USATODAY.com News

Friday, September 2, 2011

الشعار الذي منه الجميع ارتجف‏!!‏



بقلم: أشرف عـبد المنعم
أشرف عـبد المنعم



الشعار الذي منه الجميع ارتجف‏!!‏
إسلامية..إسلامية.. منذ أسبوع تحديدا, فاهتزت له مصر كلها و ارتجت; وكما لو أن ما حدث هو اكتشاف جديد لم يكن يخطر علي بال بشر في هذا البلد, ونحن حل بهذا البلد!! فإذا بقمقم القلق يتصدع ليخرج منه مارد الخوف, يكاد كل جزيء فيه يهتز ويرتعد: فليس هذا هو أصل الاتفاق, ولم يكن هذا هو الهدف القابع في ثنايا الحسبان.. ولكن هذا هو ما قد حدث!!أما مكمن استغرابي وتعجبي الشديد إزاء ردة الفعل تجاه هذا الشعار, فهو قدرتنا الرهيبة علي التناقض و خداع النفس أمام أكبر الأمور وأبسطها علي حد سواء; إذ كأن الشعار الذي دوي قد انطلق في أرجاء الفاتيكان مثلا, وليس في أرجاء أمة تتشدق ليلا ونهارا بالإسلام, وعظمة الإسلام,وسماحة الإسلام, وقيم الإسلام, ورقي تعاليم الإسلام.فلما يخرج نفر من هذا البلد يدعو إلي تطبيق الإسلام.. إذا بالجميع يرتجف!!ولكن تري لما يرتجف هؤلاء ؟ أوليسوا مسلمين ؟ فيكون من غير المنطقي أن ينزعجوا من تطبيق تعاليم دينهم ؟ أم تراهم يدعون الإسلام نفاقا لا سمح الله, فلما حان وقت تطبيقه رفضوا تعاليمه ؟ أم تراهم جهال بالإسلام نفسه لا يعرفون عنه سوي القليل مما اعتادوا عليه وارتضوه بالتواتر عن آبائهم في دائرة مفرغة من الجهل المطبق ؟
أعتقد أننا قريبين من مساحة الطرح الأخير وهو الجهل بالإسلام وأننا ارتضينا علي أنفسنا ثوبا ضيقا اقتطعناه من عموم ثوب الإسلام, ثم تصورناه جل الثوب بجهل شديد.نعم,دعونا نواجه أنفسنا بأن جل علمنا بهذا الدين الحنيف لا يتعدي بابا أو بابين أو ثلاثة بحد أقصي في فروع الشريعة الإسلامية لا تخرج عن محيط العبادات كالصلاة والصوم, يزداد عليها أمور نتعلمها بحكم الظروف كالنكاح والزكاة والغسل والتكفين والدفن, وسلاما علي بقية أبواب الفقه, وإن كنت أشك في كوننا علي دراية كاملة بتفاصيل ما أسلفناه أساسا, وإنما اجتهادات سماعية شفاهية تفتقد إلي التفصيلات.فلما يتجسد أمامنا شبح تطبيق الشريعة, سرعان ما نقفز جميعا وفي ذات اللحظة تقريبا إلي باب واحد بعينه, ألا وهو باب الحدود والقصاص, لا عن علم بظروف تطبيق هذا أو ذاك, وإنما عن مخاوف جاهلة سربها إلي نفوسنا من لم يتعلموها أصلاوإنما من سمعوا بها وجعلوا من ظروف تطبيقها نموذجا للعشوائية والبطش وهي من ذلك براء; ذلك لأن أوجه القصاص وإقامة الحدود في الشريعة الإسلامية بها من المخارج المرنة والعادلة ما أتحدي أن ينطوي عليه أي قانون وضعي!! دعني أوضح لك مقصدي:فلقد كان مثلا من بين المسائل الفقهية التي استوقفتني في باب الجنايات وأشعرتني بحجم جهلي قبل دراستها أنه من ضرب رجلا بمر( أي بفأس عريض) فقتله, فإن