USATODAY.com News

Tuesday, February 14, 2012

المواجهة القادمة--د.عز الدين شكرى--





من يقرأ تصريحات المسؤولين عن الدولة منذ اندلاع الثورة لا يملك إلا أن يصل إلى نتيجة سوداء، وهى أن مواجهة شاملة بين أجهزة الدولة وجماعة الإخوان المسلمين آتية لا ريب فيها. اصبر علىّ قليلا. التصريحات الرسمية نوعان، كأنها تأتى من كتابين: الكتاب الأول اسمه «تحيا الثورة -إحنا الثورة»، وكل سطوره تمجيد فى الثورة والثوار، وإعلان بنجاح الثورة وتمامها ونهايتها، ودعوة المواطنين للعودة إلى الحياة الهادئة الوديعة. دعك من هذا الكتاب، ودع جانبا كل التصريحات المستوحاة منه. انظر الآن للتصريحات الآتية من الكتاب الآخر، وهو كتاب «مخطَّط إسقاط الدولة». هذا هو الكتاب المقلق. ماذا يقول هذا الكتاب وما التصريحات الآتية منه؟ يقول ببساطة إن ما حدث فى يناير 2011 ليس ثورة تلقائية، كما نظن نحن السذج، وإنما جزء من خطة وضعها التنظيم العالمى للإخوان المسلمين، وينفذها بمعونة أصدقائه وحلفائه -من حماس إلى حزب الله ثم قطر- وباتفاق مع الولايات المتحدة التى سلّمت بانتقال السلطة فى المنطقة إلى الإخوان. هذه الخطة -خليك صبور كمان شوية- تعتمد على استغلال تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية لإطلاق الغضب الشعبى وركوب موجته بهدف الاستيلاء على الحكم، وبالذات على مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والتى لا يستقيم لأحد حكم مصر دون السيطرة عليها.
وفقا لهذه الرؤية فإن المخطط الإخوانى لا يتعارض مع كون الثوار ثوارا حقيقيين، ومهمومين بمشكلات وطنهم ومدفوعين بحبهم للحرية. لكن هذه الرؤية تعتبر الثوار أداة، درعا وحربة، فى يد الفاعل الحقيقى، التنظيم الدولى للإخوان. وبالمناسبة هذا المخطط لا يختلف كثيرا عن خطة ثورة يوليو 1952، والتى بمقتضاها قام الإخوان بتدبير الانقلاب العسكرى الذى قام به الضباط الأحرار، وتخلى البريطانيون والأمريكان عن الملك فاروق مثلما تخلوا عن مبارك. الفارق أن خطة إخوان 1952 اعتمدت على انقلاب عسكرى (ثم انقلب عليهم عبد الناصر) فى حين أن خطة 2011 تعتمد على ثورة شعبية.
ليس هدفى هنا مناقشة ما إذا كانت هذه «الخطة» حقيقية أم متخيَّلة، منطقية أم جنونية، أو حتى مناقشة فرص نجاحها إن كانت حقيقية. وإنما هدف هذا المقال أن أسأل السؤال المنطقى التالى: إن كان هذا هو فهم أجهزة الدولة لما حدث فى يناير 2011، فهل يتصور عاقل أن تقوم هذه الأجهزة فعلا بتسليم السلطة والسيطرة -أى تسليم الدولة- للإخوان المسلمين الفائزين فى الانتخابات؟ هل يتصور عاقل أن تسلم الأجهزة الأمنية والعسكرية التى تقاوم مخطط إسقاط الدولة نفسها هكذا للقائمين على تنفيذ هذا المخطط؟
أم أنها تناور؟
وإن كان المتآمرون يلتصقون بالشعب استخداما له واحتماء به فإن أجهزة الدولة تفعل نفس الشىء، فتلتصق بالثورة هى أيضا وتمجدها، فى نفس الوقت الذى تحاول فيه امتصاصها من أجل فصل جمهورها الأكبر –الأغلبية الصامتة الشهيرة– عن المتآمرين، والقضاء على الطليعة النشطة –ثوار التحرير– كيلا يستخدمهم الإخوان كوقود فى معركتهم مع أجهزة الدولة.
والانتخابات البرلمانية جزء من المناورة ضد المؤامرة. «خليهم يتسلوا»، كما قال الرئيس السابق. دعهم يفوزون بأغلبية، وأعطهم فوق البيعة سلفيين يخيفون الناس أكثر، ودعهم يأخذون البرلمان ويملؤون الدنيا ضجيجا. لكن السلطة الرئاسية تظل فى منأى عنهم. وحتى لو شكلوا حكومة تعكس الأغلبية البرلمانية، فستواجه عقبات كؤود فى الحكم، وتظل طيلة الوقت تحاول تنفيذ سياستها وتواجَه بعراقيل من داخل مؤسسات الدولة نفسها ومن جانب الرئاسة (سواء كانت مجلسا عسكريا أم شخصية مدنية). ويظل هذا التنازع قائما حتى يتم خلق الظروف المواتية لمواجهة مع المتآمرين، سواء بإعادة بناء القدرات الأمنية التى أضرت بها الثورة أو بسحب التأييد الشعبى من تحت المتآمرين أو مزيج من الأمرين.
وماذا يحدث فى هذه المواجهة الشاملة؟ شىء أشبه بما حدث فى غزة عام 2007 بين رئاسة السلطة من جانب وحكومتها وبرلمانها من جانب آخر.
والسؤال هو: هل يمكن لهذه الخطة أن تنجح؟

No comments:

Post a Comment