USATODAY.com News

Wednesday, March 23, 2011

لست وحدك د. أحمد خالد توفيق


D
المذيع: لا تقلق يا مروان.. أعرف أنك تسمعني؛ لأن موجات الهاتف المحمول تخترق هذه الصخور بمعجزة ما.. أنا كذلك أسمعك؛ لكن يسمعك معي ملايين المستمعين بلا مبالغة، في كل الدول الناطقة بالعربية.. قلوبنا معك ونأمل أن تنجو.. نعرف أنك ستنجو..
مروان: يسرني أن أسمع صوتك يا عمر.. وبهذا الوضوح.. هذا يجعل موقفي أقلّ كآبة.. إن الظلام دامس لكن الضوء الأزرق القادم من شاشة المحمول يخففه قليلاً.. الهواء رائحته غريبة، والتنفس عسير نوعًا.. أضف لهذا أن الحر خانق هنا.. لحظة.. سوف أتحرر من هذا القميص.. في الواقع سوف أتحرر من معظم ثيابي ما دام لا أحد يراني.. إن العرق يغمر كل شيء.. قل لي بصراحة: ما هي فرصتي في النجاة؟

المذيع: إن قوات الجيش التي تحاول إخراجك تقول إن الأمل كبير.. يبدو أنهم سيستعينون بخبير مفرقعات كي يضع الديناميت في نقاط استراتيجية.. يقولون إن هذا سوف يخفف حمل الصخور ليمكن إزاحتها..

مروان: آي.. ديناميت..! من الوارد جدًا أن أتحول إلى فتات..

المذيع: هم يعرفون ما يفعلون..

مروان: بيني وبينك.. حتى لو فشلوا سيكون هذا أفضل بمراحل من الموت هنا جوعًا وظمأ وربما اختناقًا..

المذيع: لا أريد أن أقلقك.. لكن هل الهاتف المحمول مشحون بما يكفي؟

مروان: قمت بشحنه صباح اليوم.. لن يستمر للأبد وإنني لأكره أن أرى اللحظة التي ينقطع فيها الشحن.. هذا لا يعني الصمت والعزلة فقط.. بل يعني الصمت والعزلة والظلام.. أعتقد أنني سأُجنّ وقتها.

المذيع: أرجو أن تكون قد خرجت قبل هذا.. لا أحد يتمنى أن تمرّ بلحظات كهذه.. للتذكير يا حضرات المستمعين، أو المشاهدين الذين لا يرون شيئًا مثلنا، نقول إن "مروان" طالب في كلية العلوم قسم الجيولوجيا، وقد كان مع رفاقه في تلك المنطقة من الصحراء الغربية يستكشفون مجموعة من الكهوف.. لسبب يتعلق بحماسة الشباب -أو خَرَقهم- قرر "مروان" أن يجرّب ذلك الكهف وحده.. يبدو أن رفاقه كانوا مشغولين بالتقاط بعض الصور عندما تسلل هو إلى المدخل.. لم يكن ينوي التوغل.. فقط مشى عشر خطوات حسب كلامه، وهنا حدث انهيار أرضي عنيف.. تساقطت الصخور ولم تؤذه لحسن الحظ، لكنها سدّت مدخل الكهف الذي كان هو نفسه المخرج.. ولسبب لا نفهمه ظل الهاتف الخلوي يعمل. من مكمنه في الظلام اتصل بأصدقائه يخبرهم بمكانه وأنه ما زال بخير، ويبدو أن لديه ما يكفي من الأوكسجين، وقد اتصل رفاقه بالسلطات التي استعانت بعناصر من الجيش.. لكن المشكلة معقدة؛ لأن الصخور التي تسد المدخل ضخمة وثقيلة جدًا.. لم تُجد المحاولات البطولية التي استمرت عدة ساعات. بالطبع لم تكن قناة "الشرارة" لتُفَوّت هذه اللحظات، فانتقل فريق من مصورينا إلى مكان الحادث.. بالطبع لا يرى المشاهدون أي شيء سوى موقع الكهف وآثار الانهيار وفِرَق الإنقاذ، لكننا استطعنا الاتصال بمروان، وأنتم تسمعونه بوضوح.. سوف نبقى على اتصال بكم إلى أن يتم تحريره من هذا الكهف..


