USATODAY.com News

Monday, March 12, 2012

تدوين ذكريات المعتقل المؤلمة





أحمد رائف: إلى أشقاء السجن الذين تحملوا ضراوة المحنة وآلام الغربة في إيمان وصبر, ذكرى أيام قضيناها هناك وراء السدود والقيود نرجو أن تكون في ميزان الحسنات يوم الحساب والله من وراء القصد.


أحمد رائف- معتقل سياسي سابق: الزنزانة أربعة 1965 أغسطس، بعد ما خرجنا من المعتقل فكنت في زيارة للأردن سنة 1974 وكان لنا صديق هناك اسمه الأستاذ حسن التل رئيس تحرير جريد اللواء الأردنية وطلب مني قال لي يا أخي أنت عايزين نعرف إيه اللي حصل في المعتقل.. احك لنا إيه اللي حصل في المعتقل, فحكيت له شوية قال لي ده موضوع مثير جدا, طب ما تكتبه لنا, فقلت له ما فيش مانع, يوم في اثنين في ثلاثة كانت الإدارة بتاعة المجلة دية أو الجريدة عبارة عن فيلا دورين, الدور الأول فيه الإدارة والدور الثاني فيه استراحة, فجاء في يوم من الأيام وجاب لي واحد قال لي ده هيجيب لك أي طلبات, أكل شرب شاي قهوة ورق أي حاجة أنت تعوزها ولكن لن تغادر هذا المكان قبل أن تكتب لنا ماذا حدث في المعتقل, وفعلا قعدت محبوس في هذه الفيلا حوالي أكثر من شهر وشويه وكتبت البوابة السوداء.
يوم ما بدأت أكتب لا فكرت هل هو رواية ولا كتاب؟ دا هي مذكرة للأحداث التي حدثت في المعتقلات في الفترة ما بين 1965 و1972 من القرن السابق, فأخذ الكتاب هذا الشكل بعفوية شديدة ودون اجتهاد ذهني لعمل قالب معين يكون فيه الكتاب, هل هو رواية أو هل هو كتاب؟ وفي النهاية هو جمع بين الحاجتين دول, إن هو رواية فيها عنصر التشويق وعنصر الدراما, وهو كتاب أيضًا فيه معلومات وفيه مادة موجودة ما فيش تزايد ما فيش إختلاق لأن في شهود كتير موجودين أحياء وأسمائهم مذكورة سواء كان من جانب الأمن أو من جانب المعتقلين, ما فيش كان سبب جدي يخليني أروح المعتقل, ولكن الظروف اللي كانت في مصر سنة 1965 كانت تؤدي إلى اعتقال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومن لهم علاقة بجماعة الإخوان المسلمين, كنت بأشتغل في شركة القاهرة العامة للمقاولات, وكانوا بيدونا ساعتين من الساعة اثنين للساعة خمسة.. ثلاثة ساعات أجازه ونيجي بعد الظهر نشتغل تاني, صدفة قابلت واحد صاحبي, كنا بنتغدى في مطعم هنا للتابعي الدمياطي, فاكتشفت إنه بيشتغل مدير عام في شركة تانية فقال لي بتشتغل بكام؟ قلت له بآخذ سبعة عشر جنية ونصف مرتب, قال لي طب ما أنا عندي لك وظيفة أحسن بخمسة وثلاثين جنية, قلت له طب دي إمتى تيجي دي, قال لي دلوقتي بعد ما نتغدى نروح ويتم تعينك هناك, رحنا الشركة الجديدة فوجئت, قال لي يعني نعينك بس عايزين شهادة خلو طرف من الشركة القديمة اللي إنت كنت فيها, رحت الشركة بتاعتي قالوا لي تستقيل عشان نديك خلو طرف, استقلت أخذت خلو طرف وقلت استنى لغاية يوم السبت أسلم خلو طرف وأستلم الوظيفة الجديدة من يوم السبت, أنا اعتقلت يوم الأربعاء قعدت في المعتقل كله من غير وظيفة, سيبت القديمة ولم ألتحق بالوظيفة الجديدة, الشركة كانت هنا في العمارة دي, اللي كنت بأشتغل فيها في الوقت ده, الكلام ده يا إسلام كان من أربعين سنة, لي صديق ابن خالتي اسمه رمزي محمود, ساكنين في شقة في منشية البكري 4 شارع المسعودي, هو واخد أوضه وأنا واخد أوضه لاقيته بيخبط علي وبيصحيني, ما كانش البيبان مقفلة ولا حاجة, صحيت، إيه خير؟ قال لي مباحث أمن الدولة كان اسمها في الوقت ده المباحث العامة, العمارة دي 4 شارع المسعودي, الشقة اللي فوق الغسيل, جاؤوا الساعة ثلاثة بالليل وكانت الدنيا هادئة مش زي دلوقتي ماكانش في ولا عربية هنا, طلعوا خذوا البواب فتشوا المكان, فتحوا الباب دخلت مجموعة معها الرشاشات والمسدسات وضابط قال لي أنا محمد عبد الغفار تُرك رائد في المباحث العامة, أنت فلان, قلت له أيوه فلان, طيب عايزين نفتش الأوضه بتاعتك, تفضل, فتشوا الأوضه, كانت أهم حاجة فيها كتب لموها في صناديق وشويه أبحاث كاتبها وحاجات زي كده وخذوها.. يا نهار أبيض هو تمام.
إسلام: هو.. هو بالضبط.