أصابه بالحديد( أي بالجزء الحديدي من هذا الفأس) قتل به( أي وجب قتله قصاصا), وإن أصابه بالعود( أي بالعود الخشبي المثبتة في آخره قطعة حديد) فعليه الدية!! نحن إذن أمام حالة قتل عمدي بكل ملابساتها بمنطق القانون الوضعي, وبالرغم من ذلك فإن الجزء المستخدم في القتل يعد هو الأهم إسلاميا إلي الدرجة التي تجعل من الإصابة بالجزء الحديدي دليلا علي نية القتل, بينما الجزء الخشبي فيه خلاف, رغم أن الفعل واحد والنتيجة واحدة!! ذلك لأن العصا الحاملة للفأس هي في الأصل آلة تأديب وليست آلة قتل,وهي بمنزلة السوط أي الكرباج!! حتي وإن وجه القاتل للمقتول عدة ضربات متوالية بالعصا فأرداه قتيلا( وفيه خلاف بين الحنفية والشافعية; إذ يراه الشافعي دليلا علي عمدية القتل في هذه الحالة, بينما يري فيه أبو حنيفة شبهة عدم العمدية وأن الشبهات تدرأ الحدود)!!أعطيك مثالا آخر أكثر غرابة: من غرق صبيا أو بالغا في البحر,فلا قصاص هكذا يري أبو حنيفة النعمان; ذلك لأن الآلة المستخدمة في القتل ونقصد هنا الماء غير معدة للقتل أساسا ولا مستعمله فيه لتعذر استعمالها, ومن ثم تمكنت شبهة عدم العمدية في القتل; فالماء ليس أداة قتل وإنما له استخدامات أخري تجعل من شبهة استخدامه في القتل أمرا يضعف العمدية!!الأغرب والأغرب من ذلك هو فكرة عفو أولياء القتيل; فإذا عفي واحد فقط من أولياء القتيل عن القاتل نجا, حتي وإن رفض بقية الأولياء ذلك مجتمعين!! بل والأكثر من ذلك أنه إذا ارتضي القاتل أن يقتل( بضم الياء) عقابا له علي جريمته, ثم عدل أولياء القتيل عن قتله, فلهم أن يجبروه علي دفع المال بدون رضاه دفعا للهلاك!! ما هذا ؟ وأي تراحم هذا وأي سمو ؟ نحن إذن لسنا أمام مجزرة دموية ورغبة حثيثة في إراقة الدماء كما يتصورها الجهال من الناس ويصورونها لبقية الجهال منا لبث روح الخوف في النفوس, فكلما تفوه إناس بالشريعة ارتجفت البقية
وأترك الدماء جانبا, وأحدثك مثلا عمن يجوز عليه دفع الزكاة في الشريعة الإسلامية: فهل تعلم أن من استوفي جميع مصروفاته وقضي كل حاجاته فلم يتجاوز( صافيمكسبه ما يعادل15 ألف جنية في السنة بعد ذلك, فإنه لا يجب عليه دفع زكاة المال!! بل والأكثر من ذلك أنه يحق له أن يتلقي الزكاة ممن حق عليهم دفع زكاة المال!!أي تكافل هذا ؟ وأي فكر اقتصادي قويم في مقابل( مذبحة ضرائبية) سنوية ينصهر فيها الناس ويكتوون بنيرانها علي يد الدولة التي لم تتواني يوما في اختراع ضريبة تلو أخري أثقلت كاهل الناس وأعدمتهم بهجة الحياة!!ثم تسمع بعد ذلك عمن يتشدقون بجهل للأسف بمزايا العلمانية وفصل الدين عن الدولة, وقد ينزعج البعض من وصفي لهؤلاء بالجهل, حسنا, ولكن هل يسمح لي هؤلاء بسؤال بسيط أعتقد أنه لم يخطر لهم ببال:أي دين الذي تودون فصله عن أي دولة تحديدا ؟