(لمروان)
مروان.. هل هناك شيء مهم يخص هذا الكهف؟

مروان: هناك كهوف غريبة جدًا في الصحراء الغربية.. مثلاً كثر الكلام مؤخرًا عن كهف الوحوش الذي اكتشفه بعض الهواة بالصدفة.. إنه على بعد 900 كيلومتر جنوب غرب القاهرة.. لقد وجدوا فيه رسومًا غريبة جدًا تُذكّرنا بكهف "تسيلي" على حدود ليبيا والجزائر. هذه الرسوم تُظهر حيوانات لم يرها إنسان من قبل.. وعمرها لا يقلّ عن ثمانين قرنًا في عهد كانت الأمطار فيه تغمر الصحراء الغربية، وكان هناك صيد وصيادون.. عندما ساد الجفاف تحرك الناس إلى دلتا النيل ليصارعوا النهر المتوحش ويروّضوه.. كنت أعتقد أن هذا الكهف من تلك الكهوف الغامضة..

المذيع: أكره أن أقول ما أقول لكني معجب بمعنوياتك.. يصعب أن يجد المرء نفسه في موقفك ويتذكر كل هذه التفاصيل..

مروان: إنها تلك النعمة التي تجعلك تشعر بأن هذا كله غير حقيقي.. لهذا يتكلم من هو ذاهب إلى المقصلة مع جلّاديه وربما يلقي بعض النكات.. دعك من أنني تعلمت أنني أنجو من أقسى المواقف. القاعدة التي تنطبق على حياتي هي "عمر الشقي بقي"..

المذيع: ما أكثر ما يضايقك الآن؟

مروان: الحر.. الحر شديد خانق.. العرق يبلل كل شيء وعويناتي تنزلق كما أن الإمساك بالهاتف صعب..

المذيع: هل لك أن تصف لنا الكهف؟

مروان: إنه كهف.. لن أدخل في تفاصيل جيولوجية عن الصواعد والهوابط ونوعية الصخور.. لكن هناك ممرات جانبية لا يقل عددها عن أربعة، أكره تجربتها لأن هذا سيعقد مهمة البحث عني.. فقط هناك خلفي كومة هائلة من الصخور التي هوت.. لقد نجوت بمعجزة..

المذيع: هل هناك شيء يتحرك؟.. أية علامات على حياة؟



مروان: لا أعتقد.. لو كانت هناك أفاع أو وطاويط فقد أفزعها الانهيار.. لكن لحظة.. هل تسمع هذا الصوت؟.. صه.. هذا صوت خطوات؟.. بهذه السرعة قد..؟ لكن لا.. لحظة...

المذيع: مروان.. نحن لا نسمع شيئًا.. هلا تكلمت من فضلك؟؟؟ مروان؟




----------------


0
المذيع: لا أعرف ما حدث لكن المكالمة قد انقطعت.. هناك شيء خطأ لا أعرف ما هو.. سوف أجرّب طلبه مرة أخرى.. لا أعرف ما رآه ولا سبب هذا التوتر في صوته.. صبرًا.. اطلبه لنا يا مراد من فضلك.. صوت جرس؟.. جميل.. إذن الموجات لم تنقطع.. هلم ردّ يا أخي...

مروان (همسًا): أنا في موضع آخر من الكهف.. انزلقت يدي فأغلقت المكالمة... أنا آسف.... للحظة سمعت صوت خطوات، ثم تهيأت لي رؤية شخص يمر عبر فتحة الممر.. لقد مر فعلاً هكذا جريت لألحق به.. أنا الآن في بداية ممر آخر، وطبعًا لا يعكس الهاتف الكثير من النور، لكن من الواضح أنه لا يوجد أحد هنا..