أحمد رائف: هو.. هو نفسه, ده كان فخم جدا من أربعين سنة ما اتغيرش, ومع تباشير الفجر الرمادية كانت السيارة تقطع شوارع القاهرة النائمة بسرعة فائقة, وجلس الضابط بجوار السائق, أما أنا فجلست في المقعد الخلفي أفكر في مصيري بين مجموعة المخبرين, وكان عقلي يمور بأسئلة كثيرة سرعان ما عَرِفتُ إجابتها قبل أن تطلع شمس ذلك النهار، النهار الذي استقبلت فيه يوما من أكثر من أيام حياتي عجبا وغرابة, دخلنا على معتقل القلعة, ودخل الرائد محمد عبد الغفار تُرْكْ صحى واحد ثاني كان نائم على سرير سفري في أوضه كده تكاد تكون متر ونصف في مترين ونصف, أوضه صغيرة جدا فيها مكتب وسرير كان نائم عليه الضابط ده قام انتبه لما جاء له الوارد الجديد, وقالي اسمك ايه؟ واخذ البيانات بتاعتي وحطها في دفتر عنده وقال لي اقلع كل حاجة أنت لابسها, يعني الحاجات الممنوعة, إيه الممنوع؟ الحزام بتاع البنطلون النظارة الساعة أي حاجات معدنية خذها, دخلني من باب صغير كدة قال لي خش, وجدت مجموعة من البشر في حالة إعياء شديد, ووجهها لا يكاد يَبِين, معالمه تغيرت من الضرب بالشوم والأبكاس, والعينين وارمة والجراح في الأرجل والأيدي والأكتاف, مشهد مخيف ومرعب ولم أتصور أن أراه في يوم من الأيام, لاقيت شاب صغير كده جاء, قال لي تعالى, أنت فلان؟ قلت له أيوه أنا فلان, فشال يده وصفعني على وجهي, ودي كانت أول مرة الواحد يصفع على وجهه فأمسكت بخناقه وضربته في الحيطة, قلت له أنت رجل مجنون إزاي تضربني ده هنا في مجلس أمة وفيه دستور وفيه قانون اتلموا المخبرين وهو منعهم, قال سيبوه, وطلعني إلى عنبرين متقابلين في دور ثاني من مبنى معتقل القلعة, وقعد على كرسي وأمامه مكتب صغير وقال قل لنا بقى إيه كل المعلومات اللي عندك عن التنظيم وعن السلاح وعن التدريب؟ وقفت أمامه وأنا الحقيقة.. قلت له يا أفندم أنا لا كنت في تنظيم سري ولا تدربت على سلاح ولا حاجة زي كده, قال لي كده مش هتريح نفسك هتخش في مرحلة أنت مش أدها, تعالى أوريك حاجة, أخذني العنبر المقابل, أول ما دخلنا العنبر المقابل كان فيه ناس ساقطين على الأرض من الإعياء ولابسين ملابس داخلية بس وعرايا وجسمهم عليه علامات السياط وضرب الشوم وفي حالة يرثى لها قال لي بص لدول كويس, مش عارفهم؟ اكتشفت أن دول ناس أصدقاء كنت لسه معاهم أول أمس أو يعني لسه معاهم ما فيش وقت يسير جدا, وهنا في الزنزانة دي مات الله يرحمه ذكريا المشتولي وشلناه أنا ومصطفى عبد النبي وخرجنا به لأنهم طلبوا منا أنهم يأخذوه للتحقيق وما كنش قادر يتحرك هو كان ميت وإحنا فاكرينه أنه هو ضعيف مش قادر يتحرك, اكتشفوا وفاته فوق في عنابر التحقيق وصرفونا, كان المشرف على التحقيق أحمد رشدي اللي هو بقى وزير الداخلية بعد كده, واللي بيقوم بالتحقيق اللواء فؤاد علام, قعدنا هنا حوالي أسبوع.. يعني قضيناه دقيقة بدقيقة وساعة بساعة, لم نذق فيه طعم النوم لحظة واحدة, ولما كثر العدد نقلونا من هنا إلى معتقل أبو زعبل السياسي, بعد ملحمة من العذاب الشديد والقتل والتقتيل, وفي صبيحة يوم وجدت نفسي في المحمصة مع زقزقة العصافير وأخذت ما يسمونه بالطريحة وهي علقه بالهراوات, تناولت فيها ما لا يقل عن مائتي هراوة, ثم علقت على الحديد وكان عليًّ أن آخذ هذه الطريحة كل ساعة ونصف, وظللت معلقا ثلاثة أيام دون نوم, وما أفظع هذه الذكرى, فهي جملة تأخذ من وقت القارئ أقل من ثانية من الزمن, ولكنها كانت بالنسبة لي آنذاك شيء يجل عن الوصف ولا تحيط به الكلمات, انتهت في الآخر إلى فؤاد علام واللي كان بيساعده واحد اسمه عصام الشوكي أظن كان رائد أو نقيب, هو أخذ شوطه من التعذيب معايا, وبعدين قال لي اسمع أنا عايز أريحك وأريح نفسي, قلت له تفضل, قال لي أنت عارف القصة كلها قصة تنظيم سري وسلاح وتدريب وخطة أي كلام خارج الدوائر دي مالوش معنى, أنت عايز ترحم نفسك كلمنا في الحدود دي, قلت له طيب ساعدني, فقعد يساعدني وعملنا سيناريو من التنظيم السري, وقلت له بس موضوع السلاح ده صعب جدًا لأن ما كنش فيه سلاح فعلا, وإنما والمعارف نقدر نعمل منهم تنظيم سري طيب نجيب لهم سلاح منين, قال لي دي هنشوف لها حل بعد شويه بس خلينا ماشيين إن كان فيه تدريب وفيه سلاح وحاجات زي كده, بس واستقامت الأمور على هيكل لتنظيم سري رسمه اللواء فؤاد علام وأنا وافقته عليه وقال لي بقى عشان نعمله بشكل صحيح أنت هتكتبه بأيدك, أنا هأمليك وأنت تكتب بأيدك, وأذكر أن أنا ملأت تسع صفحات بإملاء اللواء فؤاد علام عن تنظيم سري وهمي مش صحيح مش دقيق وعن نية لاغتيال جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعمل انقلاب في مصر, فقد كان المشهد مستمر بلا انتهاء وبلا أمل في الانتهاء, فمرة نجد أنفسنا في عنابر التعذيب, ومرة أخرى في الزنازين أو في دورات المياه, والحوادث تكتم على صدورنا بثقلها فنشعر بالاختناق, مواطنون أبرياء جاؤوا بهم من كل مكان بلا ذنب ولا جناية, ومحققون يضربون الناس بحث عن سر لا يعرفونه, والكل تطحنه رحًى ثقيلة من العذاب, وانتهت مجزرة القلعة ذات صباح وكان نتيجتها ثلاثة من القتلى وربما أكثر من ذلك وحوالي أربعمائة جريح بجروح بالغة.




