USATODAY.com News

Tuesday, April 5, 2011

عبادة الأصنام.. ومنطق "من أنت لتقول للشيخ: أخطأت"؟!



Apr 5 2011
العالِم مجتهد قد يصيب وقد يخطئ.. فليس معصوما إلا محمد صلى الله عليه وسلم
بداية معرفتي عن كيف عبد الناس الأصنام جاءت من خلال سلسلة "أنبياء الله" للأطفال بقلم الراحل عبد الحميد جودة السحار. قرأتُ فيها أنه كان بين الناس خمسة صالحين: ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونَسر.. كانوا صالحين محبوبين إلى حَدّ أن الناس قد صنعوا لهم بعد موتهم تماثيل لتخليد ذكراهم، ويبدو أن هؤلاء الخمسة كانوا من الصلاح والخُلُق بأن افتتن الناس بهم، وتحوّل احترام ذكراهم إلى تقديس، والتقديس إلى عبادة.. فمن هُنا عُبِدَت الأصنام.. القصة تتشابه في مختلف الحضارات القديمة، فأوزوريس وإيزيس وحورس في مصر كانوا ملوكا أرضيين تَرَقّوا في ضمائر المصريين إلى آلهة؛ من فرط ما حظوا به من حُب، وبَعل في فينيقيا وبابل كان رجلا صالحا بلغت محبة الناس له أن رفعته لمصافّ الآلهة.

هكذا وُلِدَت عبادة الأصنام، من رَحِم المغالاة في الافتتان بالبشر!

الرِدّة المتنكرة والنفاق المفضوح!
البشر يخطئ ويصيب، يحمل في داخله الخير والشر، والاختيارات المصيبة وتلك الخاطئة، فكرا وقولا وفعلا، فتلك صفة مميزة لبني الإنسان، فمن لم تكن فيه فهو ليس ببشر، بل إله! بحسبة بسيطة نجد أن افتراض أن هذا الشخص أو ذاك "لا يخطئ" يقودنا بشكل مباشر لأن ننزع عنه آدميته ونعتبره معصوما، والكارثة تبدأ حين يقف تفكير البعض عند هذه النقطة، وبدلا من أن يعترفوا بخطأ نظرتهم لبشر مثلهم أنه "معصوم"، بالعكس يتعصّبون له ويتحول عندهم لـ"رمز مقدّس" لا يجوز أن يتهمه أحد بالخطأ.. ولا يصح أن يكون لأحد عليه عتاب، ولا أن يؤخذ من كلامه ويُرَدّ عليه، هذا ما أصاب -مع الأسف- كثير من المنتسبين للتيار السلفي، فعادت عبادة الأصنام للإسلام ولكن في شكل آخر، في تنكّر خبيث أجاد الشيطان صنعه وألبسه ثوب "احترام العلماء"، فأصبح نقدهم يُصنّف تحت باب "نهش اللحوم المسمومة للعلماء"، وأصبح الناقد مارقا زنديقا فاسقا علمانيا، أو "رويبضة" كما يحلو لهم تسميته؛ في تحريف منهم لفهم الحديث الشريف الذي وردت به تلك الصفة لبعض الناس في آخر الزمان.

المستفزّ أن هؤلاء يمارسون ما ينتقدونه لدى غيرهم، فهم يقدّسون شيوخهم بينما ينتقدون نظام "الكهنوت" لدى أهل الكتاب من المسيحيين واليهود، وهم ينقادون بالكامل لهؤلاء الشيوخ في ذات الوقت الذي يعيبون فيه على غلاة المتصوّفين قولهم إن "المريد بين يدي شيخه كالجثة بين يدي المُغَسّل"، ويدينون غلاة الشيعة لقولهم بعصمة الفقهاء من الخطأ! وهو نفاق مفضوح للذات، ومخالفة لأبسط قواعد الإسلام في ألا ننهى عن الأمر ثم نفعله نحن! والرسول -صلى الله عليه وسلّم- قال: "لا تطروني!"، أي ألا نبالغ في تعظيمه لحدّ نزع إنسانيته وإلصاق بعض صفات الألوهية به، كالعصمة التامة (وأعني العصمة الكاملة التي ليست إلا لله وليست تلك الخاصة بالأنبياء والرسل) ومعرفة الغيب، والقدرة الكليّة.. فكيف بمن هم دون الرسول -صلى الله عليه وسلم- علما وخُلُقا، ولنعترف أننا جميعا دونه؟! كيف نطريهم وقد نُهِينا عن إطراء الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ولو كان الإطراء والتقديس جائزا لبشر لكان الرسول أولى به، فكيف نمتنع عن ذلك معه -عليه الصلاة والسلام- ثم نفعله مع غيره؟