المذيع: وكيف كان يبدو (بفرض أنه ليس خيالاً)..

مروان (همسًا): لا أعرف.. خيّل لي للحظة أنه أطول من اللازم.. كان يمشي وقد انحنى للأمام.. لو شئت الدقة لقلت إن ركبتيه تنثنيان للأمام كذلك.. لكن كل هذا كان لجزء ضئيل من الثانية، فلا يمكن أن يكون وصفي دقيقًا لهذا الحد.. أعتقد أن الظلام يوتّرني، ولربما بدأت أرى نيرون أو هتلر بعد قليل..

المذيع: ولماذا تهمس؟

مروان (همسًا): هذا الممر مليء بالمخابئ الجانبية.. ثمة احتمال لا بأس به أن يكون هذا الشيء هنا..

المذيع: قلت إن.....

مروان: بان إله المراعي عند الرومان.. هكذا كانوا يرسمونه كماعز تمشي على قدمين.. نفس الطريقة العجيبة في انثناء المفصل للأمام..

المذيع: لا أعرف الكثير عن الأساطير الرومانية، لكني أعرف فقط أنه لا يوجد شيء كهذا.. أعتقد أن نقص الأوكسجين يلعب دورًا في هذه الرؤى.... لحظة من فضلك... (للمستمعين) لقد أغلقت الهاتف ومروان لا يسمعني الآن.. أسأل عن كمية الأوكسجين المتاحة له الآن.. كم من الوقت يمكن أن يمر قبل أن يختنق.. معي هنا الجيولوجي مصطفى إمام.. أنت سمعت السؤال...

مصطفى: لا يمكن التحديد بالضبط.. لكن المدخل الوحيد الذي نعرفه للكهف مغلق.. ربما كان الكهف مليئًا بالهواء، لكنه هواء فاسد غالبًا.. أعتقد أنني أعطيه ساعتين أو ثلاثًا..

المذيع: أه.. هذا خبر سيئ.. لا أعتقد أن الإنقاذ يمكن أن يتم قبل هذا.. إنهم يتكلمون عن عشر ساعات على الأقل.. على كل حال مروان لم يسمع هذا الجزء.. سوف أتصل به من جديد.. آلو.. مروان.. كيف الحال؟

مروان: لماذا أغلقت الهاتف؟

المذيع: كانت هناك موجات تحدث ضوضاء.. لا عليك.. أرجو ألا تبتعد في هذا الممر حتى لا تجعل الأمر عسيرًا.. والآن هل يمكنك أن تصف لنا الممر الذي أنت فيه؟

مروان: الإضاءة واهنة جدًا.. أعاني الأمرّين كي أرى الجدران.. لكن.. لحظة.. أنا مدخن. نسيت هذا.. معي علبة ثقاب.. سأشعل عودًا لأجعل الرؤية أفضل.. (صوت العود).. هناك بالفعل وطاويط كثيرة تتدلى من السقف.. لم يزعجها الصوت.. كثيرة جدًا.. بررررر!

المذيع: حاول ألا تستفزها...

مروان: لست مجنونًا كي أفعل.. انطفأ العود... قل لي.. هل أبي وأمي يسمعانني الآن؟ قل لهما إنني بخير وأحبهما جدًا.. قل لمروة أختي كذلك إنني أحبها.. لم أتعمد أن أحرجها أمام صديقاتها عندما... أنا طيب لكني أحمق مندفع.. هي تعرف ذلك..

المذيع: ثق أن الغضب منك آخر شيء في ذهنها الآن... إنها تشاهد الصور معنا وتسمع صوتك وتدعو لك بالنجاة.. لا شك في أننا نعطل اتصال الكثيرين بك.. الهاتف مشغول طيلة الوقت بسببنا..

مروان: (صوت عود آخر).. سوف أفحص الجدران.. تبًا...