ولعل أحد من الذين استضافتهم المباحث في أبي زعبل لا ينسى ليلة 31 أغسطس الرهيبة, يوم أعلن عبد الناصر بنادي الشباب السوفيتي بموسكو اكتشاف مؤامرة للإخوان المسلمين, وأنه أعفى عنهم عام 1954 ولكن هذه المرة لن تكون هناك رحمة, وقد صدق, فقد تحول المعتقل بعد هذا التصريح إلى سلخانة بشرية, وفي أبي زعبل رأيت شقيقي الأصغر مع عدد كبير من أصدقائه وهم يجلدون عراة من ملابسهم, وفي أبي زعبل ودعت كل أمل في المستقبل في حين سلمنا ضابط الترحيلات وكان الضابط الذي استلمنا قد دقق في الاستلام وصار يحصي المعتقلين بحرص, فقال له لا تهتم أي عجز في العدد ممكن أن أسدده, كأنما يسلمه قطيعًا من الخراف.
محمود حلمي- معتقل سياسي سابق: أنا اعتقلت يوم الخميس 3 سبتمبر سنة 1965, كنت خارج البيت وجيت الساعة 9.30 لقيت البوليس محاوط البيت بالبنادق وبالعربيات ومأمور المركز واقف على الباب, أول ما وصلت راح ماسكني من أيدي قال لي أنت مين؟ قلت له أنا محمود حلمي.
أحمد رائف: أنت ما كانش عندك فكرة.
محمود حلمي: ما عنديش فكرة عن أي حاجة, فشدني دخلني جوا البيت, فلقيت ضابط المباحث العامة كان اسمه يحيى كامل كان عقيد يحيى كامل ومعه مخبرين أعداد كبيرة بيفتشوا حتى لوح الـ (Design) بتاعتي وكنت في كلية الهندسة أيامها, قلبنها وبيفردوها مش فاهمين فيها حاجة.
إسماعيل صادق- الشقيق الأكبر لمحمود حلمي: عيلة الضابط يحيى كامل كنت بأقول له أنتم جايين تعتقلوا مين؟ عشان يستعد, قال إحنا هنعتقلكوا كلكم, فرتبت نفسي إن إحنا الاثنين هنعتقل, في نفس الوقت وفي النهاية لقيته أخذ محمود حلمي فقط ومشي.
محمود حلمي: وركبنا بقى العربية ومشينا على مباحث أمن الدولة في مدينة أبو زعبل, كتبوا أسامينا وقيدونا وحاجات زي كده وراحوا واخدينا على معتقل أبو زعبل في منطقة سجون أبو زعبل, فتحوا باب ضيق صغير كده, دخلنا منه لقينا مبنى ضخم أربع أدوار وبوابة حديد ضخمة بتاع أربعة متر.
أحمد رائف: أنا شوفتك يوميها، يوميها أنا شوفتك وأنت داخل.
محمود حلمي: آه دخلت بقى لقيت الإخوان المعذبين ومقطعين مرميين في الأرض.