أم تراها عبارة رنانة تسيرون في رحابها دون تمييز؟ فهل كلمة دين تلك هي كلمة عامة أم تراها تختلف من دين إلي آخر; وهل لكون أوروبا قد رفعت شعار فصل الدين عن الدولة أن ننخرط نحن في ذات المطلب دونما إدراك بأن الدين الذي أرادوا فصله هناك هو الديانة المسيحية تحديدا وما أحاط بها من ملابسات في إطار التاريخ الأوروبي ما دفع الناس هناك إلي الإلحاح في فصل هذا الدين تحديدا عن الدولة هناك ؟ فما علاقة الديانة المسيحية بالديانة الإسلامية ؟ ثم ما علاقة الدولة في أوروبا بالدولة عندنا ؟ وهل أصبحنا من السطحية إلي الدرجة التي تجعلنا نردد الشعارات كالببغاوات دون آدني تفكير!!ثم لأجدني ألتفت إلي جل المنزعجين المتناقضين من المسلمين فأسأل:إذا كان تطبيق الإسلام مزعجا إلي هذا الحد, فهلا أجابني أحدهم وبمناسبة هذا الشهر الكريم: لما تحمل مشقة الصوم أصلا في المقابل ؟ فهل ترانا نؤمن ببعض الكتاب ولا نؤمن ببعضه ؟ أم تري الصوم شيئا والإسلام شيئا آخر ؟ أم تري الصوم قد أصبح في بلادنا مجرد فكرة فولكلورية دأب الناس علي إحيائها سنويا دون علم بأصل فكرتها كنوع من التفاعل التلقائي مع موسم الدراما التليفزيونية وبرامج الكاميرا الخفية عقب الإفطار?








الشعار الذي منه الجميع ارتجف‏!!(2)‏
حدثتك في الأسبوع الماضي عن ذلك الشعار الذي انطلق في جوف القاهرة: إسلامية.. إسلامية, وما أسفر عنه في المقابل من مخاوف رأيت أن مبعثها الجهل بالشيء وقوامها المعلومات المنقوصة.وأصارحك القول بأنه لمن دواعي الإنصاف والأمانة أن أعترف بأنه لم يحدث وأن استقبلت, منذ أن بدأت أسطر هذا المقال أسبوعيا وطيلة عشر سنوات متصلة إلي الآن, هذا العدد من الرسائل والتعليقات كتلك التي استقبلتها علي مدي الأسبوع الماضي, بعد نشر هذا المقال الذي قررت فيه أن أخترق حاجز الصمت الرهيب بسرعة الضوء, فسرعان ما تهاوي الحاجز ليكشف عن نمطين مختلفين من بشر: منهم من تصالح مع نفسه بشجاعة فارتضي منطقية ما طرحت; ومنهم من أسفر عن نموذج عقلي متخبط معتمد في عناده علي الجهل بالشيء واستسلام لترويج الجهال لكرة النار كي تمتد وتستعر!!.ولقد لاحظت أن معظم المستنكرين لما كتبت ــ وهم قلة بالقياس للمؤيدين بالمناسبة ــ قد انصب جام خوفهم من الشريعة الإسلامية علي تطبيق الحدود وبالذات حد السرقة, فيستنكر جميعهم مجتمعا تقطع فيه الأيادي, وما إلي ذلك من مخاوف لو يعلمون هي في الأصل مبنية بجلاء علي معلومة خاطئة راحت تتنامي ككرة الثلج في عقولهم البسيطة فصارت جبلا جليديا!! كما لو كانت السرقة فضيلة أو شيئا نبيلا مثلا يجب العمل علي نشره وحمايته وحماية القائمين عليه والدفاع عنهم, فجاءت الشريعة الإسلامية لتقاوم انتشار وتفشي هذه الفضيلة في المجتمعات ــ السرقة!! أما أن تكون السرقة شيئا بغيضا مثلا أو أن تكون معظم حالات السرقة مقترنة بالقتل مثلا فهذا أمرلا يعنيهم, كلا.. بل إن يد السارق في نظرهم هي الأهم; مال الشريف وحقوقه لا تعنيهمويد السارق هي الأهم!!