المذيع: ماذا هنالك؟

مروان: هناك عظام جوار الجدار.. حيوان قد مات هنا منذ زمن.. ولكن.. لا.. هذه الجمجمة.. ليست لحيوان.. هذه جمجمة إنسان.. هناك كذلك عظمة ساعد ومجموعة من الضلوع..

المذيع: هل تقصد أن هناك من مات هنا قديمًا؟

مروان: لا أدري.. آي.. العود انتهى وأحرق أصابعي.. سأشعل عودًا آخر.. (صوت عود ثقاب)..هناك أكثر من هيكل هنا.. بل الكثير منها.. هناك خبر آخر هو أنني أرى قطعًا من قماش.. قماش حديث.. قطعة من قميص وعليه علامة التمساح الشهيرة.. يخيل لي أن هذه العلامة لم تكن توضع على ثياب رجال الكهف القدامى منذ 8000 سنة.. هناك بقايا سروال جينز كذلك.. لقد مات هؤلاء قريبًا جدًا..

المذيع: ماتوا جوعًا وظمأ مثل..  أ..

مروان: تقصد مثلما سيحدث لي؟.. لا أعرف.. لكني أرى العظام عن كثب.. هناك قطع لحم متحللة متشبثة بها. لماذا تبقى بعض قطع اللحم حول العظام بعد التحلل؟ (صوت عود آخر).. الجواب هو أنها تمّ تجريدها تجريدًا من اللحم بفعل فاعل..

المذيع: هل تعني أن هناك وحشًا في هذا الكهف؟ أسدًا صحراويًا أو ضبعًا؟

مروان: ربما... لكن الخيال الذي رأيته كان يمشي على قدمين. إنني أفكر في أن تكون هذه الكهوف مأوى غول آدمي.. ربما عدد من الغيلان الآدمية.. وهذا لا يجعل وضعي أكثر أمنًا..



-------



D0
المذيع: لا تؤاخذني يا مروان.. بصراحة أعتقد أن نقص الأكسجين قد بدأ فعلاً يؤثّر على...

مروان: قل ما تريد يا عمر... عندما أخرف فأنا أعرف بشكل ما أنني أخرف.. ثق أن حواسي مرهفة تمامًا وأعي كل شيء أراه وكل كلمة أقولها..

المذيع: لكن.. موضوع الكهف العامر بالغيلان هذا... يبدو لي سخيفًا..

مروان: أتمنى أن يكون سخيفًا وأن أكون أحمق.. لكن وددت لو كنت مكاني..

المذيع: هناك ورقة جاءتني من الإعداد الآن.. شيء لا يصدّق لكنه سيروق لك.. هناك ثلاث فتيات يتصلن بالبرنامج وهن يطلبن يدك! نعم لا مزاح هنالك.. لقد صرت بطلاً قوميًا.. هناك مئات الأمهات يدعون لك، ويبدو أن بناتهن يعتبرنك بطلاً.. على فكرة لقد عرضنا على شاشتنا صورة لك... سوف أفتح الخط ليصلك صوت واحدة تتصل بالاستوديو من القاهرة.. أنا لم أرها.. اسمها (نرمين).. أليس كذلك؟.. (نرمين).. هل أنت معنا؟

نرمين: نعم.. نعم.. هل هو يسمعني؟ هل تسمعني يا مروان؟

مروان: نعم يا نرمين. أسمعك..

نرمين: سوف تخرج إن شاء الله وتنجو من هذه المحنة يا مروان.. لا تخف.. أنت لا تعرفني ولم ترني، لكني أؤكد لك أنني سأكون خير خطيبة لك عندما تخرج من هنا..

مروان: أنت رقيقة جدًا ومجاملة.. لكن لو قبلتِ بالزواج من كل شخص في ورطة فأنت نفسك في ورطة.. وقوعي في ورطة لا يعني أنني إنسان رائع..

نرمين: سمعت صوتك ورصانتك وطريقتك في الكلام واحتفاظك برباطة جأشك وروح دعابتك.. أنا واثقة من أنك إنسان نادر..

