USATODAY.com News

Sunday, March 27, 2011

تعليقاً على من ادعى أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزه


د. محمد عمارة   |  01-01-2010 21:00
هكذا شهدت ملكات الفصاحة والبلاغة والبيان وملكات الفكر والمنطق والعقلانية في المحيط العربي وخارجه من المسلمين وغير المسلمين للإِعجاز القرآني المتحدى على امتداد عمر الإِسلام منذ أن نزل الوحي بهذا القرآن وحتى هذا العصر الذي نعيش فيه ..
فهل يصح بعد هذا أن يقول كاتب هذا المنشور التنصيري : إِن محمدا لم يأت بمعجزة » .
وإِذا كان مفهوم المعجزة عند كاتب هذا المنشور التنصيري هو المعجزة المادية التي كانت طابع المعجزات في الرسالات التي سبقت رسالة الإِسلام والتي كانت ملائمة لطفولة العقل البشري – التي تتوق لما يدهش العقل – فإِن بلوغ البشرية سن الرشد قد اقتضى تحولا في طبيعة الإِعجاز فكانت معجزة القرآن عقلية تستنفر العقل للتعقل والتدبر والتفكر وتحتكم إِليه وتعلى سلطانه .
ولقد كان الوثنيون جريا على المألوف في النبوات السابقة يطلبون من رسول الإٍسلام صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالمعجزات المادية وليس بالقرآن المعجزة العقلية :

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً * وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيرا } [ الاسراء : 89 – 96 ] .
لقد كانوا يطلبون المعجزات المادية التي تدهش العقول فتشلها عن التفكير لكن رسول الإِسلام قال لهم إِن الله قد شاء أن تكون لمعجزته – القرآن – طبيعة خاصة وجديدة .. أن تكون معجزة عقلية تستنفر العقل وتحتكم إِليه ، وذلك لتناسب مرحلة بلوغ الإِنسانية سن الرشد وتجاوزها مرحلة « الخراف الضالة » ولذلك كان القرآن المعجز المتحدى الذي صرف الله فيه من كل مثل ..
وعن هذه الحقيقة – حقيقة تغير طبيعة المعجزة في الرسالة الإِسلامية – يقول الإِمام محمد عبده :
« لقد تآخى العقل والدين لأول مرة في كتاب مقدس على لسان نبي مرسل بتصريح لا يقبل التأويل .. فأوس أساس وضع عليه الإِسلام هو النظر العقلي ، والنظر عنده هو وسيلة الإِيمان الصحيح ، فقد أقامك منه على سبيل الحجة وقاضاك إِلى العقل ومن قاضاك إِلى حاكم فقد أذعن إِلى سلطته ، فالله يخاطب في كتابه الفكر والعقل والعلم بدون قيد ولا حد ، والقرآن قد دعا الناس إِلى النظر فيه بعقولهم ، فهو معجزة عرضت على العقل وعرفته القاضي فيها وأطلقت له حق النظر في أنحائها ونشر ما انطوى في اثنائها فالإِسلام لا يعتمد على شيء سوى الدليل العقلي والفكر الإِنساني الذي يجري على نظامه الفطري ، فلا يدهشك بخارق للعادة ، ولا يغشي بصرك بأطوال غير معتادة ، ولا يخرس لسانك بقارعة سماوية ، ولا يقطع حركة فكرك بصيحة إِلهية ، والمرء لا يكون مؤمنا إِلا إِذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتى اقتنع به (38) هذا انتقلت طبيعة المعجزة إِلى « كيف جديد » بعد أن بلغت الإِنسانية سن الرشد ، فلم تعد « الخراف الضالة » فكان القرآن معجزة عقلية ناسبت ذلك الطور الجديد .. وفارقت الطابع المادي للمعجزات الذي ناسب تلك المرحلة التي قال فيها القديس اغسطين « 354 – 43 م » :
« أومن بهذا لأنه محال أو غير معقول » !! وقال عنها القديس أنسيلم « 1033 – 1109 م » .
يجب أن تعتقد أولا بما يعرض على قلبك بدون نظر فليس الإِيمان في حاجة إِلى نظر عقل !!(39) .
حتى شاعت في ذلك « الفكر اللاعقلاني » مقولات من مثل : « اعتقد وأنت أعمى » !! .
وأغمض عينيك واتبعني !! .
« وإننا نصدق ونؤمن حتى ولو لم يكن ما نؤمن به معقولا » !! (40).
ثم إِن هذا الطابع العقلي لمعجزة القرآن الكريم قد واكب ولبى احتياجات كونه المعجزة الخاتمة والخالدة التي ستواكب تقدم الإِنسانية إِلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
كما حقق – وللمرة الأولى – في تاريخ المعجزات اتحاد الرسالة بـ « الإِعجاز » وذلك بعد أن كانت « كتب الدين » في – الرسالات السابقة – منفصلة عن المعجزات المادية التي أظهرها الله على أيدي المرسلين .
* * *
وإِذا كان التحدى – في رسالة الإِسلام – قد وقع بالإِعجاز القرآني دون سواه ، فإِن جمهور علماء المسلمين يؤمنون بأن رسول الإِسلام صلى الله عليه وسلم قد أظهر الله على يديه الكثير من المعجزات المادية التي لم يقع التحدى بها .
ولقد تضمن النص القرآني المحكم والقطعي الدلالة والثبوت الحديث عن معجزة مادية كبرى أظهرها الله على يد رسول الإسلام وتم بها الامتحان والاختبار والتحدي لأهل مكة وهي معجزة الإِسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام – مكة - ، إِلى المسجد المقدس ، ثم العودة بإِعجاز خارق للقوانين المعتادة في مثل هذه الرحلات :{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الاسراء : 1 ] .
كما تحدث القرآن الكريم عن معجزة مادية أخرى بالغة في إِعجازها – أظهرها الله على يدي رسول الإِسلام وهي معجزة العروج به إِلى السماوات العلى في ليلة الإِسراء :