وعموما, وقبل أن يتفتق ذهن غير الراضين عما أكتبفيتساءلون سؤالا ساذجا يعتقدون فيه قمة العمق فيقولون: وهل نحن طالبنا بإعفاء السارق من العقوبة ؟ نحن فقط نعترض علي أسلوب العقاب ــ قطع اليد!! هكذا سيتساءلونولذا دعني أصدمهم بما لا يعـرفون:بداية, ما هو تعريف السرقة في الإسلام أساسا ؟
السرقة في الفقه الإسلامي هي أخذ الشيء من الغير علي سبيل( الخفيةو(الاستسرار)!!إذن, فكلمة سرقة ليست كلمة مطلقة مترامية الأطراف كل الهدف من ورائها قطع الأيدي والسلام!! الأمر إذن مرتبط إسلاميا بالخفية والاستسرار; أي مسارقة عين مالك الشيء أو من يقوم مقامه, وتعرف هذه بالسرقة الصغري; أما النوع الثاني من السرقة فهو مسارقة عين الإمام; وهي قطع الطريق علي الناس, علي اعتبار أن الإمام بمعني الحاكم وأعوانه هم المعنيون بحفظ الطريق, وتعرف تلك بالسرقة الكبري.أما الأهم من الخفية أو الاستسرار في الفقه الإسلامي فهو فكرة الحرز وهو نوعان: الأول, بمعني المكان المعد لإحراز الأمتعة كالدور والبيوت والصندوق والمحال والخزائن وما شابه ويسمي هذا الحرز بالمكان; والثاني, ويسمي الحرز بالحافظ, وهو كمن جلس عند متاعه يحفظه أو كمثل الغفير يحفظ مكانا أو بضاعة أو ما شابه!!اختراق هذا الحرز وأكرر علي سبيل( الخفية) أو( الاستسرار) أي سرا هو المعتد به سرقة تستحق قطع اليد في الإسلام, أما ما دون ذلك فيعد سرقة أيضا ولكنه لا قطع فيها, وإنما تعزير أي عقوبات لا علاقة لها بإقامة هذا الحد تحديدا( القطع)!! علما بأنه ويشترط في الحرز الكمال; أي أن يكون محكما لا يسهل الوصول إليه أو اختراقه و إلا انتفت فكرته فلم يعتبر حرزا!!.أما المدهش في الإسلام فهو عبقرية توصيف الحرز نفسهفليس كل أربعة جدران حرزا!! دعني أوضح:فمن سرق من أبويه أو ولده أو ذي رحم محرم منه لا تقطع يده ذلك لأن دخول الحرز ــ البيوت هنا مثلا ــ مباح في الوضع العادي لمن سرق فهي ليست بالنسبة للسارق حرزا!! وكذا إذا سرق أحد الزوجين من الآخر لا تقطع, وذلك لانتفاء شروط الحرز بينهما!! أما المفاجأة الحقيقية فإليك بها:إذا نقب اللص البيت فدخل وأخذ المال وناوله آخر خارج البيت فلا قطع عليهما لماذا ؟ لأن الأول لم يخرج بالمال من الحرز, والثاني لم يخترق الحرز أصلا أية تفاصيل عجيبة تلك؟ وأي توخي للحذر هذا من الظلم؟