مروان: صدقيني.. قبل أن أسجن هنا لم تكن أية فتاة تهتم بي.. لا أجد سببًا قويًا كي يتغير هذا..  إن هذا يحدث كثيرًا للمحكوم عليهم بالإعدام في قضايا يتعاطف معها المجتمع.. إنهم يتلقون سيلاً من طلبات الزواج...

نرمين: سوف تخرج من هنا وتعرف أنني صادقة.. و...

مروان: يا للهول!.. إذن هذا هو ما كنت أحسبه... ليست وطاويط محتشدة!

المذيع: لحظة يا نرمين.. عم تتكلم يا مروان؟

مروان: هذه البقعة في السقف.. ليست وطاويط محتشدة.. إنه كائن شبيه بالبشر يلتصق بالسقف كالبرص.. لا أعرف شكله بالضبط؛ لأنه في الظلام، لكنه كائن حي ويشبه البشر كما قلت لك... هناك واحد آخر كذلك.. لهذا لا أجد هذا المتسلل.. إنهم يتسلّقون للسقف ويحشرون أنفسهم هناك كسحالي الإجوانا.. يجب أن أغادر هذا الممر؛ لأنهم سوف يهبطون فوقي في أية لحظة...

المذيع: إذن ابتعد يا مروان عن هذا الممر... ثم نواصل الكلام... (يكلم شخصًا آخر).. لقد أغلقت الاتصال.. هل سمعت يا مهندس مصطفى؟ هل تعتقد أن هذيان نقص الأكسجين قد بدأ؟

مصطفى: واضح تمامًا.. إنه يخرف بلا زيادة ولا نقصان.. لا أعرف إن كان بوسع فريق الإنقاذ إدخال ماسورة تضخّ الأوكسجين أو شيء من هذا القبيل؟ إنه يحتضر ببطء..

المذيع: هل من احتمال أن يكون صادقًا؟

مصطفى: كهف به غيلان تلتصق بالسقف وتلتهم البشر؟ كم من الوقت بقي كي نهذي نحن؟

المذيع: حسن. سأفتح الهاتف من جديد... مروان.. هل غادرت الممر؟ آسف لأن انقطاع الخطوط يتكرر..

مروان: أو لتقول ما لا تريد أن أسمعه.. لا مشكلة.. أنا الآن في المكان الذي كنت فيه عند البداية.. أو هذا ما أعتقده.. بيني وبينك.. لا أريد البقاء هنا.. لا أتوقع أن يصل رجال الإنقاذ.. سوف أجرب ممرًا آخر على اليسار.. من الوارد جدًا أن يكون هناك مخرج..

المذيع: ولماذا لم يجده الذين ماتوا؟

مروان: لأنهم لم يموتوا بالجوع أو الظمأ.. ماتوا لأن هناك من قتلهم والتهمهم.. ألا تفهم هذا؟ واضح أنك لا تصدّق حرفًا مما أقول.. على كل حال أنا أتحرك الآن على ضوء الهاتف الأزرق الخافت.. أشعر بالظمأ الشديد.. لا بد أنني فقدت لترين من الماء بسبب هذا العرق الغزير...

المذيع: لا تصمت وصف لنا كل شيء..

مروان: هذا الممر يختلف.. هناك قاعة.. قاعة في حجم غرفة نومي مرتين.. أرى في المنتصف تشكيلاً حجريًا غريبًا أقرب لمائدة.... بل هي مائدة فعلاً لأن عليها عظامًا..

المذيع: هل هي بشرية؟

مروان: لحظة.. أعتقد ذلك.. هي عظام صغيرة فلا بد أن تكون طبيبًا لتحكم.. نسيت السقف.. يجب أن أرى السقف.. سأشعل عود ثقاب.. لا.. لا يوجد شيء على ما أعتقد... هناك في هذا الركن صخور ناتئة غريبة.. لا يمكن أن يكون هذا تكوينًا جيولوجيًا بل صنعته يد بشرية.. إنها درجات.. درجات تقود لأعلى...