أحمد رائف: وفي يوم من الأيام استدعاني اللواء فؤاد علام وقال لي أنت ماعندكش حاجة تقولها أكثر من اللي أنت قلتها؟ قلت له لا إحنا تحت الأمر إذا كان عندك حاجة تحب أضيفها أنا مش متأخر هو أنا اللي بضيف؟ أنت اللي بتضيف, قال لي طيب أنت دلوقتي هتروح السجن الحربي، أصعب سجن فتنا عليه في حياتنا وأشهر سجن في الشرق الأوسط, حاطين جنب.. مكانه حاجة اسمها المركز الدولي للبولينج، كل المنطقة اللي إحنا شايفنها دي كان فيها السجن الحربي, وكان واخد نصف مساحة بانوراما 6 أكتوبر, وما كانش في مباني من المنشأة الآن اللي قدامنا موجودة, كان الأرض فضاء حتى المترو الخاص بمصر الجديدة، على البوابة نزلونا من السيارة وجيه مندوب المباحث الجنائية العسكرية وقال إيه اللي على عنيهم دا, فقال له الضابط اللي جاي من المباحث العامة قال له والله إحنا نظامنا بنغمي عنيهم عشان مايعرفوش مين اللي بيحقق معهم, قال لا إحنا الكلام دا هنا ماينفعش معانا إحنا هنا بنضرب وبنقتل عيني عينك مابنخفش من حد, شيلوا البتاعة اللي على عنيهم دي، شالوا البتاعة اللي على عنيهم دي.. اللي على عنينا إحنا يعني, ودخلونا مكبلين بالأغلال إلى داخل حرم السجن الحربي, أول ما تخطينا البوابة السوداء كانت بوابة السجن الحربي لونها أسود مدهونة بالقار فلونها أسود ومخيف, ما أن استقر بنا الحال داخل البوابة إلا وفوجئنا بمجموعة من الجنود بكرابيج وضربونا ونحن كومة، كومة من البشر فوق بعض, ونقلونا إلى ما يسمى بالسجن الكبير, وهذا النقل يتم بإهانة شديدة.. يعني عدد من العساكر يجري ورانا ويضربنا بالكرابيج, وكلاب السجن الحربي تجري هي أيضًا معنا وتنهش من تطوله, والأوامر إن كل واحد في المعتقلين إذا قدر يوصل للي معاه يضربه يصفعه على قفاه بيده صفعة قوية, دخلنا السجن الكبير وأيضا وجدنا أن هناك حفل استقبال آخر أشد وأنكى, وأودعونا ما يسمى بمخزن ستة, غرفة موجودة في فناء السجن اسمها مخزن رقم ستة، مخزن رقم ستة ده عبارة عن ناس فوق بعضها والظلام شديد والحر شديد, كنا في شهر سبتمبر والتعليمات من العساكر إن ممنوع الكلام ممنوع حد يطلع أي صوت, واللي يطلع أي صوت سيقتل, وكنا نصدقهم في هذا الكلام, وكانت المكاتب منتشرة في فناء السجن الحربي وكل مكتب فيه واحد ضابط قاعد ومعه فرقة تعذيب, ويتمثل هذا التعذيب في أي حاجة تخطر على البال.. يعني الضرب بالكرابيج, ضرب الرأس في.. يعني مبنى مسلح حتى تتفجر الرأس ويموت الشخص, وهذا لإخافة من يشاهدون, وكان يتم أيضًا خلع الأظافر بالكماشات, ودي تمت مع أربع أشخاص مات منهم اثنين, يمسك الذراع المعتقل ويكسره على حاجة, ودي برضه اتعملت مع اثنين مات واحد, لأن أصيب بصدمة عصبية نتيجة هذه الحادثة, ويجيب مثلا عربية جيب ويمددوا المعتقل ويجي السواق يتظاهر بإنه هيعدي عليه بالعربية ويفرمل عند جسمه وهو ممدد يعني, ومرة من المرات ماعرفش يفرمل وعدى من على المعتقل ومات المعتقل.
[موجز الأنباء]
"
في السجن الحربي من يموت من التعذيب يلف "ببطانية: ويدفن في صحراء مدينة نصر، ويكتب بجانب اسمه في الدفاتر هارب
"
    أحمد رائف
أحمد رائف: وتكلم أحدنا في صوتا ضعيف, يا فندم في واحد ميت وأشار بيده إلى الجثة الهامدة, وارتسمت على وجه الجندي ابتسامة وقحة, واحد فقط يا أولاد الكلب أين نذهب بوجهنا من سيادة العميد, وكان الذي يموت من التعذيب يطفوا النور بالليل ويلفوه في بطانية ويطلع اثنين عساكر بالكوريكات ويبعدوا ثلاثمائة متر، أربعمائة متر، خمسمائة متر لأن كلها صحراء مفتوحة ويحفرون ويوضع المتوفى أو الذي مات من التعذيب في داخل هذه الحفرة وتردم, وكان بيكتب بجانب الذي يموت من التعذيب يكتب جنب أسمه في الدفاتر هارب, وحتى يتم حبك الموضوع لابد من التحقيق مع أهله لعمل محضر وهو مات فعلا من التعذيب ودفن في صحراء مدينة نصر, مرة في شارع عباس العقاد بمدينة نصر عربية نقلت عملت حادثة ففوجئ الناس إن الحمولة بتاعت العربية النقل عبارة عن جماجم وهياكل عظمية, بلغوا السلطات المختصة والتي أوصت بحمل هذه الأشياء ورميها خارج المدينة لأنها كانت من آثار التعذيب في السجن الحربي في سجن عبد الناصر، إحنا رايحين للأستاذ أحمد عادل كمال المؤرخ في التاريخ العسكري الإسلامي ونائب محافظ بنك فيصل السابق، أنا فاكر أول مرة حضرتك جيت فيها السجن الحربي كنت لابس بدله أنيقة جدا وكان تقريبا في شهر سبتمبر أو حاجة زي كده.
أحمد عادل كمال: آه يمكن.
أحمد رائف: تقريبا يعني, وبعدين ثاني يوم أنا كنت في الزنزانة مائتان وعشرة في الدور الثالث.
أحمد عادل كمال: فوق آه.
أحمد رائف: وحضرتك حطوك في الدور الأول تحت, شفتك بقى تاني يوم وأنت بتأخدها زحف من مكان الزنزانة إلى بوابة السجن الكبير ورجليك كلها مغطاة بالشاش لغاية الوسط, ومش قادر تمشي عليهم ثاني يوم على طول.
أحمد عادل كمال- معتقل سياسي سابق: ده كانوا بيشلوني.
أحمد رائف: وكانوا بيعتبروك يعني عظة.
أحمد عادل كمال: عبرة للآخرين.