و لا قطع علي خائن أو خائنة ونقصد هنا خائن الأمانة, وذلك لقصور في الحرز, فما دمت قد ائتمنت شخصا علي شيء, انتفت فكرة الحرز بالنسبة له!!ولا قطع علي منتهب ولا مختلس ذلك لأن الاثنين يجاهران بفعلهما ــ أي السرقة ــ فتنتفي فكرة الخفية والاستسرار!!أما الصدمة الصادمة فهي أن السارق من بيت المال لا يطبق عليه حد السرقة; ذلك لأن بيت المال به مال عام والسارق شريك فيه ضمنيا, وكذا بالقياس فإنه لا يطبق حد السرقة علي سارق من شركة هو شريك فيهالذات السبب!!ولا قطع فيما يوجد تافها مباحا في دار الإسلام كالخشب والحشيش أي الحشائش والقصب والسمك والطير والصيد..!!ولا قطع فيما يتسارع إليه الفساد كاللبن واللحم والفواكه الرطبة!!ز ولا قطع في الفاكهة علي الشجر والزرع الذي لم يحصد إن سرقها السارق ليأكلها لا ليبيعها!! بل و لا قطع في الطعام أساسا إلا إذاأواه الجرين ــ أي تمت تعبئته في أكياس أو أشولة ــ ذلك لأن الجرين يقوم مقام الحرز!!الأخطر من كل ذلك مجتمعا في الشريعة الإسلامية هو نصاب السرقة نفسه; أي ذلك المبلغ الذي تحتسب عنده السرقة سرقة: فهل تعلم أن سرقة ما دون الألف جنيه لا يقام فيه الحد; ذلك لقول الفقهاء إذا سرق العاقل البالغ عشرة دراهم أو ما يبلغ قيمته عشرة دراهم مضروبة من حرز لا شبهة فيه وجب عليه القطع والعشرة دراهم من الفضة تساوي دينارا, والدينار يساوي مثقالا من الذهب المدموغ والمثقال خمسة جرامات إلا ربع!!أما المدهش فهو أن حد السرقة لا يقام إلا بشهادة شاهدين, فإذا تعذر وجودهما لا يقام الحد إلا بإقرار من السارق نفسه مرة واحدة( عند أبي حنيفة وتلميذه محمد ابن الحسن), أما تلميذه أبو يوسف ــ قاضي القضاة ــ فيري أن إقرار السارق لا يعتد به إلا إذا أقر بذلك مرتين, وفي مجلسين مختلفين ــ أي أمام محكمتين, فإذا لم يقر السارق بسرقته لا يقام عليه الحد لأنه لا شهود عليه!!أما الأكثر إثارة للدهشة, فهو أنه إذا اشترك جماعة في سرقة فأصاب كل واحد منهم عشرة دراهم قطع, وإن أصابه أقل لا يقطع!! أي أنه لو اشترك أربعة من اللصوص في سرقة ما يعادل3999 جنيها الآن فإنه لا يقام عليهم الحد; ذلك لأن تقسيم المبلغ علي الأربعة لا يبلغ بأي منهم نصاب السرقة منفردا, وهو ألف جنيه للص الواحد!!بل والأكثر عجبا هو أن من سرق متجرا بالنهار فلا يقام عليه حد السرقة ذلك لأن المتجر مأذون للناس بالدخول فيه نهارا فهو ليس حرزا في هذه الحالة; فإذا سرق اللص نفس المتجر بالليل يقطع; ذلك لأنه غير مأذون للناس بالدخول فيه ليلا!!وإليك بهذه أيضا: من نقب البيت ــ أي أحدث في جداره فتحة ــ وأدخل يده فيه وأخذ شيئا لم يقطع; ذلك لأن اللص لم يدخل الحرزوكان من الممكن أن يدخله, بخلاف إذا ما فعل ذلك في الصندوق مثلا; ذلك لأنه الممكن فيه إدخال اليد فقط دون الدخول بالجسد!!الأمثلة كثيرة ودقيقة, ولكن المشكلة دائما هي في الجهل بها والترويج لما هو عكسها استنادا إلي شائعات متواترة بين الناس, في مقابل عدم اهتمام أهل العلم بالإفصاح عن الحقيقة المختبئة في ثنايا الكتب ــ وتلك مصيبة أخري!!