المذيع: هل تعني؟ جميل. جميل.. ربما لو تسلّقتها لبلغت مكانًا ما..

مروان: لا أدري.. إن هذه الدرجات تقود لفتحة في سقف الكهف.. هناك وراءها ظلام.. لا أرى ضوء النهار... لكن لن أتردد طبعًا... سوف أتسلق!





-------------


DE0
المذيع: هل تسمعني يا مروان؟ هل تسلقت؟

مروان: صبرًا.. إن التسلق ليس سهلاً... سوف أصمت قليلاً لأنني لا أستطيع التسلق بيد واحدة.. إن الهاتف المحمول يضايق حركتي وليست لدي جيوب أضعه فيها..  آه ه ه!!

المذيع: مروان.. ماذا حدث؟

مروان: لقد.. لقد انزلقت قدمي وسقطت... أرجو ألا يكون كاحلي قد.. لا.. فيما عدا الألم أنا بخير.. خفت كذلك أن يكون الهاتف قد تهشّم لكنه بخير..

المذيع: أرجو أن تكون حذرًا.. لو أنك تعرضت لكسر لا سمح الله........

مروان: أعرف.. أعرف.. لو كنت محقًا بصدد هذه الكائنات فهي تملك ممصات قوية تثبتها في الصخور، لهذا تستطيع تسلق هذه الصخور الزلقة.. أنا لست مثلها.. سأحاول من جديد وبالطبع لن أتكلم..

(صمت طويل)

المذيع: هل تسمعني يا مروان؟ هذا الانتظار يحطم الأعصاب حقًا..

مروان: تسلقت... أنا الآن في مستوى أعلى من الكهف.. هناك ضوء أحمر غريب يغمر المكان ولا أعرف مصدره لكنه يسمح بالرؤية.. كأن الصخر ذاته مشع. مثل.. مثل الفحم عندما تستقر النيران بداخله ثابتة واثقة فيبدو كحجر كريم... هناك رسوم على الجدران. رسوم تشبه تلك التي تراها على جدران الكهوف الغامضة الأخرى..

المذيع: هل لك أن تصفها لنا؟

مروان: هناك.. هناك رسوم تبدو كمجموعة رجال يلاحقون فريسة.. شيئًا يشبه الوعل. إنهم في كهف مغلق يتحسسون الجدران.. هناك ما يشبه مشاجرة.. مأدبة.. إنهم يتصارعون.. هناك ثلاثة يأكلون بقايا الآخرين... فهمت.. في وقت ما منذ ثمانية آلاف سنة سُجن بعض الصيادين في هذا الكهف.. وقد اضطروا لأن يأكلوا الخفافيش ويأكلوا بعضهم البعض. مع الوقت تطوّرت هذه الكائنات على طريقة (هـ. ج. ويلز).. صارت غيلانًا حقيقية ترى في الظلام وتأكل اللحم النيئ وتمشي على الجدران.. هذا الكهف يعجّ بهم. لا بد أن تحولاً جيولوجيًا ما أدى لفتح الكهف من جديد.. لكنهم لم يعودوا بحاجة للخروج.. لقد صاروا كائنات الكهف.. صار هذا عالمهم الحقيقي.. ربما يخرجون في الظلام لاقتناص فريسة والعودة هنا. وأعتقد أن العظام التي رأيتها كانت تخص مكتشفين حمقى دخلوا هنا ليكتشفوا الحقيقة المروعة قبلي..

المذيع: نظرية معقدة جدًا.. ولماذا لم تهاجمك هذه الكائنات حتى الآن؟

مروان: لا أدري.. ربما هم يرتّبون ذلك الآن.. ربما يخشون ضوء الهاتف الأزرق الغريب.. ربما هم مندهشون لأنني وحيد وأتكلم.. لا أدري.... لكني لن أنتظر حتى يتشجّعوا... لحظة.. هناك قطعة عظام.. إن ثيابي معي ربطتها كحرملة حول عنقي قبل التسلق.. سوف ألفّ الثياب على هذه العظمة وأصنع منها مشعلاً... سأشعل عود ثقاب...

