USATODAY.com News

Friday, April 1, 2011

أبو الطيب المتنبي

إذا كان هناك قلم يستطيع أن يهدم سيرة وصيت حاكم فهو بالتأكيد قلم أبي الطيب المتنبي، الشاعر الأعظم الذي استطاع بشعره أن يجعل من حاكم مصر كافور الإخشيدي مسخرة التاريخ والجغرافيا، صحيح أن المتنبي كان مداحًا ولكنه في لحظة الانقلاب علي الحاكم السلطان يظهر قلمه الحار ولسانه الناري وبلاغته الأسطورية وقسوته الخرافية، كان نموذجا حيا متحركا وناطقا وحقيقيا لجملة أن الكلمة سيف، ليس هناك مبدع عربي مؤمن بالكلمة وعاشق للمفردة إلا وداخله حلم أن يكون المتنبي، إذا خط خطًا انتبه السلطان وإن كتب جملة ارتج القصر وإن نطق كلمة عمل لها السلطان ألف حساب؛ فقد كان المتنبي زعيم المعارضة وكاتب الأمة وضمير التاريخ، وهناك مداحون كثيرون مدحوا السلاطين والأمراء، وهناك شعراء بالمئات هاجموا السلطان ونشروا فيه هجاء، لكن ليس الأمر متعلقًا بالهجوم والمعارضة والهجاء بل المهم هنا روعة البلاغة وفن الكتابة وبهاء الخيال، أغلب الظن أن المتنبي كان معجزة، فهو الشاعر الذي يهز العروش وهو نفس الشاعر الذي يسكن الوجدان العربي ويؤسس الحكمة التي لا تموت أبدًا، بل تخلد علي ألسنة العرب متي عاشوا؛ فأغلب ما نستشهد به في حياتنا العربية منذ أكثر من ألف عام هي أبيات شاعر عبقري كان يعرف أن موهبته كنزه الفتاك وأن بلاغته هي قنبلته النووية، يقول المتنبي:

يري الجبناءُ أن العجز عقل


وتلك خديعة الطبع اللئيم


الشاعر الذي يري أن العقل والتعقل عجز اخترع له الجبناء قناعًا، يطلق أبياتًا يحولها العرب إلي جزء أصيل من ثقافتهم وحياتهم اليومية فهو القائل:


إذا رأيتَ نيوبَِ الليثِ بارزة


فلا تظُنَّن أن الليثَ يبتسِمُ


وخذ عندك هذا البيت المذهل:


وإذا أتتكْ مذمتي من ناقصٍ


فهي الشهادة لي بأني كاملٌ


وأضف إلي حياتك هذه الحكمة المجربة:


إذا أنتَ أكرمتَ الكريم ملكته


وإن أنتَ أكرمتَ اللئيم تمردا


وافهم مع المتنبي آلية عمل القدر:


ما كُل ما يتمني المرءُ يُدْرِكه تجري


الرياحُ بما لا تشتهي السُّفُنُ


وتأكد كذلك من الحقيقة التالية:


ذو العقلِ يَشقي في النعيمِ بعقلهِ


وأخو الجهالةِ في الشقاوة يَنْعَمُ


وخذ بعضًا من الكبرياء والكرامة:


لا يْسْلَمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذي


حتي يُراق علي جوانبه الدَّمُ


ولا تهادن ولا تخضع فهذا تحذير شديد اللهجة:


من يَهُن يسهُلِ الهوانُ عليه


ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ


ولا تندهش من أن تصادفك الحياة بابتلاء مثل:


ومِن نَكَدِ الدنيا علي الُحر أن يري


عدواً له ما من صداقتهِ بُدُّ


وخذ بالك من أن أفعالك هي ذاتك:


علي قدر أهل العزم تأتي العزائم


وتأتي علي قدر الكرام المكارم


وخذ هذه حلقة في ودنك:


وإذا لم يكن من الموت بد


فمن العجز أن تموت جبانا


وتحسر معه في كل عيد:


عيد بأية حال عدت يا عيد


بما مضي أم بأمر فيك تجديد


وتعلم منه قمة المساواة واحترام المرأة:


فما التأنيث لاسم الشمس عيبًا


ولا التذكير فخرًا للهلال


ولهذا كله كن فخورًا كما كان:


أنا الذي نظر الأعمي إلي أدبي


وأسمعتْ كلماتي من به صمم


طبعًا مش محتاج تعرف مني أن المتنبي مات مقتولا بسبب قصيدة هجاء كانت أسوأ وأسخف قصيدة كتبها في حياته عن شخص جاهل ونكرة فتربص له في الصحراء مع أهله فلما أدرك المتنبي الحصار قرر أن يعود، فقال له ابنه أتهرب وأنت القائل:


الخيل والليل والبيداء تعرفني


والسيف والرمح والقرطاس والقلم


فنظر المتنبي لولده طويلا وخشي أن تعايره العرب بفراره فقال: قتلتني يا بني


وذهب فحارب مع ابنه فماتا معا.


وها هي قصيدة المتنبي قتلته وبيت من الشعر أجهز عليه، ولكن آلاف الأبيات من شعره أحيته لمئات السنين وحتي يقوم معنا يوم القيامة!

No comments:

Post a Comment