{
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } [ النجم 1 – 18 ] .

نعم لقد أظهر الله على يدي رسول الإِسلام صلى الله عليه وسلم آيات معجزات مادية كبرى لكن ظل التحدي فقط بالمعجزة العقلانية ، معجزة القرآن الكريم ، لأنها الحجة الدائمة أبدا للرسالة الخالدة أبدا ، والتي لا يقتصر إِعجازها وتحديها على عصر ظهورها ، ولأنها الجامعة « للرسالة » و « للإِعجاز » جميعا .. ولأنها الجامعة للهدى في الدنيا وفي الآخرة ولصناعة الإِنسان السوى والمجتمع السوي عبر الزمان والمكان إِلى أنيرث الله الأرض ومن عليها .
تلك هي حقيقة معجزة محمد صلى الله عليه وسلم التي غفل عنها أو تغافل كاتب هذا المنشور التنصيري عندما قال « إن محمدا لم يأت يمعجزة » .
وكما كان هدف هذا المنشور التنصيري من وراء نفي العصمة عن الأنبياء والمرسلين وادعاء سقوطهم في الخطيئة والزعم بأن رسول الإِسلام صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزة .
كما كان الهدف من وراء تنقيص الأنبياء والمرسلين هو إِبراز فرادة وتفرد المسيح – عليه السلام – وصولا إلى تأليهه بدعوى أنه « الوحيد الكامل كمالا مطلقا بلا أي خطية فعلية أو أصلية ، فهو غير مولود وارثا لطبيعة الخطية الأصلية من أبينا آدم » .
كما كان هذا هو الهدف من وراء « تنقيص الأنبياء والمرسلين » لإِفراد المسيح بالكمال المطلق كانت مقاصد هذا المنشور التنصيري من وراء بخس الأنبياء والمرسلين حظوظهم في المعجزات لإِبراز تفوق المسيح عليهم جميعا في كم المعجزات وكيفها ! .
ففي الصفحات 22 – 25 يسرد هذا المنشور التنصيري أربعة عشر إِعجازا يقول إِن المسيح قد تفرد بها وأن عددها وطبيعتها تدل على الطبيعة الإِلهية للمسيح ، ومن هذه المعجزات . إِحياؤه الموتى ، وشفاؤه المرضى ، وعلمه للغيب إِلخ .. إِلخ ونحن في الرد على دعاوى توظيف معجزات المسيح عليه السلام لتأليهه ، ودعاوى تفرده في الإِعجاز كيفا وكما نقول :
إِن المعجزة هي علامة وآية خارقة للعادة يظهرها الله سبحانه وتعالى على يد مدعى النبوة والرسالة لتقوم دليلا معجزا على صدق دعوته يتحدي بها الرسول الذين لا يصدقون دعوته ورسالته .
واحدة من هذه المعجزات تكفي للبرهنة على صدق الرسول ، أما كثرة المعجزات فلها علاقة بمستوى التكذيب لدى القوم ، ومستوى الغلظة التي هم عليها ، ولا علاقة لكثرة المعجزات بمستوى التكريم للرسول ولا بمنزلته ، وإِلا فمعجزات موسى – عليه السلام – أكثر في العدد والإِدهاش من معجزات أبي الأنبياء إِبراهيم عليه السلام .
ومن معجزات موسى التي استدعتها غلظة قلوب بني إسرائيل وعتو فرعون :
إِنقاذه من الذبح وهو وليد .
وإِنقاذه من الغرق في اليم .
وإِيحاء الله إلى أمه .
وإرجاعه إِلى أمه لترضعه .
ونجاته من فرعون .
وتجلى الله له .
وتكليم الله إِياه .
والعصا التي أصبحت حية تلقف ما صنع الساحرون ، وإِحياء العصا أبلغ من إِحياء الميت . ! .
وفلق البحر له ولبني إِسرائيل كالطود العظيم .
وهلاك فرعون وملئه .
ونتوء الجبل .
والتقلبات التي حدثت ليده .
وإِنزال المن والسلوى له ولمن معه .. إِلخ .. إِلخ .