الشعار الذي منه الجميع ارتجف‏!!‏
إسلامية..إسلامية.. منذ أسبوع تحديدا, فاهتزت له مصر كلها و ارتجت; وكما لو أن ما حدث هو اكتشاف جديد لم يكن يخطر علي بال بشر في هذا البلد, ونحن حل بهذا البلد!! فإذا بقمقم القلق يتصدع ليخرج منه مارد الخوف, يكاد كل جزيء فيه يهتز ويرتعد: فليس هذا هو أصل الاتفاق, ولم يكن هذا هو الهدف القابع في ثنايا الحسبان.. ولكن هذا هو ما قد حدث!!أما مكمن استغرابي وتعجبي الشديد إزاء ردة الفعل تجاه هذا الشعار, فهو قدرتنا الرهيبة علي التناقض و خداع النفس أمام أكبر الأمور وأبسطها علي حد سواء; إذ كأن الشعار الذي دوي قد انطلق في أرجاء الفاتيكان مثلا, وليس في أرجاء أمة تتشدق ليلا ونهارا بالإسلام, وعظمة الإسلام,وسماحة الإسلام, وقيم الإسلام, ورقي تعاليم الإسلام.فلما يخرج نفر من هذا البلد يدعو إلي تطبيق الإسلام.. إذا بالجميع يرتجف!!ولكن تري لما يرتجف هؤلاء ؟ أوليسوا مسلمين ؟ فيكون من غير المنطقي أن ينزعجوا من تطبيق تعاليم دينهم ؟ أم تراهم يدعون الإسلام نفاقا لا سمح الله, فلما حان وقت تطبيقه رفضوا تعاليمه ؟ أم تراهم جهال بالإسلام نفسه لا يعرفون عنه سوي القليل مما اعتادوا عليه وارتضوه بالتواتر عن آبائهم في دائرة مفرغة من الجهل المطبق ؟
أعتقد أننا قريبين من مساحة الطرح الأخير وهو الجهل بالإسلام وأننا ارتضينا علي أنفسنا ثوبا ضيقا اقتطعناه من عموم ثوب الإسلام, ثم تصورناه جل الثوب بجهل شديد.نعم,دعونا نواجه أنفسنا بأن جل علمنا بهذا الدين الحنيف لا يتعدي بابا أو بابين أو ثلاثة بحد أقصي في فروع الشريعة الإسلامية لا تخرج عن محيط العبادات كالصلاة والصوم, يزداد عليها أمور نتعلمها بحكم الظروف كالنكاح والزكاة والغسل والتكفين والدفن, وسلاما علي بقية أبواب الفقه, وإن كنت أشك في كوننا علي دراية كاملة بتفاصيل ما أسلفناه أساسا, وإنما اجتهادات سماعية شفاهية تفتقد إلي التفصيلات.فلما يتجسد أمامنا شبح تطبيق الشريعة, سرعان ما نقفز جميعا وفي ذات اللحظة تقريبا إلي باب واحد بعينه, ألا وهو باب الحدود والقصاص, لا عن علم بظروف تطبيق هذا أو ذاك, وإنما عن مخاوف جاهلة سربها إلي نفوسنا من لم يتعلموها أصلاوإنما من سمعوا بها وجعلوا من ظروف تطبيقها نموذجا للعشوائية والبطش وهي من ذلك براء; ذلك لأن أوجه القصاص وإقامة الحدود في الشريعة الإسلامية بها من المخارج المرنة والعادلة ما أتحدي أن ينطوي عليه أي قانون وضعي!! دعني أوضح لك مقصدي:فلقد كان مثلا من بين المسائل الفقهية التي استوقفتني في باب الجنايات وأشعرتني بحجم جهلي قبل دراستها أنه من ضرب رجلا بمر( أي بفأس عريض) فقتله, فإن أصابه بالحديد( أي بالجزء الحديدي من هذا الفأس) قتل به( أي وجب قتله قصاصا), وإن أصابه بالعود( أي بالعود الخشبي المثبتة في آخره قطعة حديد) فعليه الدية!! نحن إذن أمام حالة قتل عمدي بكل ملابساتها بمنطق القانون الوضعي, وبالرغم من ذلك فإن الجزء المستخدم في القتل يعد هو الأهم إسلاميا إلي الدرجة التي تجعل من الإصابة بالجزء الحديدي دليلا علي نية القتل, بينما الجزء الخشبي فيه خلاف, رغم أن الفعل واحد والنتيجة واحدة!! ذلك لأن العصا الحاملة للفأس هي في الأصل آلة تأديب وليست آلة قتل,وهي بمنزلة السوط أي الكرباج!! حتي وإن وجه القاتل للمقتول عدة ضربات متوالية بالعصا فأرداه قتيلا( وفيه خلاف بين الحنفية والشافعية; إذ يراه الشافعي دليلا علي عمدية القتل في هذه الحالة, بينما يري فيه أبو حنيفة شبهة عدم العمدية وأن الشبهات تدرأ الحدود)!!