتات ومخلوقات دقيقة تتعايش كلها مع بعضها فى تناسق وتناغم دون خلل ودون تصادم ودون ارتباك يؤدى لتدمير الدنيا بما ومن فيها..ألا يثير ذلك أفكارا تستحق التأمل عندما نرى صفوة علماء العالم يفزعون من احتمال حدوث كوارث لمجرد صنع مادة وراثية لمخلوق فى بدائية المايكوبلازما مايكويدس؟؟؟!!! 




الى هنا انتهى مقال الدكتور ياسر نجم





اعتقد ان المقال يحتوى على الكثير من المعلومات الهامه جدا والتوضيحات المهمه ايضا لذلك وجب التنويه ونقل المقال 

تحياتى