ومثل كثرة المعجزات على يد رسول من الرسل ، كثرة الرسل في قوم من الأقوام ليست علامة تكريم للقوم ورفعا لشأنهم بقدر ما هي دليل على غلظة قلوبهم وكثرة خروجهم على هدى الشريعة الإِلهية كما هو الحل في بني إِسرائيل ، فكثرة المعجزات ككثرة الرسل في قوم من الأقوام هي ككثرة القوانين في مجتمع من المجتمعات ليست دليلا على الامتياز بقدر ما هي دليل على غلظة القوم وكثرة عصيانهم وخروجهم على الهدى والقانون .
لقد قال المسيح – عليه السلام – عن يوحنا المعمدان – عليه السلام - : « الحق أقول لكم : لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان » .
ومع ذلك فليس يوحنا المعمدان معجزات ! .
ولقد كان إِحياء المسيح الموتى إِعجاز من الله بإِذن الله وأعظم منه في الإِعجاز ، تلك الحياة التي دبت في عصا موسى حتى صنعت المعجزات .
وإِذا كان المسيح – عليه السلام – قد أشبع الجوعى بمعجزة من الله ، فإِن موسى – عليه السلام – قد أطعم بني إِسرائيل المن والسلوى بمعجزة من الله – الخروج 16 : 4 – 31 .
وأعجب من معجزة المسيح شفاء الأبرص .. معجزة موسى عندما أخرج يده من جيبه سليمة صحيحة ثم أدخلها في عبه فلما أخرجها إِذا هي برصاء بيضاء كالثلج فلما ردها إِلى عبه مرة أخرى ثم أخرجها إِذا هي صحيحة سالمة .
وكذلك معجزة اليشع – اليسع – الذي جاءه نعمان رئيس جيش ملك آرام ليشفيه من البرص فطلب منه اليشع الاغتسال في نهر الأردن سبع مرات متتالية فبرئ من البرص فور فعله لذلك .
ومعجزة تشكيل عيسى من الطين كهيئة الطير ثم النفخ فيها لتصبح حية بإِذن الله أعجم منها تحول عصا موسى وهي كما هي دون تشكيل إِلى حية تسعى وتلقف ما صنع الساحرون .
ومعجزة عيسى إِحياء الموتى بإِذن الله لها نظائر مثلها وأكثر منها وأسبق في معجزات أنبياء بني إِسرائيل .. فالنبي إِيليا – إِيلياس – تخبره امرأة بقرية صرفة بموت ولدها فيرده « ايليا حيا معافي ويقول للمرأة انظري ابنك حي » ! .
وأعجب من هذه المعجزة معجزة اليشع – اليسع الذي بشر المرأة الشوغية بمولود تلده ويكون في حضنها في مثل هذا الوقت من العام القادم ولما تحققت هذه المعجزة وكبر الولد ومرض ومات سافرت المرأة إِلى اليشع وأخبرته بموت ولدها فجاء إِلى قريتها وأحيا الولد بإِذن الله .
ومثل هذه المعجزات – إِحياء الميت – قصة ذلك الميت الذي كان يحمله أهله في النعش ليدفنوه ، فلما أبصروا الغزاة قادمين ذعروا وألقوا الميت فسقط على قبر النبي « اليشع » وبنص العهد القديم الذي يؤمن به النصارى فلما مس جسد الميت عظام اليشع عاش وقام على رجليه ! – سفر الملوك الثاني 13 : 21 أي أن اليشع قد أحيا الموتى وهو ميت !! فكان في المعجزات أبلغ وأكثر إِدهاشا من المسيح – عليه السلام ! .
ومعجزة المسيح تكثير الطعم القليل أسبق منها وأعجب ما صنعه اليشع عندما جاءته امرأة من بني الأنبياء كان زوجها تقيا ، فسألته ماذا تفعل وهي فقيرة لا تملك سوى قطرات قليلة من الزيت ، مع المرابى الذي يطالبها بسداد الدين الذي عليها ، فطلب منها اليشع أن تذهب فتستعير من جميع الجيران كل ما لديهم من الأوعية الفارغة ، وقال لها : ثم ادخلي وأغلقي الباب على نفسك وعلى بنيك وصبي في جميع هذه الأوعية زيتا ثم قال لها اليشع « اذهبي بيعي الزيت وأوفى دينك وعيشي أنت وبنوك بما بقي » ! سفر الملوك الثاني 4 : 7 .