المذيع: أعتقد أنك تبالغ يا مروان.. لكن ما دام هذا يريحك..

مروان: لا شيء يريحني سوى أن أرى ضوء النهار.. صدقني.. هناك عظمة أخرى مدببة سوف أستعملها كرمح... لا بأس... لست خائفًا الآن...

المذيع: هل توجد مخارج في هذا الطابق الذي أنت فيه؟

مروان: هناك حافة صخرية تشبه الشرفة.. وهي تطل على.. تصور أنني لم أر ما تطل عليه بعد..

المذيع: لم لا تلقي نظرة ولكن بحذر...

مروان: هذا هو.. رباه!... هذا مشهد لا يمكن وصفه.. إنني أطل على هاوية عميقة.. وفي هذه الهاوية تشتعل نار زرقاء غريبة.. هناك شياطين حقيقية ترقص حول هذه النار.. شياطين لا تمس الأرض بل تحلّق.. من حين لآخر أرى هيكلاً عظميًا يرقص وسط اللهب.. هناك سلاسل تتشبث في لحم أناس معذبين يصرخون، وهناك كائن عملاق يشبه الوطواط يضحك... إن هذه رقصة الموت.. رقصة الجحيم.. إنني أرى مشهدًا من كابوس...

المذيع: لقد أغلقت الهاتف أيها المستمعون.. يبدو لي أن هذه هي النهاية.... لقد فقد توازنه تمامًا.. سأفتح الهاتف.. مروان.. أنا هنا..

مروان: أين ذهبت؟ إن ذلك الوطواط العملاق يراني.. لقد بدأ يتحرك وسط اللهب الأزرق وهو ينظر لي.. ما أقبح وجهه وما أبشعه! اسمع.. سوف أفرّ من هنا.. سأهبط في الدرج إلى حيث كنت.. 


المذيع: احترس يا مروان.. لقد كان الصعود الحذر صعبًا، وكدت تكسر ساقك، فكيف بالهبوط الأخرق؟

(صوت صرخة)


-----------------


0
المذيع: مروان.. مروان!!!!

مروان: أي!... أصبر يا أخي.. هذه المرة أنا في مأزق حقيقي.. أنا هنا في أسفل الدرج.. أي.. لقد تهشّمت ساقي فعلاً.. العظمة في اتجاه آخر تمامًا..  كاد الهاتف يتهشّم لكني وجدته جواري بمعجزة.. إن المشعل هناك.. لكنه انطفأ.. 

المذيع: إذن أنت الآن أسفل الدرج.... 

مروان: نعم.. نعم.. القاعة التي فيها منضدة حجرية... هذه منضدة تقدمات على ما يبدو، ويبدو أنني صرت فريسة ممتازة... 

المذيع: كفّ عن هذا الكلام.. سوف يصل رجال الجيش حالاً... (صوت انفجار).. هل تسمع هذا الصوت؟ الديناميت! لقد فجّروا الصخور التي تسدّ مدخل الكهف... الفرج قريب.... 

مروان: عرفت هذا لأن الحصى والحجارة تتساقط بغزارة فوق رأسي.. اهتزّ المكان بقوة.. قل لهم أن يسرعوا...

المذيع: حاضر.. كفّ أنت عن استهلاك الأكسجين... 

مروان: ما زلت تعتقد أنني أهذي... لكن.. أنا أسمع أصواتهم.. أنظر لأعلى فأرى هذا الوطواط اللعين يطل عليّ من أعلى الدرج.. هناك كائنات تتشاور وتطل علي من فوق.. يبدو أنهم ينتوون النزول..

المذيع: ماذا أقول لك؟ اصبر يا أخي... 

مروان: إنهم قادمون.. لكني أؤكد لك.. سوف أموت وأنا أقاتل.. سأحطّم رءوسهم بهذه العظمة... لو كانت لهم رءوس...