أحمد رائف: وعبرة للآخرين اللي مش عاوز يتكلم هيبقى زي ده.
أحمد عادل كمال: أيوه ده واحد بعد كده أنا لا أتذكره دلوقتي بعد ما خرجنا قال لي أنت السبب إن أتحكم علي بثلاثة سنين, قلت له ليه أنا السبب؟ وأنت مين؟ يعني ده أنا حتى ما أعرفكش, قال لي أول ما جيت دخلوني عليك, قالوا لي تحب تبقى زي ده ولا تتكلم؟ قلت لا أقول اللي أنتم عوزينه, كده على طول اللي هم عوزينه قالوا ومضى عليه واخدت فيه ثلاثية سنين.
أحمد رائف: أزيك يا أستاذ فريد.
فريد عبد الخالق: أزيك أنت.
أحمد رائف: أقلقتك؟
فريد عبد الخالق: لا.
أحمد رائف: ده شريف ابن..
فريد عبد الخالق- كاتب ومفكر/ جماعة الإخوان المسلمين: ما شاء الله أهلا, بيقولوا هذا الشبل من ذاك الأسد.
أحمد رائف: أستاذ فريد من المفكرين العظام عند جماعة الإخوان المسلمين, وتمتعت بصحبته سبعة سنوات, وتجولنا في معتقلات مختلفة الحربي، القلعة، أبو زعبل، طره.
فريد عبد الخالق: أنا عرفت الاعتقال في البوابة السوداء ولم تكن سوداء كانت رمادية فقط أيام العهد الملكي, فأنا دخلت السجن واعتقلت في أيام العهد الملكي المدني قبل ما.. تمهيدا للعهد العسكري الجمهوري الذي سيأتي بعد ولم نكن نعلم لأنه كان في الغيب, أنا كنت بأشوف وإحنا طالعين منا المسن ومنا المريض ومنا من غير ذلك, فكان يعني يتعاقبون علينا بالعساكر على مطلع السلم أوله بالضرب ده باليمين وده باليسار الكرباج طيب وليه إحنا رايحين الزنازين ليه ما إحنا رايحين المقابر رايحين للقيود.
أحمد رائف: طيب ليه مافكرتش حضرتك ليه؟
فريد عبد الخالق: ليه دي هي شوف.. هو مردها علشان كلمة واحدة طغيان الحاكم.
أحمد رائف: كان فيه غرفة كده اسمها التصوير, وكانت مشهورة بين المعتقلين واللي كل واحد يسأل زميله يقوله هو فيه ضرب في التصوير ولا مافيش لأنه كل مكان بنروحه داخل السجن فيه ضرب, فرُحت للمقابلة التليفزيونية اللي كان بيجريها الأستاذ حمدي قنديل التليفزيوني المعروف ولاقى جرح كبير في وجهي وأثار دماء فنهرني وسبني وطردني وقالوا ازاي تجيبوا واحد متعور نصوره, وأنا ما روحتش ولا حاجة ده واحد أخذني وداني لأن إحنا مالناش إرادة داخل السجن الحربي، النيابة كانت عبارة عن خيام كل خيمة فيها رئيس نيابة وسكرتير النيابة ويستقبل متهم من المتهمين للتحقيق معه, وشكله ودي جدا وبشوش وغير التحقيقات اللي سبقت, فده شجعني وقلت له والله يا أستاذ أنا عايز أقولك على حاجة, قالي هتقولي أن مش ده, الاعتراف اللي أنت كاتبه ده كتبته تحت الضغط والضرب والحاجات دي, قلت له آه, قالي بص أنا هجيب لك من الآخر خالص لو أنت قلت كده بحولك ثاني للتحقيق, يقوم يحصل تعذيب ثاني وضرب ثاني وتيجي تقولي في الآخر ايوه الإقرار اللي أنا كاتبه ده أو الاعتراف اللي أنا كاتبه، كاتبه بمحض إرادتي لازم تقول العبارة دي ,إذا ما قلتهاش هاتروح تعذيب ثاني وترجع لغاية لما تقولها, فأنت وفر على نفسك وقولها من دلوقتي, قلت له ماشي هقولها من دلوقتي, تم تشكيل عدة محاكم عسكرية لمحاكمة المتهمين في قضية قلب نظام الحكم سنة 1965, كانت أشهر الدوائر دائرة الديجوي، محمد فؤاد الديجوي وكانت محكمته هزلية جدا مافيهاش مراعاة لا للقانون ولا للدستور ولا لأي حاجة يعني يحكم زي ما هو عايز حتى الإجراءات اللي هي المفروض يتبعها في سير هذه المحاكمات لم يكن يلتزم بها, وكان فيه دائرة ثانية كان رئيسها الفريق علي جمال الدين محمود الرجل ده حضر جلسة واحدة للمحكمة بتاعته وقام له واحد معتقل اسمه محمد عبد الظاهر وخلع ملابسه ووراله له ظهره، ظهره متقطع من الكرابيج, وقاله أن إحنا أتعذبنا تعذيب شديد واعترفنا بأشياء لم نفعلها, الرجل تأثر جدا جدا جدا وقاله البس هدومك, وادى أوامر بعدم الضرب أو التعذيب في السجن الحربي, طبعًا أوامر لن تعدو أو لن تتجاوز المكان اللي هو قاعد فيه, وأجل القضية لموعد آخر وهو مات في الفترة دي, وقيلت بعض الشائعات حول موته أن الذين قدموا للمحاكمة سبعة وخمسين واحد, من أصل عدد معتقلين ثمانية وثلاثين ألف, يعني حتى لو اعتبرنا أن السبعة وخمسين واحد دول مخالفين تماما وكانوا عايزين يعملوا انقلاب فعلا وده يعني مش وارد عقلا إلا أن