أعطيك مثالا آخر أكثر غرابة: من غرق صبيا أو بالغا في البحر,فلا قصاص هكذا يري أبو حنيفة النعمان; ذلك لأن الآلة المستخدمة في القتل ونقصد هنا الماء غير معدة للقتل أساسا ولا مستعمله فيه لتعذر استعمالها, ومن ثم تمكنت شبهة عدم العمدية في القتل; فالماء ليس أداة قتل وإنما له استخدامات أخري تجعل من شبهة استخدامه في القتل أمرا يضعف العمدية!!الأغرب والأغرب من ذلك هو فكرة عفو أولياء القتيل; فإذا عفي واحد فقط من أولياء القتيل عن القاتل نجا, حتي وإن رفض بقية الأولياء ذلك مجتمعين!! بل والأكثر من ذلك أنه إذا ارتضي القاتل أن يقتل( بضم الياء) عقابا له علي جريمته, ثم عدل أولياء القتيل عن قتله, فلهم أن يجبروه علي دفع المال بدون رضاه دفعا للهلاك!! ما هذا ؟ وأي تراحم هذا وأي سمو ؟ نحن إذن لسنا أمام مجزرة دموية ورغبة حثيثة في إراقة الدماء كما يتصورها الجهال من الناس ويصورونها لبقية الجهال منا لبث روح الخوف في النفوس, فكلما تفوه إناس بالشريعة ارتجفت البقية
وأترك الدماء جانبا, وأحدثك مثلا عمن يجوز عليه دفع الزكاة في الشريعة الإسلامية: فهل تعلم أن من استوفي جميع مصروفاته وقضي كل حاجاته فلم يتجاوز( صافيمكسبه ما يعادل15 ألف جنية في السنة بعد ذلك, فإنه لا يجب عليه دفع زكاة المال!! بل والأكثر من ذلك أنه يحق له أن يتلقي الزكاة ممن حق عليهم دفع زكاة المال!!أي تكافل هذا ؟ وأي فكر اقتصادي قويم في مقابل( مذبحة ضرائبية) سنوية ينصهر فيها الناس ويكتوون بنيرانها علي يد الدولة التي لم تتواني يوما في اختراع ضريبة تلو أخري أثقلت كاهل الناس وأعدمتهم بهجة الحياة!!ثم تسمع بعد ذلك عمن يتشدقون بجهل للأسف بمزايا العلمانية وفصل الدين عن الدولة, وقد ينزعج البعض من وصفي لهؤلاء بالجهل, حسنا, ولكن هل يسمح لي هؤلاء بسؤال بسيط أعتقد أنه لم يخطر لهم ببال:أي دين الذي تودون فصله عن أي دولة تحديدا ؟
أم تراها عبارة رنانة تسيرون في رحابها دون تمييز؟ فهل كلمة دين تلك هي كلمة عامة أم تراها تختلف من دين إلي آخر; وهل لكون أوروبا قد رفعت شعار فصل الدين عن الدولة أن ننخرط نحن في ذات المطلب دونما إدراك بأن الدين الذي أرادوا فصله هناك هو الديانة المسيحية تحديدا وما أحاط بها من ملابسات في إطار التاريخ الأوروبي ما دفع الناس هناك إلي الإلحاح في فصل هذا الدين تحديدا عن الدولة هناك ؟ فما علاقة الديانة المسيحية بالديانة الإسلامية ؟ ثم ما علاقة الدولة في أوروبا بالدولة عندنا ؟ وهل أصبحنا من السطحية إلي الدرجة التي تجعلنا نردد الشعارات كالببغاوات دون آدني تفكير!!ثم لأجدني ألتفت إلي جل المنزعجين المتناقضين من المسلمين فأسأل:إذا كان تطبيق الإسلام مزعجا إلي هذا الحد, فهلا أجابني أحدهم وبمناسبة هذا الشهر الكريم: لما تحمل مشقة الصوم أصلا في المقابل ؟ فهل ترانا نؤمن ببعض الكتاب ولا نؤمن ببعضه ؟ أم تري الصوم شيئا والإسلام شيئا آخر ؟ أم تري الصوم قد أصبح في بلادنا مجرد فكرة فولكلورية دأب الناس علي إحيائها سنويا دون علم بأصل فكرتها كنوع من التفاعل التلقائي مع موسم الدراما التليفزيونية وبرامج الكاميرا الخفية عقب الإفطار?


No comments:

Post a Comment