ومثل هذه المعجزات كذلك ما صنعه اليشع بالأرغفة العشرين عندما أمر خادمه أن يقدمها طعاما للشعب ليأكلوا منها فلما قال له الخادم :
ماذا ؟ ! هل أجعل هذا أمام مائة رجل ؟ !
قال للخادم : اعط الشعب ليأكلوا لأنه هكذا قال الرب : يأكلون ويفضل عنهم فأكلوا وفضل عنهم حسب قول الرب سفر الملوك الثاني 4 : 42 ، 43 .
وأعجب من ذلك في الإِعجاز والإِدهاش ما صنعه النبي إِليا - « إِلياس » - مع المرأة في قرية صرفة عندما طلب منها طعاما وشرابا إِبان القحط والجفاف فلما أخبرته بأن كل ما في بيتها لا يتعدى ملء كف من دقيق ، بشرها بأن ما عندها لن ينفذ أبدا ، وسيكفيها وأسرتها ثلاثة أعوام حتى يجيء المطر فتحققت المعجز . سفر الملوك الأول 17 : 4 – 6 .
ومثل ذلك وأعجب معجزة « إِليا » - « إِلياس » الذي كانت تأتيه الغربان بقوته ، وتطعمه في اليوم مرتين ، فتأتيه بخبز ولحم صباحا ، وتأتيه بمثلها مساء ، ويشرب من ماء النهر سفر الملوك الأول 13 : 4 – 6 .
وعندما هرب إِلياس من ملك الإِثنيين مخافة أن يقتلوه ونام في مكان مهجور في انتظار الموت من شدة الجوع والعطش « إِذا بملاك مسه وقال : قم وكل لأن المسافة كثيرة عليك فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهارا وأربعين ليلة إِلى جبل الله حوريب ودخل هناك المغارة وبات فيه . سفر الملوك الأول 19 : 5 – 9 (41) .
* * *
ففي هذه المعجزات وأمثالها لأنبياء كثيرين من الذين بعثوا في بني إِسرائيل والتي ورد ذكرها في الكتاب المقدس الذي يؤمن به النصارى فيها ما هو أعجب من معجزات المسيح – عليه السلام – ومع ذلك لم يقل أحد – حتى من النصارى – بألوهية الأنبياء الذين تفوقوا على المسيح في هذه المعجزات .
فلا المسي قد تفرد بالإِعجاز ولا كثرة الإِعجاز وإِدهاشه دليل على ألوهية من ظهرت على يده هذه المعجزات .
إِن كثرة المعجزات وشدة إِدهاشها لا علاقة لها بتفاضل مراتب الأنبياء والمرسلين ، وإِنما هي تابعة لغلاظة قلوب القوم الذين بعث فيهم هؤلاء الأنبياء ثم إِنها جميعا خلق الله الواحد الأحد الذي خلقها وأظهرها تأييدا لعباده الأنبياء والمرسلين .
وهكذا سقطت حجة كاتب هذا المنشور التنصيري التي توسل بها لتأليه المسيح – عليه السلام – عن طريق دعوى تفرده وتميزه في المعجزات وعن طريق تنقيص الأنبياء والمرسلين في العصمة والإِعجاز .
هوامش:
38ـ « الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده » جـ 3 ص 356 ، 357 ، 282 ، 151 ، 279 – 281 .
39ـ المصدر السابق جـ 3 ص 279 .
40ـ د. أحمد شلبي « مقارنة الأديان » جـ 2 ص 124 – طبعة القاهرة .
41ـ انظر في ذلك : حسنى يوسف الأطير « تقويم الاعتقاد بين القرآن والنصارى الموحدين » ص 267 – 272 – طبعة مكتبة النافذة – القاهرة سنة 2005 م .

1 comment:

  1. فإِن بلوغ البشرية سن الرشد قد اقتضى تحولا في طبيعة "الإِعجاز فكانت معجزة القرآن عقلية تستنفر العقل للتعقل والتدبر والتفكر وتحتكم إِليه وتعلى سلطانه .
    "

    ReplyDelete