النسبة والتناسب يعني سبعة وخمسين واحد عملوا تنظيم لقلب نظام الحكم تقوم تعتقل جنبهم أطرح سبعة وخمسين من ثمانية وثلاثين ألف وتعذبهم شهور طويلة وتقتل منهم ناس تحت التعذيب وفي الأخر تقدم للمحكمة سبعة وخمسين شخص تقول هما دول المتهمين بعمل انقلاب.. انقلاب يحصل فيه قتل لرئيس الجمهورية وقتل لنائب رئيس الجمهورية وتدمير المنشئات ولمحطات الكهرباء وكلهم سبعة وخمسين واحد وكلهم من أعلى طبقة في التعليم في مصر, عندما يصبح القاضي سفاحًا قاتلا, وعندما ترى نفسك وقد اضطرت للوقوف أمام جلاد ترتضي حكمه فيك لك أو عليك حسبما يرى أو حسبما ما يكون عليه مزاجه, فالحسرة عند ذاك عظيمة وألم النفس بالغ وهوانها عليك وعليهم أبعد أثرًا وأكثر حدة, وهي لحظات تبحث الذات فيها عن الإيمان في أعماقها وهو الملاذ والمعين في عالم قد فقد شكله ومعناه, وغاية ما يفعله الإيمان في لحظة من تلك اللحظات أن يحمي النفس من الدمار والضياع والتمزق, كنا نود أن نخرج من هذا المكان إلى أي مكان آخر وكثير منا حسد الذي أخذوا أحكام وذهبوا إلى اللومان, يعني كان كل واحد يتمنى لو يأخذ حكم أشغال شاقة مؤبدة علشان يغادر السجن الحربي ويروح يكسر حجر في لومان طره, كان أمنية كل معتقل في ذلك الوقت تتمثل في المغادرة بأي شكل من الأشكال كانت, وده بيفكرني بأيام التعذيب لما كان الواحد يموت من التعذيب ما كانش حد من المعتقلين يزعل عشانه بالعكس كانوا بيشعروا نحوه بشيء من الحسد إن ده غادر المكان ومات شهيد من التعذيب, فلما رحنا معتقل أبو زعبل السياسي فوجئنا بصدمة جديدة, اللي هي صدمة المعاملة شبه الآدمية.. يعني أول ما دخلنا المعتقل إحنا طبعًا بنتصرف زي مجموعة من المخلوقات الفارة تتجمع جنب بعضها ماتبعدش عن بعضها تخاف أنها تشذ عن المكان اللي قالوا لها أقعدي فيه, فمشيت كده شوية ابتعدت عن المكان اللي قعدوني فيه ففوجئت أن عسكري بينده لي, بيقول لي تعالى يا أستاذ, طبعًا ما ردتش عليه لغاية لما جه لغاية عندي وخبط على كتفي, قال لي أنت يا أستاذ أنت مش سامعني, قلت له أنت بتكلمني أنا, قال لي أه تعالى هنا لو سمحت أقعد مع دول, لو سمحت أقعد مع دول, فبقيت قاعد مدهوش جدا وحاسس بأن شيء غريب بيحدث, ده هما دول بيمثلوا ولا كلام جد ولا إيه بالضبط, ابتدوا يدوا تعليمات أن كل الناس تعقد بالليل بعد الساعة سابعة وكل واحد يتكلم عن حياته قبل الثورة وحياته بعد الثورة, ويبين في حدود مهنته إن الثورة أحسنت إلى هذه المهنة ويدلل على ذلك, الطبيب يتكلم عن الطب قبل الثورة والطب بعد الثورة وإزاي إن الثورة جت حسنت الطب وخلته كويس جدا, المهندس يقول نفس الكلام كل صاحب مهنة يتكلم في هذه الموضوع, وهناك رقباء على هذا الكلام وينقلون تقارير شفوية وكتابية إلى إدارة المعتقل إن فلان تكلم, فلان لم يتكلم, فلان تكلم بحماس, فلان لم يتكلم بحماس كافي, ومن الطرائف.. يعني في واحد هجيب اسمه حالا من الكتاب اسمه.. يعني إذا لم تخنني الذاكرة اسمه الأستاذ محمد المخ هذا الرجل كان رجل أمي مش متعلم وكان شخصية واعية وعنده وعي بالسياسة وفي تقديري وعيه السياسي أكثر من جمال عبد الناصر, لأنه كان فاهم السياسة ماشية إزاي والدنيا ماشية إزاي إنما إيه.. مش عارف أجيب لك.. دلوقتي أشوفهولك وأجيبه لك يعني، يعني هو للأسف إنه هذا الرجل لما جه اليوم اللي يتكلم فيه عن الحياة قبل الثورة والحياة بعد الثورة في تخصصه وإزاي إن الحياة بعد الثورة اختلفت وتحسنت الراجل وقف وقال يا جماعة أنا طول عمري مسجون ما أعرفش حياة غير السجن, فواحد ظريف قال له طيب قل لنا عن السجون قبل الثورة والسجون بعد الثورة, قال أنا ما اتسجنتش إلا في عهد الثورة ولم أخرج منها حتى الآن, وتفننت العنابر إحنا قلنا في 24 عنبر صبيحة يوم التوعية لازم ينزلوا يقعدوا يأخذوا مكنهم اللي حددوه أو اللي حددته إدارة المعتقل علشان يجلس فيه العنبر دا يعني, فكل عنبر يألف هتافات يألف أناشيد كلها تمجد في جمال عبد الناصر وفي الثورة وتنعي على الإخوان عدم إنها عدم سيرها في ركاب جمال عبد لناصر والثورة, كان في هتافات يألفوها ويخلوا واحد يقوم يهتف وعلى جميع المعتقلين أن يرددوا