USATODAY.com News

Thursday, April 21, 2011

حسني مبارك.. الرئيس المخلوع


الرئيس المخلوع حسني مبارك...الرئيس المخلوع حسني مبارك...الرئيس المخلوع حسني مبارك.

يا سلاااااااااااام...ما أروعها من جملة..عندما أسمعها تسري قشعريرة في بدني و كأنني أجلس بصحبة الأصدقاء حول النار أتدفأ من برد ديسمبر. صوت قائلها أياً يكون هو في أذني كروان مغرد يعزف لحناً سماوياً تنساب له دموع الفرحة.

أول مرة استمعت إليها كانت من قناة الجزيرة بعد إعلان تنحي المخلوع بخمس دقائق. أستعيدها وأطرب لها كأنها سيمفونية بيتهوفن التاسعة..كأنها "هو صحيح الهوي غلاب" تشدو بها الست أم كلثوم في ليلة مقمرة.

لم أكن أدري أنني يمكن أن أقع أسير هوي جملة من أربع كلمات تجسد حلم أمة لا زالت غير مصدقة أنها خلعت المجرم و تخلصت منه إلي الأبد.

أقسم بالله أنني حتي الآن أستيقظ في جوف الليل مفزوعاً علي حلم أن مبارك عاد إلي السلطة مرة أخري، و أحياناً أري في المنام أنني استيقظت من حلم جميل رأيت فيه الشعب يخلع الرئيس و عدت إلي الواقع الكئيب الذي عشناه ثلاثين عاماً،  ثم الفرحة العارمة عندما استيقظ لأتيقن أن رحيل مبارك حقيقة ساطعة و أن ما ارتعبت منه كان حلماً مفزعاً. يا الله..رحل الوحش و ما زالت كوابيسه تطاردني في المنام!.

لا أستطيع أن أصف وقع الكلمات الأربع علي نفسي. إنني أشعر لدي سماعي إياها أن نشوة هادئة تتسلل إلي نفسي و تعبرني  فتسري في دمي حتي تصل إلي المخ فتمنحني هدوئاً و طمأنينة و كأنها أنعشت إفراز الإندورفين و المواد المريحة داخلي.

هل كان وجود هذا الرجل يؤلمني إلي هذا الحد؟.. إنني لا أستطيع أن أزعم أن ثأراً شخصياً يربطني به، فأنا لم أتشرد مثلاً في عهده و لم أدخل السجن، و لكن المسألة ليست دائماً علي هذا النحو، فمن ذا الذي يستطيع أن يكون سعيداً في مجتمع يمتليء بالتعاسة و البؤس؟. من هذا الجبان الذي يستطيع أن يغض الطرف عن بلده الذي كان شامخاً مرفوع الرأس فإذا به علي يديه يتحول إلي كيان مزري متسول فاقد القيمة و الإعتبار؟.من الذي يستطيع أن يدير وجهه لحقيقة أننا أصبحنا نشعر بكوننا جزءاً من العار الذي غلّف به حياتنا؟. كل العالم حتي الذين ربطتهم به علاقات طيبة من العرب و العجم كانوا يعرفون أنه لص!. فأي خزي هذا الذي كنا نشعر به و نظرات الإشفاق تلاحقنا خارج مصر... و أحياناً نظرات الشماتة؟. و في بعض الأحيان كان الوسواس يصور لنا أننا نظهر للناس في صورة صبيان القواد!.. فيالتعاستنا و شقائنا برئيسنا الذي لم نختره!.

هل أكرهه؟. لا أدري.. و لكن ما أدريه أنني لا  أستطيع أن أحب من أمرض نصف شعبه بأمراض خطيرة و كان بإمكانه أن يجنبهم سوء المصير لو أنه كان أقل جشعاً و دناءة. لقد انتشر في عهده مرض السرطان انتشاراً وبائياً بين المصريين علي نحو لم نعرفه أبداً، و كان السبب هو التلوث الذي اجتاح قري مصر و أحياءها الفقيرة..ذلك التلوث الناشيء عن قذارة المياه و غياب الصرف الصحي و تلوث المحاصيل الزراعية. و لماذا حدث كل هذا؟ ببساطة لأن الأخ سرق الأموال التي كانت مخصصة لمشروعات مياه الشرب النقية و سرق الأموال التي كانت مخصصة لمشروعات الصرف الصحي و ترك الفلاحين يروون مزروعاتهم بمياه المجاري فنشر السرطان و الفشل الكلوي و الفيروسات التي التهمت أكباد المصريين. ليس هذا فقط و إنما أخذ الأخ ما تبقي من أموال في الميزانية العامة و وزعها علي قطاعات وزارة الداخلية من أجل استيراد أدوات التعذيب و المدرعات القاذفة للقنابل المسيلة للدموع و للمياه المخلوطة بالمواد الحارقة ليكوي بها شباب مصر إذا خرج في مظاهرة سلمية..و لتذهب الصحة و المستشفيات إلي الجحيم، و ليذهب التعليم و المدارس إلي الحجيم و لتتذهب الثقافة و يذهب البحث العلمي إلي الجحيم.

 لقد اندهش الرجل الطيب الذي يقدم لي الشاي و القهوة في المقهي عندما قلت له: سأمنحك عشرة جنيهات في كل مرة تقترب مني  و تقول لي علي غير توقع: الرئيس المخلوع حسني مبارك..اندهش الرجل و سألني في ذهول: انت بتتكلم جد؟.فأجبته: جرب بنفسك!.

غير مهم أنه ظن بي الجنون، و غير مهم المائة و عشرون جنيهاً التي أخذها الرجل. المهم أنه منحني ساعتين مملؤتين بالبهجة و السعادة الحقيقية و الضحك من القلب عندما كان يبدل و ينغّم و يقسّم في كل مرة ينطق فيها الجملة الساحرة المسحورة: حسني مبارك الرئيس المخلوع.

No comments:

Post a Comment