USATODAY.com News

Wednesday, December 14, 2011

هل باكستان هى مستقبل مصر؟-مأمون فندي-


ثلاثة لاعبين أساسيين فى تشكيل المشهد المصرى الراهن، متمثلين فى: رأس الحكم، والسفارة الأمريكية، والجماعات الدينية، وهو ما يدعونا لأن نتأمل مصير مصر المستقبل، فمعظم المؤشرات فى مصر لا تشير إلى تركيا كنموذج تتجه إليه مصر، وإنما إلى باكستان. أعرف أن طرحاً كهذا يثير أسئلة أكثر مما يحمل فى طياته من محاولة للإجابة والفهم فيما يخص مستقبل النظام السياسى فى مصر، على الأقل المستقبل القريب، فلماذا باكستان لا تركيا؟ رغم أن كل المحللين والفاعلين المصريين يتمنون أو يطمحون أو يقولون بالنموذج التركى فإن باكستان هى الأقرب إلى النتيجة الواقعية التى سنحصل عليها، وربما أقل منها قليلاً، فباكستان مثلا دولة فيدرالية بها لا مركزية، لا أظن أن مصر ستصل إليها قريباً، ولكن ليس هذا هو مربط الفرس.
باكستان هى مستقبل مصر، لأن كل اللاعبين الأساسيين يعدون أنفسهم للتعامل مع الحالة الباكستانية فى مصر لا الحالة التركية، على الأقل خلال السنوات العشر المقبلة، فكل اللاعبين الأساسيين فى الداخل وربما فى الخارج محكومون بالتجربة الباكستانية رغم أن أمنيات بعضهم هى الوصول إلى النموذج التركى. باكستان أساسية مثلاً فى تجربة الرجل الأول فى النظام المصرى الآن، وهو المشير حسين طنطاوى، الذى عمل ملحقاً عسكرياً فى باكستان ولم يخف إعجابه - حسب بعض المصادر - بالعلاقات المدنية العسكرية فى سياقها الباكستانى، حيث يرى أن السياسة للسياسيين، لكن للعسكر كل الحق فى تغيير المعادلة متى ما شاءوا، وذلك لأن الدول أهم بكثير من أن تترك تماماً للمدنيين. بالطبع، كما يعلم الجميع، حدث أكثر من انقلاب عسكرى فى باكستان، الأول قاده الجنرال ضياء الحق، ومن بعده انقلاب الجنرال مشرف. الجيش فى المعادلة الباكستانية هو العامل المرشد للسياسة.. هذه التجربة أساسية فى تفكير الرجل الأول فى حكم مصر.
التجربة الباكستانية أيضاً هى خبرة السفيرة الأمريكية فى القاهرة «آن باترسون»، التى عملت لسنوات سفيرة فى باكستان فى عز التوترات السياسية بين البلدين بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر وغزو أفغانستان وسيطرة التيارات الدينية على المشهد فى كل من باكستان وأفغانستان، فهى المرأة المعدة والمجهزة للتعامل مع بلد مضطربة أحواله، به جيش مهم، وبه أيضاً تيارات دينية مطلوب ترويضها لفهم المصالح الأمريكية، وقد نجحت السفيرة «باترسون» فى باكستان، ومطلوب أن تشرف على التأسيس لطريقة التعاطى مع مصر الباكستانية، التى قد يسيطر عليها حزب السلفيين (النور) أو حزب الإخوان (الحرية والعدالة).
ولم يكن نقل السفيرة من باكستان إلى مصر هو المؤشر الوحيد على تعديل الموقف الأمريكى تجاه الإسلام السياسى واحتمالية سيطرته على المشهد فى مصر، بل تلته تصريحات أمريكية قبل الانتخابات المصرية أوضحت أن الأمريكان يراهنون على الإخوان، وكان تصريح وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون لصالح الإخوان قبل الانتخابات بمثابة رسالة للشعب المصرى، مفادها أن أمريكا تراهن على الإخوان، ثم جاءت زيارة مرشح الرئاسة السابق، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جون كيرى، لحزب الإخوان فى زيارته الأخيرة لمصر كلفتة أمريكية أخرى تقول إن الأمريكان يؤيدون الإخوان، أو بالأحرى أمريكا مهيأة للتعامل مع مصر تحت قيادة الإخوان.
المؤشر الثالث الذى يصب فى بكستنة مصر (أى تحويلها إلى باكستان) - هذا إذا كان من الممكن سك كلمة كهذه لتوصيف الحالة - هو أن التيارات الدينية الغالبة فى مصر تستقى معظم أفكارها وأطروحاتها منذ السبعينيات من القرن الماضى وحتى الآن من كتابات المفكر الباكستانى مولانا «أبوالأعلى المودودى»، وهو أقرب إلى شخصية سيد قطب فى مصر منه إلى شخصية حسن البنا. الطبيعى فى نقل أفكار الإسلام هو أن تنتقل الأفكار من بلاد العرب المسلمين، وهم أهل اللغة والفقه، إلى البلدان التى لا تكون العربية لغتها الأصلية، ولكن الغريب فى حركات الإسلام السياسى، وفى حالة «المودودى» وغيره، أن الأفكار المهيمنة تأتى من شبه القارة الهندية إلى بلدان العرب، حتى أصبح الجيل الجديد لا يعرف ما إذا كان «المودودى» إماماً عربياً أم لا.
إذن الجميع مهيأون لـ«بكستنة مصر»، باكستان هى المستقبل وليست تركيا، وحتى يظهر ما يشير إلى غير ذلك، فعلى كل من يفكرون فى مصر بشكل جاد أن يتدارسوا النموذج الباكستانى وتنويعاته التى قد تحدث على الأرض بدلاً من تضييع الوقت فى نموذج تركى هو ضرب من ضروب الخيال.

No comments:

Post a Comment