الهتاف بحمية وبحماس وبسعادة أيضا يعني مما أذكره من الهتافات اللي كانت بتتقال في ذلك الوقت مثلا إيه، يقول لك إيه: لا رجعية ولا إخوان ولا تجارة بالأديان، واحد يهتف يقول كده والباقي يرد عليه.. حاسبوا.. على التضليل وانسوا ماضينا في الإخوان, حسن البنا وحسن الثاني سلكوا طريق ضد الأديان, حسن البنا معروف وحسن الثاني اللي هو حسن الهضيبي المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين, فإحنا عنبر خمسة دا كان فيه ناس من الإخوان القدامى وناس محترمين جدا ولا يقبلون هذا الكلام ورغم ذلك كان هناك تحضير لبعض هتافات وبعض أناشيد, وفوجئنا كان معانا واحد المرحوم أحمد قتا ده راجل سمين جدا حجمه كبير ضخم وكان رجل من الناس المجاهدين في فلسطين وكان من رعيل الإخوان المسلمين الأول, فجاءة فوجئنا به يقول لنا شيلوني أحملوني فقلنا عم أحمد قتا هيقول إيه بس في المدلهمة اللي إحنا فيها دي, المهم في حماس شديد طلب إن إحنا نرفعه رفعناه وهو يهتف وإحنا نرد وراه عنبر خمسة وإحنا نرد وراه عنبر خمسة يغير النغمة يقول خمسة.. خمسة يحيا خمسة.. عنبر خمسة, قعد يعمل تقاسيم وتشكيلات لهذه الجملة وهذا الهتاف ونحن نرد عليه بما يقول حتى إنتهي بنا المطاف إلى المكان الذي حُدد لنا لسماع التوعية, وتخلص الرجل من أي كلمة فيها شتم للإخوان أو أي كلمة فيها مدح لجمال عبد الناصر, أما سمحوا بالإذاعة المصرية أنها تذيع داخل المعتقل عرفنا أن في أمر جلل حصل في البلد, إيه الأمر الجلل الكلام ده كان يوم 14 مايو 1967؟ الرئيس جمال عبد الناصر أغلق خليج العقبة ضد الملاحة الإسرائيلية فيه.




أحمد عادل كمال: كان حصل إيه يا ربي قبل كده اتفاقية بين مصر أو هدنة بين مصر وإسرائيل ولم يُعلَن في مصر إن إسرائيل خدت حق المرور في شرم الشيخ, ده كان..
أحمد رائف: كان سنة 1956 بعد خروج اليهود من سيناء كانوا بالشرط ده.
أحمد عادل كمال: أيوه.. بالشرط ده بالضبط, ولم يعلن هذا الشرط.
أحمد رائف: ولم يعلن هذا الشرط.
أحمد عادل كمال: داخل مصر.
أحمد رائف: نعم.
أحمد عادل كمال: جم بقه في مرة وأعلن جمال عبد الناصر في خطبة من خطبه أنه قفل مضايق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية, طيب ده قرار خطير يعني إسرائيل نصين نص على البحر الأبيض وميناء على البحر الأحمر على خليج العقبة ومنه رايحة جاية في العالم كله وخصوصا خط الشرق ده, فقرار بالشكل ده كان من شأنه أنه لازم تحصل حرب.
"
الجميع كتب تأييدات لجمال عبد الناصر إلا 31 شخص، فتم عزلهم في زنازين تقع شمال المعتقل تحت الأرض وسمعنا أنه حدد لهم تاريخ خمسة يونيو 1967 لإعدامهم
"
      أحمد رائف
أحمد رائف: وانبرى بعض المدربين يطلبون كتابة تأييدات للرئيس جمال عبد الناصر, وكالعادة كتب الجميع هذه التأييدات باستثناء واحد وثلاثين شخص رفضوا كتابة هذه التأييدات, فعزلوهم فيما يسمى زنازين شمال اللي هي الزنازين التي تقع على شمال المعتقل تحت الأرض, وسمعنا أن هناك محاكمة ستتم لهم وسيحكم عليهم بالإعدام وسينفذ أمام المعتقلين, وسمعنا أيضا أن هذا الموعد قد حدد له خمسة يونيو 1967.
محمود حلمي: كانت عملية هزيلة كانوا طالبين تأييد بالدم من المعتقلين للرئيس جمال عبد الناصر والحرب دي وإحنا نعلم أن الحرب كانت حرب كدابة.. يعني حرب صورية مهياش حرب حقيقية مع إسرائيل فما حبناش يعني نضحك على نفسنا أكثر من اللي إحنا فيه.. يعني فرفضنا الواحد وثلاثين واحد رفضوا عملية تأييد جمال عبد الناصر في هذه الحرب.
أحمد رائف: عرفنا أنهم اعتقلوا جميع اللي لهم أي دوسيه أو ملف في أمن الدولة, وهما أما كانوا يغلبوا في تقييم واحد أو زي ما تقول تسكينه أو وضعه تحت طائفة أو عنوان, يعني فيه إخوان مسلمين فيه شيوعيين, أما يجي واحد كده ضد الحكومة ومش عارفين له هوية يسموه النشاط المُعادي, وكان الإجراء أن يَرفع المعتقل الجديد رجليه في الفلقة ويُمد عليها حيث الضرب الموجع بالهراوة وعليه أن يهتف أثناء العلقة يعيش الرئيس جمال عبد الناصر, ورفض واحد من جماعة شهود يهوى أن يهتف هذا الهتاف وصار يردد المجد لله في الأعالي وعلى الدنيا السلام وبالناس المسرة.