إلا صاحب هذا القبر:
"كلٌّ يؤخذ من قوله ويُرَدّ إلا صاحب هذا القبر"، كان الإمام مالك -رضي الله عنه- يقولها ويشير لقبر النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- أوليس الإمام مالك من السلف الصالح؟ لماذا إذن لا نحترم قوله ونعمل به؟ إن من يعيبون الأخذ من قول الشيوخ والردّ عليهم يعارض بهذا قول الإمام مالك، ويُعطي الشيوخ حقا ليس إلا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويُفترض تساوي قولهم مع قوله، وفي هذا خلل في العقيدة، فالرسل لا ينطقون عن الهَوَى، فقولهم مربوط بالوحي والتوجيه الإلهي المباشر، أما العالِم فهو مجتهد في البحث عن الأحكام في القرآن والسُنة، واجتهادات من قبله، وهذا يعني أنه ليس في منأى عن الخطأ، فإن اجتهد وأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران، إذن فتعبير "الخطأ" قيل بشكل صريح في حق العلماء، مما يجعل إنكار إمكانية وقوعهم في الخطأ، واستنكار أن يقول أحد "فلانا من العلماء أخطأ" هو إنكار لأحد محتويات الإسلام، وهذا مما يطعن في عقيدة من يقول ذلك! أجل.. أنا أقولها صريحة أني -وأي مسلم يفهم دينه- نستطيع الطعن في سلامة عقيدة من يقول بـ"عصمة" هذا الإنسان أو ذاك من الخطأ، باعتباره ينكر أمرا من "المعلوم في الدين بالضرورة".

والمشكلة أن ممن يهبّون ثائرين إذن عوتب هذا الشيخ أو ذاك من يحتجّ على القائل بأن الشيخ أخطأ بأن "من أنت لتلوم الشيخ أو لتقول إنه مخطئ؟" أو "المفروض ألا يقول بخطأ العالم سوى عالم مثله".. عفوا ولكن ثمة أخطاء لا تحتاج لمتخصص متعمق لكشفها، فعلى سبيل المثال لا يحتاج الأمر لفقيه ليقول لبعض المشايخ إن عليهم قبل الإفتاء في شئون السياسة أن يكونوا قد درسوها وفهموا جوانبها جيدا، وإلا فإنهم لم يستوفوا شروط الفتوى فيها شرعا، تماما كما لا يحتاج الأمر للتخصص في الطب لأقول لطبيب القلب إنه مخطئ إن لم يطلب من مرضاه الإقلاع عن التدخين.. فلو أننا قصرنا الأخذ من العلماء والردّ عليهم على طبقة العلماء فإننا بهذا نخلق للإسلام "كهنوتا" ليس له. هذا لا يتعارض بالطبع مع وجوب وجود "حد أدنى للعلم" لدى المتحدث عن تصرف أو موقف أو قول العالم بالمدح أو الانتقاد، هذه مسألة بديهية مفروغ منها، ولكن أن نغلق دائرة نقد الشيوخ على الشيوخ فهذا مما يبعد الناس عن فهم الدين، ويحوّلهم لمجرد أتباع لهذا الشيخ أو ذاك، ويخلق هوّة واسعة بين المثقفين وعلماء الدين، وهما ظاهرتان يعانيهما مجتمعنا مع الأسف الشديد.

أين العلماء؟
السؤال هو: أين العلماء مِن هذه الظاهرة المريعة؟ أعني تقديس العلماء وافتراض عصمتهم من الخطأ.
إن السلف الصالح لم يحاربوا الوثنية وتقديس الإنسان للإنسان ليأتي أحفادهم بهما ثانية، في هذا إهدار لدماء وعرق ودموع وتعب الآلاف بل الملايين من القرون الأولى للإسلام، الذين سعوا صادقين لتحرير الإنسان من عبودية الإنسان ماديا ومعنويا، فأين علماؤنا من تلك المسألة؟ لماذا لا يتحركون لمحاربتها؟ أليست تلك بدعة؟ وكل بدعة -كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم- ضلالة وكل ضلالة في النار؟ فكيف هذا الصمت عن مواجهة تلك البدعة؟

أعتقد أن مسئولية مواجهة هذه الظاهرة تقع في المقام الأول على الشيخ؛ فهو -لو سمحتم لي بالتعبير- "موضوع الظاهرة"، فعليه أن يقتدي بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "لا تطروني" ويفعل المثل، وأن يشرح لمريديه أن ثمة فارقا بين "الاحترام الواجب لعلماء الدين" و"تقديسهم ورفعهم عن مصافّ البشر واعتبارهم معصومين"، وأن يعلّمهم بعناية حدود هذا وذاك.

أنا أعلم أن من يرتكبون هذا الخطأ -تقديس المشايخ- إنما تحرّكهم النوايا الحسنة وطبيعتنا كمصريين في احترام الصالحين والفقهاء، ولكن الطريق للجحيم مفروش بالنوايا الحسنة، ومن يرتكب الخطأ الجسيم بحسن نية يكون حسن نيته -مع الأسف- دافعا لغيره ليتعلم خطأه ويقلده.. وهنا بداية الكارثة!
هذه ظاهرة مما على شيوخنا التصدي له من ظواهر سلبية غزت مجتمعنا.. فهل من مجيب؟ أتعشم خيرا إن شاء الله تعالى..

No comments:

Post a Comment