المذيع: (صوت أحدهم يتكلم) اصبر يا مراد.. ماذا تريد؟

مراد: (يهمس)

المذيع: لقد أغلقت الخط.. ماذا تريد يا مراد؟. هذا ليس بالوقت المناسب..

مراد: لقد تمكّن رجال الجيش من فتح ثغرة ودخلوا الكهف.. إنهم بالداخل الآن.. 
 المذيع: رائع.. سيداتي سادتي.. إن هذا الفتى لمجدود الحظ.. وجدناه في ذات اللحظة التي بلغ فيها النهاية فعلاً.. لا بد أن طائرة هليوكوبتر طبية سوف.... 

مراد: لقد وجدوه فعلاً جوار المدخل.. 

المذيع: جميل.. إذن لماذا لا نفتح الاتصال؟

مراد: إنه ميت.. الفتى ميت وقد هشمته الصخور تمامًا.. لقد مات لحظة الانهيار الأول بالضبط.. يحاولون إخراج أشلائه الآن! لم تكن عنده فرصة للمشي أو الاتصال بك.. قلت لك إنه تهشّم لحظة الانهيار!

المذيع: يا سلام! إذن مع من كنت أتكلم لمدة ساعتين؟

مراد: لا نعرف... آ.. بالمناسبة.. أمّه متوفاة وأخته لا تُدعى (مروة).. عرفنا هذا عندما اتصلت أسرته بنا!

المذيع: كفّ عن السخف.. هل تسمعني يا مروان؟ المفروض أن رجال الجيش عندك الآن..

مروان (يضحك بوحشية): أعتقد أنك عرفت الحقيقة الآن... لكنك أحمق.. كلكم حمقى.. كيف تتصور يا جاهل أن تخترق موجات المحمول كل هذه الطبقات من الصخور؟ إنه يعمل بصعوبة في الخلاء في هذه البقعة، فكيف يكون الاتصال بهذا الوضوح من كهف منهار؟ 

المذيع: وكل هذا الكلام عن الغيلان وآثار الخطوات و... و...؟ 

مروان: لو كانت هناك حقيقة فهي أن هذا الكهف شيطاني.. كل الشياطين تحبّ العبث.. لقد أثرت خيالكم لفترة لا بأس بها، لكن الحفل قد انتهى للأسف.. فقط أتمنى لو جاء المزيد من الفضوليين هنا ليروا بأنفسهم. سوف نمرح كثيرًا جدًا... هاهاها....! (ضحكات شيطانية عديدة)

(صوت صفير طويل)

المذيع: (صمت طويل) في الواقع.. لا أعرف ما يجب أن يُقال.. لا أعرف شيئًا على الإطلاق.. سوف يعكف الخبراء على فهم هذه المكالمة وتحليلها.. لقد اعتدنا المزاح والدعابات العملية، لكننا لم نعتد أن تأتي التسلية من شيطان.. شيطان وجد جهاز محمول للمرة الأولى وقرر أن يعبث به.  والسؤال الأهم هو هل هذا الشيطان تقمّص شخصية مروان، أم أن مروان نفسه صار كذلك بعد.. بعد...؟ إنني صرت مخرفًا..... أعرف شيئًا واحدًا هو أن هذا الكهف يحوي سرًا مخيفًا، ولو كنت أملك السلطة لقمت بتدميره بحيث لا يدخله أحد بعد اليوم. 

مراد: ثمة سؤال أخطر: كم من كلام الفتى كان صحيحًا وكم منه كان خداعًا؟

المذيع: إن الرجال سوف يفتّشون الكهف بالتأكيد.. سوف نخبركم بكل ما يرد إلينا بهذا الصدد.. تعازينا الحارة لأسرة الفقيد، أما الآن فلسوف نعود إلى الاستوديو.. كان معكم (عمر الأسيوطي) مراسل قناة (الشرارة).

تمت




 -من موقع بص و طل -


No comments:

Post a Comment