فريد عبد الخالق: التعذيب اللي شوفته أنا كمان المهم النفسي إن أنا فقدت أبواي يعني أبويا وأمي هما ماتا وأنا في السجن واستأذنت إن أنا أحضر.. يعني دفنهم أو العزاء رُفض, فيعني من الأشياء اللي في نفسي أن أنا لم أرهما وقد رحلا إلى ربهما وربنا يلحقنا بهم في الصالحين.
محمود حلمي: الوالدة جت لنا مرتين, مرة في سجن أبو زعبل وطبعًا.. يعني كان لقاء عاصف لأن إحنا أتأثرنا جدًا وهي أتأثرت جدا لأنها كانت متوقعة متشوفناش فعلا ثاني وبقت سعيدة جدا أنها شافتنا وقعدت تتكلم معانا, واللقاء الثاني كان في طره جت هي والدكتور إبراهيم طاهر وبنت خالتي وبعديها مجتش ثاني لأنها توفيت بعديها.
أحمد رائف: فكان يعني ذكرى زيارتها بعد ما عرفنا بوفاتها كانت ذكرى مؤثرة جدًا.
محمود حلمي: أيامها جمال عبد الناصر كان خطب خطبة وأذيعت علينا في المعتقل.
أحمد رائف: مضبوط آه.
محمود حلمي: قال أنا عندي خمسمائة وخمسين من رؤساء التنظيمات ودول مش خارجين أبدًا..
أحمد رائف[مقاطعًا]: طول ما أنا عايش.
محمود حلمي[متابعًا]: طول ما أنا عايش, وأخذ من مجلس الشعب أو مجلس الأمة أيامها وثيقة بأنه يعتقل مدى الحياة كل من هو خطير على الأمن من وجهة نظرهم, وكنا إحنا خطيرين على الأمن من وجهة نظرهم.
أحمد رائف: طيب أنت جاء لك الأمل أنك هيفرج عنك أمتى؟
محمود حلمي: يوم ما مات جمال عبد الناصر, وليلتها جاب بطانية من جوه وجاب علب السجاير وعلبة جبنه وعيش يعني حاجة كانت هستيرية بقه والهدوم والبتاع وربطتها وشلتها على كتفي.
أحمد عادل كمال: وحلاوة ومش عارف إيه دول نفعوا في أول يوم وماكنش في أكل وكده.
محمود حلمي: أول يوم لقيت ضياء طوبجي بقه مضروب ومحمود حامد.
أحمد رائف: تعبان قوي.
محمود حلمي: آه تعبان قوي أديتهم بقه بسكويت بقوا عمالين يكلوا.
أحمد رائف: ماكنش في أكل خالص أه.
محمود حلمي: آه بجنون إيه ده جاي منين ده.
أحمد رائف: وهم ماشفوهش عارف لو شافوه كانوا حاشوه, ما أخذوش بالهم يعني.
محمود حلمي: لا أنا داخل بالبؤجة معايا ماكنش مهتمين بينا أصل إحنا دخلنا الساعة 6 الصبح ما كنش في لا ساعتها..
أحمد رائف: تفتيش ولا كلام.
محمود حلمي: تفتيش ولا..
أحمد عادل كمال: أديت له أقراص نوفالجين كمان.
محمود حلمي: آه وبعدين بصيت فوق لقيت مراد عمال يبدل الراجل..
أحمد رائف: وبيمشي على أيديه ورجليه..
محمود حلمي: لا بينام على ظهره ويقعد يبدل برجليه الراجل اللي هو..
أحمد رائف: اسمه افتكرت أسمه.
محمود حلمي: اسمه أبن الحوكة.
أحمد رائف: اسمه..
محمود حلمي: كان شاويش حوكة.
أحمد رائف: اسمه نسيت اسمه, دلوقتي راح عن بالي.. يعني أه.. أسمه إيه.. نسيت أسمه.
محمود حلمي: ولقي مراد وهو قاعد يأكل فبيقشر الفول عشان القشر..
أحمد رائف: بيتعب بطنه.
محمود حلمي: بيتعب القولون, قال له أنت بتقشر الفول؟ قال له أه, قال له كل القشر قدامي قبل ما أمشي.
أحمد عادل كمال: مين اللي قال له كده بقه؟
محمود حلمي: الشاويش, قال له يا أفندي مفيش داعي, قال له مش هأمشي إلا ما تأكل القشر كله بتاعك, فطلع القشر من الأرض وراح بلعه.
أحمد رائف: غادرت المعتقل بعد عدة شهور من موت الزعيم, وبعد أن سمعت قائد المعتقل يسب الزعيم ويصفه بوضاعة الأصل وأنه ضيع الوطن وسرق الثورة من السلطان العظيم أنور السادات القائد الحقيقي للثورة المباركة, ولكن الله يمهل ولا يهمل, وتسير الأمور بنا وبالناس من المجهول إلى المجهول, ورحى الإسلام دائرة وافترق الكتاب والسلطان, والعاقل من دار مع الكتاب حيث دار والدنيا سوق كبير ينفض بالموت والربح والخسارة لا رجعة فيهما بعده ولا فوت, والحمد لله من قبل ومن بعد.

المصدر: الجزيرة

No comments:

Post a Comment